أطفال يبحثون عن الرزق في جوف الحجر بصعيد مصر

لا تزال قوانين حماية الأطفال غائبة عن مناطق كثيرة من مصر، حيث تشهد العديد من محافظات صعيد مصر جريمة يومية تتمثل في تشغيل الأطفال في أخطر أنواع العمالة على الإطلاق، وهي العمل في تكسير صخور الغرانيت في محاجر الصعيد.
الثلاثاء 2017/11/14
أطفال تختفي ملامحهم تحت تراب الحجارة وقسوتها

على الرغم من أن جلّ القوانين المصرية جرّمت عمالة الأطفال وشدّدت العقوبة على أيّ صاحب عمل يثبت قيامه بتشغيل الأطفال، إلا أنّ هذه القوانين لم توفر أيّ بدائل لعائلات هؤلاء الأطفال التي تقتات على أجورهم الزهيدة التي يحصلون عليها جرّاء القضاء على براءتهم وقتل طفولتهم كل يوم.

يستيقظ هؤلاء الأطفال قبيل الفجر، ليحملوا أدوات عمل ثقيلة بدلا من حمل حقائب الدراسة، وبدلا من أن يذهب الطفل للمدرسة يذهب للجبل ليعمل في أكثر المهن مشقة يمكن أن يعمل بها طفل في مثل هذا العمر المبكر من حياة أي إنسان.

وفي أحد المحاجر بمحافظة المنيا، نرى مشهدا معتادا، تظهر فيه مجموعة من الأطفال أعمارهم أقل من 15 سنة، يعملون بجهد في تكسير الغرانيت، وهو أحد أقسى أنواع الحجارة، في المحجر، وتحت تراب الحجارة وقسوتها تختفي ملامحهم الطفولية وتنحني ظهورهم، ويظهر عليهم الكبر وهم مازالوا في عمر الزهور.

يوجد بين هؤلاء الأطفال، علاء وحمادة توأمان يبلغان من العمل 10 سنوات يرويان مأساتهما بكلمات طفولية بسيطة لا تعرف “التقعر” ولا المبالغة في الخطاب فيقولان بلهجة أهل الصعيد وبعفويتهم “والدنا متوفي ولدينا أخوات بنات وعيب أن تخرج السيدة أو الفتاة للعمل،لأن الولد مهما كانت سنه صغيرة بعدما يموت والده يكون رجل البيت والمسؤول عن أمه وأخواته، لذلك غادرنا المدرسة وعملنا في المحجر، واليومية 40 جنيها للواحد (الدولار الأميركي يساوي 18 جنيها مصريا تقريبا)، ويبدأ العمل منذ طلوع الفجر وينتهي على الساعة 3 بعد العصر هذا في الشتاء. ولكن في الصيف نبدأ على الساعة الـ4 بعد العصر ونكمل العمل في الفجر”.

وبسؤال أحد المسؤولين عن المحجر، ويدعى عوض.. عن سبب تشغيل الأطفال في مثل هذه الأعمال الشاقة التي تعرّض حياتهم للخطر وتعرّضه هو نفسه للمساءلة القانونية يقول إنه حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي كانت أعمال المحاجر تقتصر على شركة واحدة فقط في مصر بنظام الاحتكار، وكان عدد العمال لا يتجاوز 50 عاملا، لكن من بداية الثمانينات بدأ التدافع على المحاجر بسبب المكاسب وزيادة الطلب على منتجاتها من الغرانيت أو الرخام، حيث أدى مثل هذا التدافع إلى بداية ظهور عمالة الأطفال في هذا المجال الصعب والخطير بالرغم من منع القانون تشغيل الأطفال في مثل هذه الأعمال الخطيرة.

