أسواق النفط في متاهة ارتفاع الطلب وفائض المعروض

المصافي تسارع لشراء شحنات من الولايات المتحدة وبحر الشمال مع ازدياد الاستهلاك خلال ذروة موسم الصيف.
الخميس 2025/06/12
بالنتيجة العالم لا يزال مدمنا على الوقود الأحفوري

تتجه أسواق النفط بسرعة نحو لحظة حاسمة، ففي ظل زيادة الإنتاج من دول تحالف أوبك+ وفي مقدمتها السعودية، تتعزز التوقعات بحدوث فائض في وقت لاحق من 2025 دون وجود مؤشرات على مدى حدوث ذلك، ما يجعل الكل يراقب عن كثب وسط تضارب في المواقف.

لندن - ظل الحدث الأبرز في أسواق النفط خلال الآونة الأخيرة هو قرار تحالف أوبك+ زيادة الإمدادات عبر إعادة كميات التخفيضات الطوعية إلى السوق تدريجياً، بالتزامن مع الحرب التجارية الأميركية، والتي قد تُضعف الطلب.

ورغم مرور وقت على الخطوة، لكن هناك إشارات ضئيلة على انهيار الأسعار حاليا، بل إن الأسواق، رغم تراجعها هذا العام، لا تزال صامدة نسبياً.

وأظهرت بيانات شركة بي.بي، التي تشغل مصافي تكرير من ولاية إلينوي الأميركية إلى روتردام الهولندية، أن الربع الثاني من 2025 كان الأكثر ربحية منذ أكثر من عام في مجال إنتاج الوقود.

وسارعت المصافي إلى شراء شحنات من الولايات المتحدة وبحر الشمال لتحويل الخام إلى منتجات مثل البنزين ووقود الطائرات، مع ازدياد الطلب خلال ذروة موسم الصيف في نصف الكرة الشمالي.

ويرى فريدريك لاسير، رئيس قسم أبحاث وتحليل السوق العالمية في غنفور غروب وهي من أبرز شركات تجارة النفط في العالم، أنها “ليست فكرة جيدة على الإطلاق أن تقوم بالرهان على انخفاض الأسعار في السوق وأنت على أعتاب زيادة موسمية في الطلب.”

فريدريك لاسير: ليست فكرة جيدة أن تقوم بالرهان على انخفاض الأسعار
فريدريك لاسير: ليست فكرة جيدة أن تقوم بالرهان على انخفاض الأسعار

وبحسب ما نقلته عنه بلومبيرغ فإنه “بعد ذلك، فالتوقعات للربع الرابع وعام 2026 تميل إلى تراجع الأسعار إلى حد كبير.”

وكانت التوقعات على نطاق واسع تشير إلى أن أسواق النفط ستواجه فائضا في المعروض بحلول نهاية هذا العام، حتى قبل التوجه الجديد لتحالف أوبك+، لكن الإضافات غير المتوقعة من التحالف عززت احتمالات حدوث تحول في مسار الأسعار.

وقال الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هيثم الغيص الثلاثاء إن “نمو الطلب على النفط سيظل قويا على مدى عقدين ونصف العقد مع زيادة عدد سكان العالم.”

وبحسب رويترز ذكر الغيص خلال مشاركته في معرض الطاقة العالمي في كالجاري بإقليم ألبرتا الكندي “لا توجد ذروة في الطلب على النفط تلوح في الأفق.”

وتتوقع المنظمة زيادة 24 في المئة في احتياجات العالم من الطاقة بداية من الآن وحتى عام 2050 على أن يتجاوز الطلب 120 مليون برميل يوميا خلال تلك الفترة. وتتماشى هذه التقديرات مع التوقعات العالمية لعام 2024.

وتحدد مصير السوق على كل من الدول المنتجة للنفط والبنوك المركزية في الدول المستهلكة على حد سواء. فحدوث هبوط في الأسعار من شأنه أن يقلل تدفق الدولارات من جهة، بينما تنخفض تكاليف الوقود من جهة أخرى، ما ينعكس على توقعات التضخم.

وتراهن السعودية على أن زيادة الطلب ستمنحها مساحةً لرفع إنتاجها واستعادة حصةٍ سوقية من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى خارج تحالف أوبك+، كما أفاد أشخاص مطلعون بلومبيرغ في وقت سابق من هذا الشهر.

واستقر سعر خام برنت حول 66.96 دولار للبرميل الأربعاء. ومنذ إعلان قرار أوبك+، ظل السعر يتداول بشكل عام بين 60 و67.5 دولار. فيما بلغ متوسط سعر البرميل في الأشهر الثلاثة السابقة 75 دولاراً.

ولأشهر، كانت توقعات وول ستريت تشير إلى أن نمو الطلب لن يتمكن من مجاراة الزيادة في الإنتاج من خارج تحالف أوبك+ هذا العام.

