أصداء أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان العراق تبلغ الأمم المتحدة

أربيل (كردستان العراق)- بدأت الضغوط المالية التي تفرضها السلطات الاتّحادية العراقية على سلطات إقليم كردستان وما يترتّب عنها من أزمة رواتب، تلقي بظلالها على الاستقرار الاجتماعي في الإقليم الذي بدأ يشهد حركة تململ وتلويح بالاضرابات والاحتجاجات لا تحتملها أوضاعه الحساسة التي يمرّ بها خلال فترة إعادة تشكيل سلطاته بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفي ظل توتّرات المنطقة من حوله لاسيما في سوريا.
وشرع العاملون في عدد من القطاعات بالإقليم لاسيما في قطاع التعليم يعبّرون عن احتجاجاتهم على عدم تسلم رواتبهم للشهر الثاني تواليا، وذلك باستخدام أسلوب الإضراب عن العمل.
وتقف وراء تشدّد بغداد في تحويل المستحقات المالية لإقليم كردستان والمبالغة في الاشتراطات وتعقيد الإجراءات قوى سياسية شيعية بالأساس متحكّمة بزمام الدولة العراقية وجلها موالية لإيران ولا تتردّد في استخدام المسائل المالية ومن ضمنها قضية الرواتب كسلاح سياسي للضغط على سلطات الإقليم ومحاولة تكييف سياساتها بما يتوافق مع توجهات طهران السياسية والدينة والطائفية ويخدم مصالحها في العراق.
ولا يخلو الأمر من مفارقة تتمثّل في تحالف طرف سياسي في إقليم كردستان مع الأحزاب والفصائل الشيعية الحاكمة في بغداد ومساهمته في تعقيد قضية الرواتب.
ويتعلّق الأمر بالاتحاد الوطني الكردستاني الذي عارض استخدام نظام جديد وضعته حكومة الإقليم لتسليم الرواتب لمستحقيها تحت مسمى “حسابي”.
واعتبر الاتحاد أن إنشاء ذلك النظام إجراء خاص بمنافسه الأكبر الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأنّه مخالف لتوطين الرواتب الذي أقرته سلطات بغداد ويعني استخدام البنوك الاتحادية في صرف رواتب موظفي الإقليم رغم أنّ مدن الأخير لا يوجد بها سوى عدد قليل من فروع تلك البنوك.
وتقول سلطات كردستان العراق إنّها أوفت بجميع الشروط اللازمة للحصول على مستحقات الإقليم المالية وحصّته من الموازنة الاتحادية، وكذلك بجميع إجراءات إيصال الرواتب لمستحقيها بما في ذلك إنشاء نظام “حسابي” المذكور، وإنّه لا يحول دون إيفاء بغداد بالتزاماتها سوى عراقيل مفتعلة ذات خلفيات سياسية تضعها بعض الجهات ذات النفوذ في الدولة الاتّحادية.
وتحت تأثير طول أزمة الرواتب واشتدادها وانسداد أفق حلّها اتجهت بعض الفئات المتضررة منها نحو محاولة “تدويلها” وإبلاغ صداها إلى الأمم المتحدة.
ولهذا الغرض قام العشرات من الناشطين المدنيين، الأربعاء، بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى الممثلية الأممية في مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق ضد وزارة المالية الاتحادية لعدم إرسال رواتب الموظفين والعاملين بشكل كامل إلى الإقليم.
وقدّم هؤلاء الناشطون مذكرة احتجاج إلى الأمم المتحدة وإلى مجموعة من قنصليات الدول الأجنبية من بينها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا تضمّنت شرحا مفصلا لقضية تأخّر صرف رواتب الموظفين في الإقليم جرّاء تلكؤ الوزارة في تحويل المبالغ المخصصة لها.
وقال رزكار الشيخ علي رئيس المنظمة الدولية للبيشمركة (جيش الإقليم) في مؤتمر صحفي إن ما تقوم به الحكومة الاتحادية من تأخير وعدم صرف الرواتب يعد عقوبة بحق حكومة إقليم كردستان وشعبه.
واعتبر أن هذه العقوبة متعمدة من قبل الحكومة الاتحادية ومجموعة من المسؤولين بينهم وزيرة المالية طيف سامي.
