أضداد الأمس في تونس يجتمعون على شيء واحد: التشويش على مسار 25 يوليو

تخلت العديد من الأحزاب التونسية عن خلافاتها لتعلن استعدادها للتحاور في محاولة لتعزيز الجبهة الرافضة لمسار الخامس والعشرين من يوليو، في خطوة يعتبرها مراقبون تندرج في سياق المحاولات الرامية إلى التشويش على المسار المذكور الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وذلك بعد فشل هذه الأحزاب في تعبئة الشارع ضد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو والتفهم الخارجي لهذه الإجراءات.
تونس - يعكس إعلان أحزاب سياسية تونسية، كانت متضادة قبل الخامس والعشرين من يوليو، استعدادها للدخول في تحالفات ضد مسار الخامس والعشرين من يوليو الذي يقوده الرئيس قيس سعيّد، اجتماع هؤلاء على شيء واحد وهو التشويش على المسار المذكور بعد الفشل في تقويضه.
وتركت عدة أحزاب كانت معروفة بانتقادها للفساد والإسلاميين خلافاتها جانبا وأعلنت استعدادها للتحاور مع أحزاب مثل حركة النهضة، التي يحمّلها طيف واسع مسؤولية أزمات تونس، من أجل معارضة مسار الخامس والعشرين من يوليو.
ويرى مراقبون أن هذه الإعلانات تذكّر التونسيين بتحالف الثامن عشر من أكتوبر، عندما مدت أحزاب يسارية وقومية يدها إلى الإسلاميين للتكتل ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، دون أن تمتلك بدائل حقيقية يمكن طرحها على التونسيين لتغيير أوضاعهم الصعبة.
وتتخفى تلك الأحزاب وراء شعارات مثل الدفاع عن "الشرعية والمؤسسات الديمقراطية"، في إشارة إلى البرلمان الذي تم تجميد أعماله واختصاصاته في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وقال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح لوسائل إعلام محلية، إن حزبه مستعد للحوار مع حركة النهضة ومع عبير موسي (رئيسة الحزب الدستوري الحر) إن قبلت بذلك، موضحا "مستعدون للحوار مع كل الأطراف التي تؤمن بالدولة المدنية والتجربة الديمقراطية وتعطي قيمة للدستور، ومستعدة للقيام بتنازلات وتضحيات من أجل إنقاذ البلاد دون شروط".
أحزاب كانت تنتقد الإسلاميين أعلنت استعدادها للحوار مع النهضة التي يحمّلها طيف واسع مسؤولية الأزمات
وكان التيار الديمقراطي قد حمّل في وقت سابق حركة النهضة مسؤولية انسداد الأفق السياسي في تونس وزيادة الاحتقان الشعبي، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه اليوم لا يجد حرجا في تقديم عروض إلى النهضة للتشويش على مسار الخامس والعشرين من يوليو.
ويقول مراقبون وأوساط سياسية تونسية إن هذه المحاولات للتشويش فقط، خاصة أن إعلان الرئيس سعيّد عن خارطة طريق واضحة لقي ترحيبا خارجيا من قبل شركاء تونس، علاوة على افتقار هذه الأحزاب إلى القدرة على حشد الشارع وتقديم بدائل للحكم.
ورغم التباعد الظاهر أيديولوجيا وسياسيا بين عدة أحزاب، إلا أنها التقت على هذه المحاولات للتشويش، حيث صعّد الحزب الدستوري الحر بقيادة موسي الذي يجاهر بالعداء للنهضة، الخصم الرئيسي لسعيّد، مع رئيس الجمهورية.
وأعلن الحزب في بيان أصدره الثلاثاء تمسكه بمواصلة اعتصام "الغضب 2"، الذي يستهدف غلق مقر اتحاد علماء المسلمين، في محاولة لإحراج سعيّد وتوسيع مطالبه لتشمل المطالب الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب المطالب السياسية الملحة.
وأكد استعداده لتنفيذ أيام غضب في مختلف المناطق وتنظيم مسيرة ضخمة نحو قصر قرطاج، في صورة "تعنت رئيس سلطة تصريف الأعمال واستمراره في تغليب رغباته وحساباته السياسية الضيقة على المصلحة العليا للوطن، والتسبب في الانهيار الشامل للدولة"، حسب نص البيان.
ويبحث حزب موسي، الذي راهن على الإطاحة بالإسلاميين من الحكم، عن تعزيز موقعه السياسي من خلال تواجده على الميدان وحشد أنصاره، عبر بعث رسائل مفادها أن هذا الحزب يعمل على حماية الدولة، مستفيدا من الإرث التاريخي للحزب الدستوري الذي قاد الدولة التونسية في مرحلة ما بعد الاستقلال.
واختارت موسي معارضة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيّد، بعد أن كانت أول من طالب بحل البرلمان، وقد اعتبرت في تصريح لها أن حزبها مهد الطريق لرئيس الجمهورية لاتخاذ قرار تجميد البرلمان.
الأحزاب التي تعارض قيس سعيد فقدت تموقعاتها السياسية واختارت صف المعارضة لعرقلة المسار الانتقالي في تونس
وأعلنت موسي أنها لن تعترف بأي نتائج تنبثق عن الاستشارة الوطنية التي أطلقتها السلطات التونسية منذ بداية العام، مشيرة إلى أنها ستتقدم بشكوى قضائية ضد المشرفين عليها بتهمة "إهدار المال العام وتدليس إرادة المواطنين".
وقد أشار قيس سعيّد خلال اجتماع وزاري إلى تغيير بعض الأحزاب موقفها من الإجراءات الاستثنائية، قائلا “إن بعض الأصوات أخذت تتصاعد بين الحين والآخر رفضا لهذه القرارات، بعد أن كانت قد رحبت بها، معتبرا ترحيبها حينها لم يكن صادقا، بل كانت تمني نفسها بالمناصب".
ويعتبر مساندون للرئيس سعيّد أن التدابير الاستثنائية "خطوة ضرورية لاستكمال المهام الوطنية التي طالب بها الشعب التونسي، وهي الخيار الوحيد المتاح لمنع العودة إلى الوراء"، بعد أن تعمقت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة الصحية في سياق تفشي وباء كوفيد - 19.
وقد تكونت تحالفات سياسية على أساس رفض مسار الرئيس سعيّد، كما علت أصوات بعض القوى المدنية والمنظمات غير الحكومية، التي تعلن بين الحين والآخر تخوفها من استهداف حرية التعبير وغيرها، في خطوات مثيرة للجدل.
ويؤكد محللون أن الأحزاب التي تعارض قيس سعيّد اليوم هي في الواقع فقدت تموقعاتها السياسية، واختارت صف المعارضة لعرقلة المسار الانتقالي في تونس.