السعودية تراهن على أن زيادة الطلب ستمنحها مساحةً لرفع إنتاجها واستعادة حصةٍ سوقية من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى خارج تحالف أوبك+

ورغم أن الطلب القوي خلال فصل الشتاء وبداية الصيف، وربما بعض عمليات الشراء بغرض التخزين، قد أخرا المواجهة بين كمية المعروض والمطلوب، إلا أن الأسعار أيضاً في السنوات الأخيرة ظلت مرتفعة.

وكان ذلك المستوى كافيا لتحفيز موجة جديدة من الإنتاج في عدد من الدول، لاسيما في غيانا. كما بلغ الإنتاج مستويات قياسية، أو اقترب منها، في كندا والأرجنتين والصين.

وفي الولايات المتحدة، ورغم انخفاض عدد الحفارات لأدنى مستوى في 4 سنوات، إلا أن بيانات الإنتاج الأميركية الأخيرة قد تؤدي إلى إعادة النظر من قِبل السعوديين بشأن الحصص السوقية.

وارتفع إجمالي إنتاج النفط الأميركي إلى مستوى قياسي في مارس، مع تعديل توقعات إجمالي إنتاج الخام وسوائل الغاز برفعها أعلى كثيراً من التقديرات السابقة. ويعني ذلك أن أيّ تراجع في الإمدادات الأميركية سيكون انخفاضاً من مستويات قياسية مرتفعة.

وبدأت آثار الإنتاج المرتفع في الظهور. فلأول مرة منذ سنوات، بدت إشارات على تراكم المخزونات مع إغلاق المصافي حول العالم أبوابها لإجراء الصيانة الموسمية خلال الربيع. وزادت عمليات ملء الخزانات بأسرع وتيرة منذ عام 2020 بعد سنوات من الانخفاض.

وكانت الزيادة مدفوعة بشكل أساسي بمخزونات مقاطعة شاندونغ شمال شرق الصين، التي تضم شبكة ضخمة من المصافي المستقلة ومنشآت التخزين الإستراتيجية الجديدة إلى جانب مخزونات المناطق القريبة من محطات معالجة جديدة، وفق شركة كيروس المتخصصة في رصد المخزونات.

وعلاوة على ذلك، فالطلب في أكبر دولة مستوردة في العالم مهدد أيضاً، وذلك على خلفية استبدال السيارات العاملة بالديزل تدريجياً بسيارات تعمل بالغاز الطبيعي والكهرباء.

نايف الغيص: لا توجد ذروة في الطلب على النفط الخام تلوح في الأفق
نايف الغيص: لا توجد ذروة في الطلب على النفط الخام تلوح في الأفق

وتبقى مخزونات المنتجات المكررة الرئيسية مثل البنزين والديزل منخفضة، ما يعزز الحافز على مواصلة شراء النفط الخام.

وقال غاري روس، مستشار النفط السابق الذي يعمل حالياً كمدير صندوق تحوط في بلاك غولد إنفستورز إن “المخزونات منخفضة، ونحن الآن في ذروة موسم الطلب وهوامش الأرباح جيدة، والمصافي تستهلك الخام لأن هناك حافزاً اقتصادياً لذلك.”

وأضاف “من المؤكد أن السوق ستكون متشبعةً في وقت لاحق من هذا العام، لكن المشكلة أن الجميع يتسرع في المراهنة على انخفاض الأسعار في وقت مبكر جداً.”

ويرجّح المتداولون أن صادرات يونيو ويوليو من أوبك وحلفائها لن تكون عند مستوى الإنتاج البالغ 411 ألف برميل يومياً، بسبب زيادة الاستخدام المحلي لأغراض التبريد في موسم الصيف الحار بمنطقة الشرق الأوسط.

وكتب محللو بنك مورغان ستانلي، ومن بينهم مارتين راتس وشارلوت فيركينز، الاثنين الماضي، أنهم لم يلاحظوا حتى الآن علامات على ارتفاع حاد في صادرات تلك الدول.

ومع ذلك، إذا واصل أوبك+ ضخ الإمدادات الإضافية إلى ما بعد الصيف، فسيكون بوسع دول الشرق الأوسط تصدير حصة أكبر من إنتاجها.

وقال سعد رحيم، كبير اقتصاديي ترافيغورا غروب في تقرير النتائج نصف السنوية لعام 2025 إن “السؤال الأساسي هو عودة براميل (أوبك+) بعد سلسلة من التخفيضات على مدى السنوات الثلاث الماضية.”

وأضاف “من وجهة نظر التحالف، فإن مستوى المخزونات الحالي والتراجع الحاد في الأسعار الفورية يشيران إلى أن السوق لا تزال في حاجة إلى البراميل، رغم التباطؤ المحتمل في الطلب نتيجة الرسوم الجمركية.”

11