أطفال العراء

الاثنين 2015/08/03

لا يحلم بغير المأوى الآمن وإن كان رصيفا عاريا، أو أسفل كوبري بالشتاء. ليست له مطالب سوى ما يوارب باب جوعه طالما لا سبيل لإغلاقه، الطعام بقاموسه “بقايا” باردة، أو فتاتا مجه الآخرون.

الحرب القاسية لا تعير أرقام ضحاياها اهتماما، فقد تقتل آلافا وتصيب مثلهم وتحول أرقاما تفوق هذا العدد بكثير إلى لاجئين وأيتام وأطفال شوارع، لا فرق.

أحالت حرب سوريا الدائرة رحاها منذ مارس 2011 الملايين إلى لاجئين بدول الجوار وأهمها تركيا، والتي شهدت حالات من القسوة ضد الصغار الذين يكافحون للبقاء، فهذا الطفل السوري البائس الذي ضربه أحد العاملين بمطعم تركي. لم يكن يذهب لتركيا الساحرة لمتعة صيفية أو نزهة طويلة على شواطئها والاحتماء من صيف قائظ بنظرة طويلة “منعشة” لفتياتها الساحرات.

هذا الصغير لم يذهب سائحا داعما بدولاراته الاقتصاد التركي ومرحبا به كقيمة مضافة إلى الأرقام الصاعدة، ولكنه لاجئ مسكين يبحث عن الحياة في بقايا غيره، يقتات من بضاعة مزجاة، بضع مناديل ورقية.

لم يرحمه الرجل فقط لأنه حاول عرض ما يحمله من بضاعة على زبون محترم من علية القوم لا ينبغي له أن ينظر لوجه داسته عجلات الحرب وطبعت ملامحه بؤسا وفقرا حتى لا يتعكر صفو يومه!

كال للطفل كما هائلا من الشتائم والإهانات وقدرا لا بأس به من اللكمات والركلات فقط لأنه طفل العراء لا جاه يحميه ولا سفارة دولة تحترم مواطنيها ستشجب، وتستنكر، وتهدد، وتتوعد بكل العقوبات، وقطع العلاقات لإهانة طفل يحمل جنسيتها.

لا ذنب للصبي ولا جريرة غير الفقر، والحرب، وقسوة الآخر الذي لا يرى غير نفسه، فهو مذنب ومعاقب مسبقا أيا كان فعله، لا يحمل غير الخوف يخبئه بأكمامه كلما مالت نفسه للهدوء والطمأنينة، اتكأ على ذراعه يستنشق رائحة الخوف تفوح من ملابسه.

جلس ليس ببعيد، وطفق يواري دموعه ويخصف عليه من ورق مناديله، يلتقط قطرات من دماء سالت على الجسد الطري والعود اللين.

ذكرني الصغير بـ”بائعة الكبريت” التي قدمت بضاعتها الفقيرة مهرا للدفء في بلاد الجليد، أشعلت أعواد الثقاب واحدا تلو الآخر تحتمي من برد وإختبأ الجميع منه بمنازلهم، ولكنها لم تكن تملك منزلا ولا عائلة، لم تكن تملك غير عود ثقاب تهاوى أمام ريح عاتية.

وهكذا الصغير. لا يملك غير مناديله الورقية التي لا يؤمن له ثمنها وجبة ساخنة. ولكن بضع قروش قد تخمد نار الجوع المتأججة بداخله لبعض الوقت.

يشترك الكثير من الأطفال في ذات “الهم” ونفس القدر من الجوع والفقر والعوز في الكثير من البلاد المصنفة بدول العالم الثالث.

أبناء الحروب، وأطفال الشوارع لا فرق بينهم غير مسميات تدرجها المنظمات الدولية ضمن تقاريرها السنوية عن أحوال المهمشين بالدول الفقيرة والأقل حظا.

ارحموهم وترفقوا بضعفهم بدلا من ضمهم إلى قوائمكم السنوية فلولا العجز عن حل مشكلاتهم ما كانوا أرقاما إضافية لقوائم المهمشين.

21