أشجار النخيل مكوّن أساسي في الثقافة والتراث العمانيين

مسقط- أشجار النخيل جزء هام من التاريخ والتراث العماني، حيث ارتبطت النخلة بكل تفاصيل حياة العمانيين اليومية منذ القدم، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية ومن نشاطهم الثقافي.
ونظرا إلى هذه المكانة، احتلت النخلة موقعها في مشروع “جمع التاريخ الشفهي العماني (المرويات العمانية)” الذي يأتي في إطار الحفاظ على التراث العماني وتوثيقه وتثمينه ونشره.
وضمن هذا المشروع جاء كتاب “النخلة في الموروث الثقافي العماني”، الذي صدر مؤخرا في مجلدين وقام بإعداده فريق بحثي مكون من الباحثين مسعود بن سعيد بن ناصر الحضرمي، وأحمد بن عبدالله بن مسعود العزيزي، ومراجعة من أحمد بن سعيد الحضرمي وعلي بن أحمد الحارثي، وبإشراف عام من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ليتناول النخلة بكافة مفرداتها من خلال مجلدي الكتاب الذي حوى مجلده الأول فصلين في 184 صفحة والمجلد الثاني على فصل واحد في 212 صفحة.
ويجد قارئ هذا الكتاب نفسه لا إراديا يجوب بخلده بين بساتين النخيل بمختلف أنواعها ومكوناتها وأنواعها خصوصا أن الباحثين استطاعا حصر 255 نوعا من أنواع النخيل ربما الكثير منها غير معروف لدى الغالبية من الناس.

العلاقة وثيقة بين النخيل والثقافة العمانية، حيث أثرت في الأدب والفنون الشعبية والشعر والأهازيج والألعاب وغيرها
ويحاول الكتاب توثيق الشهادات التاريخية للرواة العمانيين من المعمرين وكبار السن سواء من الرجال أم النساء الذين بلغ عددهم 75 مواطنا ومواطنة. وقام الفريق البحثي بجمع المعلومات من مختلف المحافظات العمانية، إضافة إلى محاورة عدد ليس بالقليل من له صلة بزراعة النخيل أو القائمين على الصناعات الحرفية المرتبطة بها، حيث تمكّن من الحصول على معلومات مهمة ساعدت على نجاح مشروع الكتاب.
وتناول المجلد الأول من الكتاب تاريخ زراعة النخيل وموقعه بين المزروعات الأخرى في حضارات العالم القديم وكيفية استمرار الاهتمام بها عبر الحقب التاريخية المختلفة، وزراعة النخيل في عمان وانتشارها في المحافظات المختلفة، ورصد أنواع التمور وأساليب التسويق.
واهتم الباحثان في المجلد الثاني بدراسة العلاقة بين النخيل والثقافة العمانية، فرصدوا احتفاء الأدب العماني والفنون الشعبية العمانية والشعر بالنخيل، كما تتبعوا الأمثال الشعبية العمانية التي ارتبطت بالنخيل والتمور، والأهازيج التراثية الشعبية المرتبطة بها، والألعاب الشعبية العمانية وموقع النخلة فيها، وموقع النخلة في القصص والحكايات الشعبية والأساطير العمانية.
والباحثان يرصدان تحليلا لجميع المصطلحات والمفردات التي يزخر بها الموروث الشعبي العماني حول النخيل والتمور ليتمكن الجيل الحالي من معرفتها والإلمام بها، والطقوس والأنشطة المصاحبة لها، والعادات والتقاليد والمأكولات العمانية المرتبطة بموسم زراعة وحصاد وجني التمور.
كما استعرض الكتاب الحرف والصناعات التقليدية المرتبطة بالنخيل والتمور، والوصفات الشعبية لعلاج بعض الأمراض اعتمادا على النخلة ومكوناتها، والتداوي بالتمور وبعناصر النخلة من العادات القديمة التي تعلمها العمانيون، وأفرد الباحثان لنتائج البحث وتوصياته المبحث الأخير في الكتاب على أمل أن تلقى المقترحات والتوصيات الاهتمام من قبل الجهات المعنية.
وسيجد القارئ التأكيد على أن سعي الباحثين إلى تناول موضوع النخلة في الثقافة العمانية جاء لكون أمرها يمس صميم الكينونة العمانية، ويرسم أهم ملامحها في الماضي وامتداده إلى الحاضر، حيث إن هناك الكثير من الحقائق والاستنتاجات التي تكشفت للباحثين حول ثقافة النخلة في المجتمع العماني ومنها أن نجاح الإنسان في زراعة نخيل التمر في المناطق الجافة وشبه الجافة من العالم، قد أسهم في انتشار هذه الشجرة في بقاع مختلفة من العالم، وقام العرب بدور كبير ومحوري في عملية الانتقال والانتشار، وشواهد التاريخ كثيرة على ذلك، كما تعد البقاع العربية والإسلامية أهم المناطق الجغرافية وأكثرها غنى بنخيل التمر.
وأخذت شجرة النخيل منزلة خاصة في وجدان الشعب العماني، وشكلت العديد من المظاهر الاجتماعية والثقافية في تركيبة الإنسان العماني حتى أصبحت من الموروثات الأصيلة الباقية برغم كل التحديات.. كما تعد النخلة بحد ذاتها لدى بعض المزارعين القدماء في معزة أبنائهم وحيثما وجه الناظر بصره في السلطنة، فإنه لا يجد مزرعة أو منزلا تخلو حديقته من شجرة نخيل.
الكتاب تناول أيضا العادات والتقاليد المتبعة والموروثة في مواسم جني المحصول وتوزيعه والدور المهم الذي قامت به المرأة العمانية في جمع وفرز وتخزين التمور، واستغلالها لأجزاء عديدة من النخلة في صناعات يدوية تقليدية استخدمت في أغراض منزلية وغيرها.
وقد حرص أهالي السلطنة على تناقل هذه العادات والموروثات من جيل إلى جيل، حيث إن مواسم زراعة النخيل وجني التمور لها مظاهرها الفريدة وخصائصها، التي جعلتها تشكل تجربة تراثية لها خصوصياتها مع كل موسم من مواسم الاحتفال بتلك الشجرة وثمارها.