أسواق المال تتماسك بعد أن بلغت القاع

البورصات العالمية تستمد بعض الأمل من موجة خفض أسعار الفائدة إلى الصفر في معظم الاقتصادات الكبرى والتي سهلت الاقتراض وقلصت أعباء الديون.
السبت 2020/03/21
التقاط أنفاس قليلة

التقطت أسواق المال العالمية أنفاسها، أمس، لليوم الثاني بعد خسائر غير مسبوقة منذ عقود، وتأمل الأوساط الاقتصادية في أن تكون قد بلغت قاع الخسائر، التي بلغت أكثر من 40 في المئة في معظم المؤشرات الكبرى.

لندن- واصلت البورصات العالمية، أمس، التحسن المحدود الذي بدأ، الخميس، بعد انحسار حالة الهلع وظهور بصيص أمل نتيجة التحرك الكبير للحكومات والمصارف المركزية التي ضخت تسهيلات وحوافز بقيمة تريليونات من الدولارات.

وجاء الانقلاب بعد أن تمكنت المؤشرات الأميركية، الخميس، من الإغلاق على ارتفاع محدود أوقف موجة الخسائر المستمرة من أسابيع. وتبعته الأسواق الآسيوية، أمس، إلى ارتفاع مماثل.

وبدا أن أحد أسباب التفاؤل الكبرى التفاؤل بعودة نشاط الاقتصاد الصيني، الذي انعكس بوضوح على بورصة هونغ كونغ، التي ارتفعت أمس بنسبة 5 في المئة.

 إلى الأسواق الأوروبية، التي ارتفعت أسواقها الرئيسية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا بنسب تزيد على 3 في المئة، وهو ما لا يعادل سوى نسبة ضئيلة من خسائرها في الأسابيع الماضية.

كما ارتفعت المؤشرات الأميركية بنسب تقارب 2 في المئة بعد إغراق الحكومات والمصارف المركزية للأسواق بالسيولة والتسهيلات والحوافز ووعود دعم الشركات والأفراد، رغم أن محللين يشككون في جدواها، إذا استمر شلل الاقتصاد العالمي.

ويأمل محللون أن تكون الأسواق قد بلغت القاع بعد أن تراجعت معظم المؤشرات الرئيسية بأكثر من 40 في المئة خلال الأسابيع الماضية.

تانغي لو ليبو: تدابير المصارف المركزية سمحت بتحسن ملحوظ
تانغي لو ليبو: تدابير المصارف المركزية سمحت بتحسن ملحوظ

ويقول تانغي لو ليبو الخبير في مجموعة أوريل بي.جي.سي، إن “التدابير الأخيرة التي اتخذتها المصارف المركزية والحكومات كان لها وقع ساهم في استقرار أسواق المال وسمحت بتسجيل تحسن ملحوظ”.

لكن الأوضاع تبقى صعبة مع تجاوز حصيلة ضحايا فايروس كورونا المستجد العشرة آلاف وفاة واستمرار تشديد إجراءات العزل “الوقائي والإلزامي”.

وأمام هذه الكارثة الصحية العالمية، استخدمت السلطات كافة الوسائل المتاحة لاحتواء تفشي الوباء. وكان ضخ المبالغ الطائلة مصدر قلق للأسواق في البداية لكنها بدأت تشعر بشيء من الطمأنينة.

كما ساهم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استخدام أحد أدوية الملاريا كعلاج محتمل لفايروس كورونا المستجد بعد نتائج مشجعة في الصين وفرنسا، في دعم أسواق المال. وأعلنت المصارف المركزية وحكومات الدول الواحدة تلو الأخرى برامج كبيرة تفاديا للانكماش الاقتصادي وانهيار البورصات.

وقدم الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي حزمة مساعدات بنحو تريليون دولار لإنقاذ الاقتصاد لتخفيف التداعيات الخطيرة، التي أدت إلى فقدان 70 ألف شخص وظائفهم في أسبوع واحد في الولايات المتحدة.

وأعلن البنك المركزي الأوروبي عن خطة “طوارئ بقيمة 750 مليار يورو لإعادة شراء ديون عامة وخاصة، تضاف إلى مساعدات أولى بقيمة 120 مليار يورو تم صرفها ومواصلة برنامج لإعادة شراء أسهم بقيمة 20 مليار يورو.

