أصحاب متاجر الهواتف في سوريا سعداء لخلاصهم من سطوة "إيماتيل"

دمشق - تنفّس عبدالرزاق حمرا الصعداء أخيرا، بعدما بات بإمكانه فتح متجره لبيع الهواتف الخلوية في دمشق يوميا من دون أن يخشى التعرض للاعتقال أو الابتزاز من عناصر أمن عملوا لصالح شركة اتصالات مرتبطة بعائلة الأسد احتكرت السوق طيلة سنوات.
قرب ساحة المرجة في وسط العاصمة السورية، يروي أصحاب متاجر لبيع الأجهزة الخلوية موزعة داخل برج تجاري وفي محيطه، كيف كانت قوات الأمن قبل إطاحة الرئيس بشار الأسد، تدهم محلاتهم بين الحين والآخر وتصادر بضائعهم وتعتقلهم، عند عثورها على هواتف خلوية لا تحمل شعار شركة “إيماتيل”، التي احتكرت السوق وقضت على المنافسة.
ويقول حمرا (33 عاما) “عندما يجدون جهازا ليس عليه علامة إيماتيل، يقومون بمصادرة الأجهزة كلها.”
يستذكر الرجل مرتجفا كيف تم اعتقاله ثلاث مرات منذ عام 2020، وتكبده خسائر كبيرة بعد مصادرة بضائع بقيمة 10 آلاف دولار، وتعرضه للضرب في السجن. ويقول “اتهموني أنني لا أعمل مع إيماتيل… نمت مئة يوم ويوم في السجن.”
أسس رجل الأعمال السوري خضر طاهر إيماتيل في 2019. وفي العام التالي، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على الشركة ومؤسسها الملقب بأبوعلي خضر.
شركة "إيماتيل" كانت الموزع التجاري لمنتجات الهواتف الذكية والمنتجات الالكترونية، من بينها لعلامات تجارية مثل سامسونغ ونوكيا
ويتهم طاهر بأنه مورد رئيسي للفرقة الرابعة في الجيش السوري التي كان يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، بما في ذلك من خلال إنشاء شركة أمنية خاصة أصبحت “الذراع التنفيذية غير الرسمية” للفرقة.
ويعتقد أن زوجة بشار الأسد، أسماء، لديها كذلك ارتباط بالشركة، وفق الخزانة الأميركية.
وكانت شركة إيماتيل الموزع التجاري لمنتجات الهواتف الذكية والمنتجات الإلكترونية، من بينها لعلامات تجارية مثل سامسونغ ونوكيا وهواوي وآبل، وفقا لنشرة “سيريا ريبورت” الاقتصادية الإلكترونية.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت أن متجرا واحدا على الأقل من متاجر إيماتيل تعرض للنهب بعد سقوط الأسد، فيما توقفت فروع أخرى عن العمل.
وأفاد أصحاب متاجر صغيرة بأنهم خسروا تجارتهم نتيجة للمداهمات المتكررة والابتزاز تحت حكم الأسد.
وأصبح مصطفى خلايلي عاطلا عن العمل بعدما اضطر لإغلاق متجره للهواتف المحمولة، الذي كان يوظف خمسة أشخاص، بعدما اعتقاله لمدة عام وخسارته بضائع بقيمة 40 ألف دولار بسبب المداهمات المتكررة والمصادرات.
ويروي الشاب “الخوف لا يوصف، كنا نجلس في المتجر خائفين.. كل منا يودع أهله قبل أن يأتي إلى المتجر.” ويضيف “كنا بأي لحظة معرضين للاعتقال بسبب الهواتف.”
ويقول خلايلي إن ضابطين ونحو 20 عنصرا من قوات الأمن فتشوا متجره لثلاث ساعات بحثا عن أي هواتف لم يشترها من إيماتيل.
ورغم أنهم لم يعثروا على شيء، لكنهم اقتادوه الى السجن وألصقوا به تهما وهمية وصادروا الهواتف، على حد قوله.
أصحاب متاجر صغيرة أفادوا بأنهم خسروا تجارتهم نتيجة للمداهمات المتكررة والابتزاز تحت حكم الأسد
ويشرح “كل ما أرادوه كان مصادرة الأجهزة،” موضحا أنها كانت “سرقة صريحة.” كما أُجبرت شركات الهواتف الأكبر حجما على الإغلاق أو تقليص نشاطها.
ويروي أصحاب المتاجر كيف أن قوات الأمن المرتبطة بالفرع 215 التابع للمخابرات العسكرية كانت تدهم مؤسساتهم بين الحين والآخر، بينما كان مسلحون من مجموعات موالية للأسد يروعونهم أيضا.
ويقول وسام وهو أحد أصحاب المتاجر “لم يكن هناك أي مبرر لهذه المداهمات سوى أن شركة إيماتيل كانت تابعة لأبوعلي خضر (طاهر) الذي كان يرهبنا بالفرع 215.”
ويرى محمّد الملحص أن “الفرع 215 كان عبارة عن عصابة أكثر من أي شيء آخر.”
ويروي صاحب متجر الهواتف الخلوية “فتّش أحد الضباط جميع أجهزتي لمدة ساعة ونصف الساعة، ثم قال لي: اعتبر هذه الزيارة ودية، مسموح لك فقط بايماتيل.”
وبحسب ما يروي أصحاب المحلات، كان بإمكان القادرين على دفع رشى لعناصر الأمن الذين ينفذون المداهمات، أن يتجنبوا الاعتقال. لكن كثرا لم تتوافر لديهم تلك الإمكانية.
وقال محمّد جمو (25 عاما) إن الابتزاز والمضايقات أجبرته على إغلاق متجره وبيع الهواتف في كشك موقت في الشارع، قبل أن يتم اعتقاله ويطلب منه آلاف الدولارات ليتمكّن من الخروج.
ويشرح “لم يكن معي أموال لأدفع … فأمضيت خمسة أشهر في السجن.”
ويضيف “في السابق، كان بيع الهواتف أشبه بارتكاب جرم كبير ولم يكن يجرؤ أحد على شراء أي جهاز لا يحمل علامة إيماتيل.”
ويتابع “الآن، الحمد لله، انتهى ذلك.”