وأشار عوض في نفس الوقت إلى أن هناك حوالي ثلاثة آلاف طفل يعملون في المحاجر بمنطقة الجبل الشرقي في المنيا دون تأمين صحي أو اجتماعي، منبها إلى أن العمل في المحاجر أصبح هو مجال العمل الوحيد المتاح أمام الأطفال لإعالة أسرهم، وبما يمثله هذا من خطر على سلامتهم الصحية والنفسية، وذلك بعد ضيق الرقعة الزراعية وتراجع الطلب على العمالة الزراعية، واضطرار عدد كبير من العائلات، التي لا عائل لها أو تعاني من الفقر لتشغيل الأطفال في مثل هذا العمل الخطير الذي يهدد سلامة الأطفال ويحظره القانون.

العديد من محافظات صعيد مصر ترتكب جريمة يومية تتمثل في تشغيل الأطفال في تكسير صخور الغرانيت في المحاجر

أما حسين فرغلي، صاحب محجر في إحدى محافظات الصعيد، فيؤكد من جانبه على أنه مجبر على تشغيل الأطفال في المحجر الذي يديره، وذلك لعدم توافر العدد الكافي من العمال الذين يقبلون العمل في المحاجر، مع وجود فارق في الأجر بين العامل الكبير في السن وبين الطفل الصغير.

كما يؤكد في نفس الوقت على أن معظم هؤلاء الأطفال ينتمون إلى عائلات فقيرة ليس لها عائل رجل، وبعضهم يتيم وتعتمد أسرته عليه لتوفير قوتها اليومي من حصيلة الأجر الذي يحصل عليه في نهاية اليوم، كما أنه من العيب في الصعيد أن تعمل النساء والبنات، لذلك فإن الأسر تكون مضطرة لأن تدفع بأطفالها للعمل في المحاجر، بالرغم من خطورة مثل هذا العمل.

وفي بحث خاص حول عمالة الأطفال كشفت مرام حامد، الباحثة في العلوم الاجتماعية، عن أن الدافع الاقتصادي هو الدافع الأساسي وراء دفع العائلات لأطفالها للعمل في بيئات غير صحية، حيث يمثّل دخل الأطفال من مثل هذه الوظائف حوالي ثلاثة أرباع دخل الأسرة التي تعتمد عليه في حياتها اليومية.

وأكدت أنه بالرغم من أن الأطفال العاملين في مثل هذه المهن يشعرون بالاستقلالية والرضا عن النفس بسبب قيامهم بإعالة عائلاتهم، إلا أن الدراسات الاجتماعية والنفسية أظهرت في نفس الوقت أن مثل هؤلاء الأطفال يصبحون أكثر عدوانية تجاه غيرهم من الأطفال، بالإضافة إلى أنه يسهل استدارجهم لسلوكيات غير مقبولة ويسهل التحرش بهم أيضا.

ويتفق معها محمد نور الإخصائي النفسي مع هذا الرأي، مضيفا أن الأطفال قد يتعرّضون أثناء عملهم، وبغض النظر عن نوع هذا العمل، إلى أشكال من الإجهاد النفسي والجسدي، بالإضافة إلى ما يتعرّضون له من عنف من جانب صاحب العمل بدعوى تحقيق مصلحتهم وتعليمهم فنون الصنعة التي يعملون بها.

وأشار نور إلى أن عمالة الأطفال كمبدأ عام لا يمكن قبولها بشكل مطلق، في إشارة إلى حالات يمكن فيها أن يعمل الطفل في وظائف مناسبة لسنه، لكن مع ذلك فإن عمالة الأطفال تتعارض مع ضرورات أخرى في حياة هؤلاء الأطفال خلال هذه الفترة من طفولتهم، مثل ضرورة وجودهم في المدرسة خلال فترة التعليم الأساسي.

واعتبر أن ذلك ينتهك حق الطفل في التعليم، بالإضافة إلى أن الطفل الذي ينخرط في العمل بسن مبكرة، فإن ذلك يكون مؤذيا له على الصعيد النفسي والجسماني.

21