أسواق بريطانيا المنبوذة ملاذ المستثمرين من التقلبات العالمية

ينظر المستثمرون إلى أسواق المملكة المتحدة باعتبارها ملاذا محتملا في الفترة المقبلة مع تزايد حالة عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في أوروبا، فيما يمكن أن يمثل تحولا مذهلا لبلد يبدو أنه فقد جاذبيته التقليدية لرأس المال العالمي.
لندن - يتيح الفوز الساحق الذي حققته حكومة حزب العمال البريطاني في انتخابات الأسبوع الماضي احتمال انتهاج سياسة يمكن التنبؤ بها وتحسين التجارة مع الاتحاد الأوروبي لإعادة إنعاش الاقتصاد الذي يعاني منذ التصويت لصالح البريكست.
ويثير الجمود البرلماني في فرنسا المثقلة بالديون ذكريات أزمات سابقة في منطقة اليورو، ويتدافع المستثمرون لتخمين ما قد تعنيه عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للأسواق.
ويشهد الاقتصاد البريطاني انتعاشا، ويتوقع مصرفيون تعافي أسواق الأسهم المحلية، التي تقلصت بسبب عمليات البيع المتواصلة خلال سنوات من الاضطراب في ظل حكومات المحافظين المتعاقبة.
وأبدى معهد بلاك روك للاستثمار، الذراع البحثية لأكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، الثلاثاء الماضي تفاؤله بشأن الأسهم البريطانية، وهو ما قد ينذر بتحول في المزاج بين المؤسسات العالمية الكبرى التي هدأ نشاطها في بريطانيا منذ عام 2016.
ولكن حتى أولئك الذين ينقلون الأموال إلى المملكة المتحدة حذروا من أن جاذبيتها كملاذ آمن قد تكون قصيرة الأجل ما لم ينفذ رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر خطة جريئة لتعزيز مستويات المعيشة دون إجهاد الموارد المالية المجهدة للبلاد بشكل أكبر.
وقال سيزار بيريز رويز، كبير مسؤولي الاستثمار في بيكتيت لإدارة الثروات، إن “الانتخابات (في المملكة المتحدة) تحسن الأمور على الهامش، كما أن عدم اليقين بشأن أوروبا بقيادة فرنسا يعني أنه قد تكون هناك فترة شهر عسل بالنسبة إلى بريطانيا لبعض الوقت”.
وأضاف لرويترز “ستطلب السوق المزيد من التفاصيل بشأن الإنفاق المالي ولم يقدم لنا (ستارمر) الكثير من المعلومات”.
وأكد رويز أنه باع بعض ديون الشركات الأوروبية بسبب المخاطر السياسية الفرنسية واشترى ما يعادلها في المملكة المتحدة بدلا من ذلك، لكنه قد لا يشغل المنصب بعد ستة أشهر.
وأظهرت بيانات يومية من مزود المعلومات ليبر أن المستثمرين استمروا في سحب الأموال من صناديق الأسهم البريطانية ومتتبعي سوق الأسهم منذ انتخابات الرابع من يوليو. ومع ذلك هناك أيضًا بعض العلامات الإيجابية.
وبعد ندرة الإدراجات في لندن تلوح في الأفق عروض كبيرة محتملة من شركات مثل شين ودي بيرز، حيث يتوقع بعض المصرفيين أن تنتعش سوق المملكة المتحدة على نطاق أوسع في العام المقبل.
وقامت هيئة تنظيم السوق في بريطانيا الخميس الماضي بتسريع مجموعة من التغييرات في قواعد الإدراج، في محاولة لتشجيع المزيد من الاكتتابات العامة الأولية.
وتضاءلت حصة لندن من أحجام الاكتتابات العامة الأولية الأوروبية إلى واحد في المئة فقط في العام الحالي حتى منتصف مايو الماضي، بانخفاض من 28 في المئة عن الفترة ذاتها من عام 2021 عندما ازدهرت السوق.
وقال بريان هانراتي، رئيس أسواق رأس المال في بيل هانت، “هناك عدة أسباب تجعلنا إيجابيين وبالتأكيد أكثر إيجابية نسبيا بشأن المملكة المتحدة مقارنة بالمناطق الأخرى”. وأضاف “لا أريد أن أقول إن الأمر يشبه انهيار السد”.
وأوضح أنه لاحظ أن الشركات تعقد اجتماعات مبكرة للمستثمرين والمزيد من المناقشات مع المحاسبين حول الاكتتابات العامة الأولية.
كما أصبح بعض كبار المستثمرين أكثر تفاؤلا أيضا. وقال سلمان أحمد، رئيس شركة فيديليتي إنترناشيونال للأصول المتعددة، “سنرى دورة حميدة تترسخ” إذا أعاد حزب العمال بناء الروابط التجارية مع الاتحاد الأوروبي وأنعش الإنفاق التجاري.
وتتخذ شركة فيديليتي وجهة نظر محايدة بشأن بريطانيا على الرغم من أن بعض الصناديق تزيد من تعرضها للمملكة المتحدة.
وقال مات إيفانز، مدير المحفظة في ناينتي ون، إن “الشركات البريطانية التي التقى بها كانت تستعد لمشاريع استثمارية كانت قد أجلتها في عهد المحافظين”.
وتظل الموارد المالية العامة الضعيفة في بريطانيا مصدرا للقلق، حيث تقترب ديونها من 100 في المئة من الناتج الاقتصادي، ولا تزال فوضى السوق في 2022 التي أطلقتها الميزانية المصغرة لرئيسة الوزراء المحافظة ليز تراس متواصلة.
والآن يريد حزب العمال جذب الاستثمارات الخاصة في البنية التحتية والإسكان، وهو ما قد يعزز النمو في 2024 بما يتجاوز توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم والبالغة 0.7 في المئة.
وقال جيمس أثي، مدير الدخل الثابت في مجموعة مارلبورو الاستثمارية في لندن، إن “السندات الحكومية حصلت على دعم قصير الأجل من التخفيضات المتوقعة في الفائدة من بنك إنجلترا المركزي”.
لكنه أشار إلى أن المملكة المتحدة لن تكون ملاذا لسوق الديون ما لم يتمكن حزب العمال من إثبات التزام غير مجرب بحذر الميزانية.
ورغم أن العائد على السندات البريطانية لأجل 10 سنوات ظل بعيدا عن أعلى مستوياته المسجلة في 2023، إلا أنه مازال مرتفعا 60 نقطة أساس هذا العام إلى 4.15 في المئة، وهو أداء أقل من أداء نظيرتيه الأميركية والألمانية.
ويقول مارك داودينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بلوباي أسيت مانجمنت، إنه لن يزيد تعرضه للمملكة المتحدة بينما تظل الضغوط التضخمية قائمة.
وفي علامة أخرى على بعض الحذر كان أداء مؤشر فتسي 100 في لندن، الذي تم تقييمه على أساس نسبة السعر إلى الأرباح أقل بنحو 50 في المئة من الأسهم الأميركية، أقل من أداء المؤشرات العالمية حتى الآن هذا الشهر.
وقال دينيس خوسيه، رئيس إستراتيجية الأسهم في بنك بي.أن.بي باريبا، إن “مكافأة المخاطرة (في المملكة المتحدة) مواتية للغاية”، ولكن بالنسبة إلى عودة رأس المال؟ “ليس بعد. سيستغرق الأمر المزيد من الوقت”.