أطفال فلسطين في حاجة إلى مداواة جراحهم النفسية

أشارت الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء، إلى أن الأطفال يشكلون الفئة الأكثر تضررا في حالات الحروب، ويظهر ذلك جليّا في الآثار النفسية التي خلفها العدوان الإسرائيلي الأخير على الأطفال الفلسطينيين الذين عايشوا الحرب الأخيرة وما أصابهم من الخوف والهلع، فيما لاحظ أخصائيون تنامي سلوك العنف وشعور الكراهية لديهم.
غزة (فلسطين) - نجت الطفلة الفلسطينية مريم الشوا من الموت، لكنها لم تنج من آثار حرب إسرائيل الأخيرة على غزة بعد أن فقدت والدها وتعرضت لجرح نفسي هائل.
وتبدو منى (12 عاما) أسيرة ذكريات حياتها مع والدها وسط حاضر تحاصره دموع الاشتياق وفاجعة الفقدان.
وتقول مريم بنبرات متقطعة إنها فجعت بخبر مقتل والدها في غارة إسرائيلية قرب منزلهم في غزة، فأصيبت بصدمة شديدة لم تختف آثارها حتى اليوم.
وتضيف أنها كثيرا ما تتخيل والدها عائدا إلى المنزل فتظل تبكي بحرقة.
وبعد الحرب وجد أطفال غزة أنفسهم الحلقة الأضعف في الصراع الدامي، فمنهم من فقد أحد والديه أو أشقاءه ومنهم من بقي دون صديق.
مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس حدّة خوف الأطفال وبكائهم، وصلت إلى حدود الخشية من حلول المساء والعتمة
وأحصت وزارة الصحة في غزة مقتل 65 طفلا إضافة إلى العشرات من الأطفال المصابين.
وفيما توقفت غارات إسرائيل وتلاشت رائحة البارود بين المناطق السكنية في القطاع لا يزال ما خلفته الحرب من صدمات نفسية يحاصر الأطفال.
ومن بين الركام يحاول علاء أبوحطب استيعاب الصدمة، بعد أن انتشلت من تحت أنقاض منزله في مخيم الشاطئي للاجئين غرب غزة جثث أفراد عائلته ولم تتبق له إلا طفلة واحدة.
ويقول أبوحطب إن طفلته الصغيرة سلمى (8 أعوام) هي الناجية الوحيدة بعد مقتل والدتها وأشقائها الأربعة في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منزلهم.
ويضيف أن سلمى “نجت بأعجوبة بعد أن كانت في الطابق الثالث من المنزل لتجد نفسها تحت الركام بعد دوي سلسلة انفجارات، وهي لا تزال تعاني من صدمة شديدة”.
ويشير أبوحطب إلى أن طفلته نادرا ما تتكلم مع أحد وتظل أغلب الوقت شاردة الذهن حزينة وهي تتذكر والدتها وأشقاءها.
ونشر العديد من الناشطين في غزة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مسجلة عكست حدة الخوف الذي ينتاب الأطفال وبكاءهم خلال ليالي الحرب وما بعدها، وقد وصل بهم الأمر إلى حد الخوف من حلول المساء وظهور العتمة.
وينتاب الفزع الطفلة لينا كحيل (10 أعوام) كلما سمعت صوتا مرتفعا، في ظل ما أصابها من صدمات نفسية بفعل الحرب.
ولا تخرج لينا من منزلها وسط غزة إلا برفقة والدتها التي تقول إن طفلتها أصبحت انطوائية بشكل حاد ولا تريد رؤية أحد رغم مرور كل هذه المدة على انتهاء الحرب.
وتشير إلى أن طفلتها تشعر بالخوف دائماً لأن الحرب يمكن أن تتكرر في أي لحظة، كما لا تزال ترفض الخروج للعب مع صديقاتها خشية الموت.
وتقصد الطبيبة النفسية نسرين أبوعرجة عددا من الأطفال الذين تتطلب حالاتهم النفسية تدخلا عاجلا في ظل ما يعانونه من صدمات نفسية حادة.

وتقول أبوعرجة إنها رصدت الكثير من الأعراض المبدئية على سلوكيات الأطفال اليومية بفعل ما عانوه من صدمات نفسية نتجت عن الحرب.
وتشير أبوعرجة إلى أنه تم رصد ارتفاع في نسبة الاضطرابات النفسية لدى الأطفال في غزة، بما في ذلك الاضطرابات
السلوكية السيئة والعنيفة، ما يتطلب خضوعهم لجلسات تفريغ نفسي مكثفة.
وتضيف أن الحرب خلفت اضطرابات نفسية حادة، خاصة أن القصف المكثف كان يحدث في وقت نوم الأطفال، ما أدى إلى تأثيرات عقلية سلبية لدى البعض بالإضافة إلى تنامي سلوك العنف والكراهية.
وحذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية من أن الأطفال في غزة سيعانون على مدى السنوات القادمة، وسيحتاجون إلى علاج مكثف من الصدمات الحادة.
ويقول المختص في مجال الدعم النفسي في غزة الطبيب سامي عويضة إن “الأطفال في غزة يعانون من الخوف وقلة النوم”، مضيفا أن هؤلاء الأطفال في غزة “تعرضوا لصدمات عنيفة وهم بحاجة إلى وقت طويل للتكيف نظرا إلى شعورهم بغياب الأمن والخوف من الموت أو النزوح، ما وضعهم في مواجهة ضغط نفسي لا يحتمل”.

وكان 11 من أصل 60 طفلا فلسطينيا قتلوا جراء غارات إسرائيلية وهم يشاركون في برنامج يهدف إلى مساعدتهم على التعامل مع الآثار النفسية الناجمة عن تدهور الأوضاع في قطاع غزة منذ سنوات.
وقال مجلس اللاجئين النرويجي في بيان له إن الأطفال لقوا حتفهم في منازلهم الواقعة بمناطق مأهولة ومكتظة بالسكان، وقُتل وأُصيب عدد من أقربائهم، وتتراوح أعمار جميع الأطفال بين 5 و15 عاما.
وذكر المجلس أنه يعمل مع عشرات المدارس في القطاع ويصل إلى أكثر من 75 ألف طالب عبر تدخل نفسي واجتماعي ضمن برنامج يدعى “برنامج تعلم أفضل”، يستهدف تعزيز الصحة النفسية ومهارات التأقلم للأطفال في أماكن الحرب والنزاعات في الأراضي الفلسطينية.
وبات مقر برنامج غزة للصحة النفسية وجهة الكثير من العائلات بحثا عن معالجة الصدمات النفسية التي لحقت بالأطفال جراء كثافة غارات إسرائيل وأصوات الانفجارات العنيفة.
ويقول مدير برنامج غزة ياسر أبوجامع إن أغلب الاستشارات التي يستقبلونها تتم من أحد الوالدين نظرا لعدم قدرة الأطفال نفسيا على المجيء بأنفسهم إلى مراكز العلاج.
ويوضح أبوجامع أن طاقمهم رصد الكثير من الأعراض النفسية لدى الأطفال، منها آلام البطن والمفاصل والكوابيس الليلية، إلى جانب حالات الانطواء والعزلة الاجتماعية والاكتئاب والقلق.
وينبه أبوجامع إلى أن الاضطرابات النفسية تظهر غالبا عبر اضطرابات سلوكية سيئة وعنيفة؛ حيث تُحدث الحروب زيادة في العنف لدى الأطفال في الوسط المدرسي أو داخل المنازل.