أسواق العمل تدفع ضريبة دوامة عدم اليقين الاقتصادي

وسط نقص في اليد العاملة، يزداد الطلب بشدة في جميع أنحاء العالم على العمال والموظفين.
الجمعة 2022/09/09
لطفا ما هي عروضكم؟

باريس – تحمل التوقعات حول تعافي أسواق العمل خلال ما تبقى من هذا العام الكثير من التشاؤم، بالنظر إلى التركة الثقيلة التي لا تزال تخلفها الجائحة على الاقتصاد العالمي.

ويزداد الطلب بشدة في جميع أنحاء العالم على العمال والموظفين، من سبّاكين في ألمانيا وسعاة بريد في الولايات المتحدة ومهندسين في أستراليا وممرضات في كندا وعمال بناء في فرنسا، وسط نقص في اليد العاملة.

وأوضح مايكل بلوم، رئيس مجلس إدارة شركة كارنت سيستم 23 الألمانية المتخصصة في البرمجيّات في شرق ألمانيا، متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية، “من الواضح أن ثمة صعوبات كثيرة في العثور على موظفين”.

وتابع “أينما ننظر نجد نقصا في اليد العاملة الماهرة في كل أنحاء العالم”، مشيرا إلى مشكلات تدريب في ألمانيا حيث كان هناك 887 ألف وظيفة مطروحة في أغسطس في مجالات مختلفة، من الاجتماعي إلى البناء مرورا بالمعلوماتية.

وتبدو الأرقام ملفتة أكثر في الولايات المتحدة، حيث تنتشر لافتات “مطلوب موظفين” أمام المطاعم ومحطات الحافلات وغيرها، مع إحصاء أكثر من 11 مليون وظيفة شاغرة في نهاية يوليو، فيما لا يصل عدد طالبي العمل إلى نصف ذلك.

بوني داولينغ: أصحاب العمل لا يتقدمون بموازنة تغير ذهنية وأولويات العمال

وأوضحت أريان كورتيس، الخبيرة الاقتصادية لشركة كابيتال إيكونوميكس في تورونتو، أن “الشركات لا تزال تقول في استطلاعات الرأي العالمية أن التوظيف في غاية الصعوبة” منذ تفشي الوباء.

ولفتت إلى مشكلات حادة في دول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، وكذلك في أوروبا الشرقية وتركيا وأميركا اللاتينية.

وأفادت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في تقرير في يوليو الماضي بأن الضغوط حول الوظائف الشاغرة تصاعدت بحدة في نهاية 2021 في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا، بالمقارنة مع ما قبل الوباء.

وفي يناير الماضي قالت منظمة العمل الدولية إن “انتعاش سوق الوظائف العالمية سيستغرق وقتا أطول مما كان يُعتقد، ومن المنتظر أن تبقى معدلات البطالة أعلى من مستوياتها قبل انتشار الوباء وحتى 2023، بسبب عدم اليقين بشأن مسار الأزمة الصحية ومدتها”.

وفيما يسجل الاقتصاد العالمي تباطؤا على وقع الحرب في أوكرانيا، يثير النقص في اليد العاملة مخاوف أكبر حيث يشمل قطاعات متنوعة مثل التعليم في تكساس والضيافة في إيطاليا والطواقم الطبية في كندا.

كما أنه يربك تنظيم العمل في العديد من الشركات والمؤسسات، إذ يتحتم مثلا على صيدليات في ويسكونسن الإغلاق في توقيت معين لعدم توافر صيادلة.

كما تضطر بعض مستشفيات ولاية ألبرتا الكندية إلى وقف عمل بعض وحداتها بسبب نقص في الأطباء، فضلا عن أن مطاعم على ساحل صن شاين كوست في كوينزلاند في أستراليا أغلقت أبوابها لعدم وجود ندلاء، على ما أفادت الصحافة المحلية مؤخرا.

وتطول الأزمة أيضا موظفي الشركات. وقال كليمان فيرييه، المدير المشارك لمكتب توظيف متخصص بالكوادر وأعضاء الإدارة في باريس، “كانت الصعوبة تكمن من قبل في إيجاد زبائن لدى الشركات. أما اليوم فالصعوبة في العثور على مرشحين” للوظائف.

ولفت فيرييه إلى أن مجال عمله “يسجل عددا غير مسبوق إطلاقا من المرشحين الذين يختفون في وسط عملية التوظيف من دون أن يعاودوا الاتصال”.

وكان يسجل نقص في العمال من قبلُ بسبب شيخوخة الشعوب التدريجية، غير أن الظاهرة تصاعدت فجأة مع كوفيد – 19.

والأسباب خلف ذلك متعددة، منها التقاعد المبكر وأعراض كوفيد طويلة الأمد والرواتب المتدنية وظروف العمل الصعبة وإعادة توجيه المسار المهني بهدف تحقيق الذات.

وينضاف إلى ذلك التراجع الحاد في الهجرة بسبب تدابير الحجر والانتقال إلى خارج المدن الكبرى التي تؤمن أكبر نسبة من الوظائف، وغيرها.

ولم يشهد العالم في تاريخه الحديث تطورا كان له مثل هذا التأثير على مفهوم العمل بحدّ ذاته.

وأوضحت بوني داولينغ، من مكتب ماكينسي للاستشارات الذي أجرى دراسة حول موجات الاستقالات في العديد من أنحاء العالم، أن “الجائحة ولّدت تغييرا جوهريا في ذهنية العاملين وأولوياتهم”.

"مطلوب موظفين"
"مطلوب موظفين"

لكنها أشارت إلى أن “أرباب العمل لا يتقدمون بالسرعة ذاتها لمواكبة هذه التغييرات” في الوقت الحاضر.

وتحاول الشركات اتخاذ تدابير كفيلة باجتذاب موظفين أو الاحتفاظ بهم بدءا بزيادة الرواتب، غير أن هذه الإجراءات تختلف مع اختلاف القطاعات.

وبات العمل عن بعد شرطا مسبقا في العديد من المهن التي شهدت أيضا حوافز جديدة مثل العطل “المكافأة” ومنح وقت لأسباب شخصية. وقال فيرييه “يجب التحلي بالكثير من المخيلة” لإقناع المرشحين.

كما باتت الهجرة ركيزة أساسية يتم تشجيعها في العديد من الدول مثل أستراليا وإسبانيا التي عمدت في الصيف إلى تليين شروط تشريع وضع المقيمين بصورة غير قانونية، وألمانيا التي تعتزم تخفيف شروط منح تأشيرات الدخول.

وقال مايك سميت، مدير مكتب راندستاد سورس رايت المتخصص في التوظيف عبر العالم في هولندا، إن “السؤال الجوهري يكمن في معرفة ما إذ كان ما نشهده منذ أشهر سيتراجع أم لا”، مضيفا “نعتقد أن هذا ليس تغييرا مرحليّا”. وأوضح أن هذا سيفرض على الشركات والدول التكيف أكثر مع المعطيات الجديدة.

10