◄ مفارقة في قضية الرواتب تتمثل في مساهمة الاتحاد الوطني الكردستاني في تعقيدها من خلال اعتراضه على نظام حسابي
وحوّلت أزمة الرواتب محافظة السليمانية إلى مركز للاحتجاجات والإضرابات التي طالت عدّة قطاعات في مقدمها قطاع التعليم.
وبدأت العملية التعليمية في كردستان العراق تواجه تحدّيا كبيرا بسبب الأوضاع الصعبة التي يواجهها العاملون في القطاع والناتجة عن عدم الانتظام في الحصول على رواتبهم جرّاء ارتهان حكومة الإقليم ماليا للحكومة الاتّحادية العراقية التي لم تنقطع جهات نافذة داخلها عن إثارة المشاكل ووضع العراقيل أمام إمداد الإقليم بحصته من موازنة الدولة وتحويل رواتب موظفيه بشكل منتظم.
وأصبحت قضية الرواتب مؤثّرة بشكل واضح على سير تلك العملية التي ظلّت على مدى سنوات ماضية إحدى نقاط قوّة الإقليم من حيث التنظيم وحسن الإدارة المؤثرين إيجابيا على مستوى التعليم ومخرجاته قياسا بتردي التعليم في باقي أنحاء العراق.
وبادرت الجهات المشرفة على العملية التعليمية في كردستان العراق منذ منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي بوضع نظام تعليمي مختلف عن النظام المطبّق في العراق مستعينة بتجارب وخبرات أجنبية ومساعدة منظمات دولية مهمة بمجال العلم والثقافة.
وحذر اتحاد معلمي إقليم كردستان، الثلاثاء، من توقف الدوام الرسمي للعام الدراسي 2024 – 2025 في المدارس والأوساط التعليمية الحكومية في الإقليم جراء تأخر صرف الرواتب الشهرية للكوادر التدريسية والموظفين العاملين في وزارة التربية.
وقال رئيس الاتحاد أحمد كرمياني في مؤتمر صحفي إن “منذ عشر سنوات وإلى غاية الآن نعاني من مشكلة تأخير صرف رواتب موظفي الإقليم بشكل عام والكوادر التدريسية بشكل خاص مما تسبب بتأخير وتعطيل الدوام في بعض مناطق الإقليم والمناطق المتنازع عليها في المدارس الكردية.”
ودعا كرمياني حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية إلى حل مشكلة رواتب المعلمين والتدريسيين محذرا من خطورة توقف الدوام الرسمي في المدارس لعدم تسلم الكوادر التدريسية رواتبهم لشهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين.
ولا تقتصر الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن أزمة الرواتب على قطاع التعليم بل تشمل عدة قطاعات حيوية أخرى حيث شهدت محافظة السليمانية أيضا خلال الفترة الأخيرة إضراب موظفي دوائر حكومية وأطباء.
وأعلن الأطباء المقيمون الأحد الإضراب عن العمل في جميع المراكز الصحية احتجاجا على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وظروف العمل التي يصفونها بالقاسية.
وحذا حذوهم موظفون بالتسجيل العقاري، بينما قاطع عدد من المدرّسين بالسليمانية وحلبجة قاعات التدريس احتجاجا على عدم تسلمهم رواتبهم منذ شهرين.
ونقلت وسائل إعلام محلية شهادات تعكس حالة الغضب والامتعاض لدى المدرسين وموظفي قطاع التعليم. وقال دلشاد ميراني ممثل المعلمين المحتجين لوكالة شفق نيوز المحلية إنّ المعلمين يطالبون بصرف مستحقاتهم المالية، مشيرا إلى حالة القلق التي تساورهم بشأن مصير راتب شهر ديسمبر الجاري بالنظر إلى عدم حصولهم على راتبي شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين.
وأضاف ميراني أن أزمة الرواتب المتأخرة تفاقمت بسبب الخلافات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، ما أدى إلى عجز الموظفين والمعلمين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية واستمرارهم في عملهم بشكل طبيعي.
وأكد أن المعلمين بدأوا بالفعل مقاطعة أعمالهم كخطوة احتجاجية أولى، داعيا الجهات المعنية إلى الإسراع في إيجاد حلول تضمن صرف الرواتب المتأخرة قبل نهاية العام.