ويعد قطاع الطيران الأكثر تأثرا بتفشي وباء كورونا في وقت تسجل فيه شركات الأدوية والمستلزمات الطبية وبعض متاجر التجزئة أرباحا كبيرة.

ويحذر محللون من أن أسواق الأسهم ستبقى تتعرض لضغوط كبرى حتى وإن تحسنت في الأجل القصير، لأن الأزمة تمثل بالنسبة للمستثمرين، مصدر قلق، خاصة أنه لا يزال من الصعب تقييم تداعياتها الاقتصادية بدقة.

ويرى مدير الاستثمار في صندوق إدموند دي روتشيلد بنيامين ميلمان أن “كل شيء يتغير بسرعة في هذه اللحظة ويمكن أن يحصل أي شيء”.

وأشار إلى وجود بعض أسباب التفاؤل في أن تسمح التدابير المتخذة والإجراءات المتخذة من قبل الحكومات والمصارف المركزية بتجنب إعلان إفلاس العديد من الشركات على المدى القصير، إضافة إلى تسريع التعافي عقب الخروج من إجراءات الحجر، التي أدت إلى شلل الاقتصاد العالمي.

لكن ميلمان يحذر من أن “الشك سيبقى مرتفعا جدا في انتظار نتائج ملموسة وذلك ما ينعكس في التقييمات الحالية للأصول المالية”. وفي حال رفضت الولايات المتحدة وبريطانيا فرض حجر صحي تام فإنه “من الصعب توقع متى تنتهي هذه الأزمة الاقتصادية الصحية وتكلفتها”.

وقد أثرت مواقف واشنطن ولندن على معدلات الاقتراض الأوروبية التي تباطأ ارتفاعها في الأيام الأخيرة جزئيا. وتستمد أسواق المال بعض الأمل أيضا من موجة خفض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريبا في معظم الاقتصادات الكبرى، والتي سهلت الاقتراض وقلصت أعباء الديون.

ويقول الخبير الاقتصادي لدى شركة أفيفا انفستورز، جوليان رولان نرى تقلصا ملحوظا في الفروقات على صعيد الفوائد بين ألمانيا، التي يستقر عائدها، والدول الأخرى في منطقة اليورو، ولاسيما إيطاليا، التي شهدت انخفاضا حادا في سعر الفائدة، تماما مثل إسبانيا وفرنسا وإن إلى حد أقل.

ويقدر رولان أن دول الأطراف الأكثر هشاشة في منطقة اليورو، هي التي سوف تستفيد أكثر من غيرها من مشتريات البنك المركزي الأوروبي في الأسابيع المقبلة، وهو ما يفسر رد الفعل المتصل بمعدلات الفائدة.

في هذه الأثناء أظهرت بيانات أسبوعية لتدفقات الصناديق صدرت، أمس، عن بنك أوف أميركا، أن عمليات بيع لشتى الأصول في السوق أدت إلى تراجع حاد في كل فئة تقريبا، في حين سجلت صناديق السندات نزوحا قياسيا بقيمة 109 مليارات دولار.

40 في المئة متوسط خسائر أسواق الأسهم الكبرى، التي استعادت جزءا ضئيلا منها

ولا تزال أسباب التشاؤم كثيرة بسبب غموض آفاق الأزمة وإجراءات الحجر الصحي التي تفاقم تأثير الوباء على الاقتصاد.

وكتبت مجموعة “لا بنك بوستال اسيت مانجمنت” في مذكرة أن “مجموع إجراءات التيسير المالي الحكومية لا توجه رسالة تسمح بقراءة الوضع ولا بالتحكم به في المستقبل لذلك تبدو إعادة الثقة أمرا معقدا”.

ويرى فينسنت بوي من مجموعة السمسرة آي.جي فرانس، أن “كل سيولة العالم لن تفيد ما لم يستأنف النشاط الاقتصادي بأسرع وقت ممكن”.

وقالت إيبيك أوزكارديسكايا المحلل في مجموعة سويسكوت بنك إن “السؤال لا يتعلق بمعرفة ما إذا كان سيحدث ركود بسبب فايروس كورونا المستجد بل إلى أي درجة سيكون خطيرا”.

وأضافت “الآن من غير المؤكد أن الإجراءات الكبيرة ستساعد الإحصاءات الاقتصادية إذا اضطر الاقتصاد الأميركي للتوقف لتجنب انتشار المرض كما في أوروبا”.

10