أصالة تدفع ثمن أصالتها في جمهورية لبنان المحتلة

الجمعة 2014/09/26

أوقفت الفنانة أصالة في مطار بيروت استجابة لدعوى قضائية من النظام السوري تتهمها بإهانة الدولة السورية ودعم الجماعات الإرهابية، إضافة إلى تهمة كلاسيكية بالعمالة للعدو الإسرائيلي. قيل إن التوقيف تم بناء على مذكرة صادرة عن الأنتربول ليتضح أن التوقيف يعود إلى الدعوى التي رفعها ضدها النظام السوري عبر عصابة من المحامين التابعين له.

تم توقيف الفنانة السورية لساعة في مطار بيروت، وحجز جواز سفرها قبل أن يتدخل وزير العدل أشرف ريفي ويعيد إليها جوازها، ويوضح أنه لن يسمح بأن يكون لبنان أداة بيد نظام الأسد وأن سبب التوقيف سياسي ولا يستند على أي مرجعية قانونية.

المضحك المبكي في هذه الحادثة هو ذلك الربط المستحيل بين أي سياق يتصل بالنظام السوري وبين أي بنية قانونية. يريدنا النظام أن نتخيل أنه قبل ارتكابه مجازره الكيميائية قد جال العالم وحصل على تواقيع كل الدول والمنظمات الإنسانية، وتم تاليا تصنيف أطفال الغوطة قانونيا كحشرات سامة تشكل خطرا على البشرية، لذا كانت إبادتهم بهذه الطريقة خاضعة لبنية قانونية عالمية محكمة.

يمتلك النظام بنية قانونية متضخمة يطلق عليها اسم البرميل المتفجر، وهو يحشوها بالبارود القانوني والأنتربولي ويرميها عشوائيا على الناس دون تحديد هدف. حليفه الإلهي في لبنان تعامل مع المحكمة الدولية بتقديسه القتلة وفتح أمينه العام أبواب الزمن على مصاريعمها حين طُولب بتسليمهم فقال “ولا بـ 300 سنة”.

يحب النظام ومن معه القانون وكذلك يحترمون العدالة والأديان. منذ فترة عرض مشهد لإعدام لفتى على أحد حواجز الجيش السوري القانوني لأن هويته الشخصية مكسورة، كما أن مراسم تأليه بشار الأسد والصلاة له التي يجبر زبانيته المعتقلين لديهم على القيام بها هي جزء من احترامه للبنى الحقوقية، وكذلك آلاف الصور للذين قضوا تحت التعذيب في سجونه التي كشف عنها مؤخرا، والتي وصفت بأنها الأقسى منذ الهولوكوست. الوزير والنائب السابق عبدالحميد بيضون علق على توقيف أصالة بالقول “حدا بوقّف أصالة”، و“هل من الممكن أن يوقف أحد أم كلثوم أو عبدالحليم، ما حدث يقول إن الحكومة لا تحكم وهناك من يحكم غيرها. هذا الوضع ليس صحيا للبنان، ليس الممنوع على أصالة أن تحمل سلاحا، ولكن الممنوع عليها كفنانة معارضة هو أن تغني”.

توقيف أصالة يطرح سؤالا حول المسار الذي يجر الحزب الإلهي البلد إليه. المطار لم يعد مكانا لاستقبال الفنانين بل صار معتقلا، وقد شاعت أخبار أن للحزب أقبية تعذيب واعتقال سرية تحت المطار يقوم فيها بإخفاء فوري لكل من يعارض النظام السوري. يعلم النظام ومن معه، أن توقيف أصالة غير ممكن عمليا، ولكنه يحاول أن يلطخ صورتها عند العامة الذين لا يستطيعون تفكيك الكلمات الكبيرة التي استعملت في وصف الحادثة.

يستعمل ما أسس له من رعب ومن تحوير لمعاني اللغة في محاولة خلق بصمة سوداء على صورة فنانة رفضت أن تكون جزءا من عملية تدمير التاريخ، وأن تكون راعية لمسح الجغرافيا، ورفضت أن تكون مطربة المجازر.

استعملت كلمات لها وقع مرعب مثل “الأنتربول” و“العمالة للعدو الصهيوني” في سياق لا يخاطب الوعي، ولكنه يستثمر المخاوف التي كان النظام أسس لها خلال 40 سنة من تسلطه على الشعبين السوري واللبناني. كبّر النظام صورته بالرعب، ونقل هذا التضخيم إلى حليفه الإلهي في لبنان حتى بات الناس ينسبون إليه قدرات خارقة. يؤسطر النظام الرعب ويستعمله ضد فنانة كبيرة، ذنبها أنها دافعت عن صوتها، فهي تعلم أنها لن تكون قادرة على امتلاك صوتها ما لم تهبه لصانعيه الفعليين وهم شعبها السوري واللبناني والعربي. جريمة أصالة التي يعاقبها عليها النظام بالوكالة في لبنان، أنها لم تسلم صوتها للجلاد كي يعيد إنتاجه على هيئته الغربانية.


كاتب لبناني

9