أسماء بلغاشم: الترجمة لا تزال تحاول أن تكون عادلة ومنصفة في الجزائر

طلال المعمري
الجزائر - الأعمال السردية التي يصدرها الروائيون الجزائريون الشباب، صلة الوصل، التي تربط ماضي الأدب الجزائري بحاضره، كما أنها تمثل في الوقت ذاته انطلاقا من ثيماتها وتوجهاتها الأدبية والموضوعاتية الاهتمامات المختلفة التي يعبر عنها هذا الجيل الجديد من الروائيين.
وتعد الروائية أسماء بلغاشم واحدة من تلك الأصوات الجزائرية الشابة التي تحاول أن تفصح عن ذاتها ورؤاها وأفكارها عبر العملية السردية. وتقول هذه الروائية في حديث معها “بدأت تجربتي مع الكتابة سنة 2016؛ وهي السنة التي طبعت فيها روايتي الأولى بعنوان ‘بدأ القدر لعبته’، ثم أصدرت روايتي الثانية بعنوان ‘ساعة واحدة بعد الوطن’ (2020)، وأعدت نشرها بمصر سنة 2022، قبل أن يصدر لي نص ثالث بعنوان ‘كارتينا’؛ اتخذت فيه جزءا من تاريخ الجزائر منطلقا لبناء الرواية.”
وتذكر بلغاشم أنها تناولت في روايتها “كارتينا” فترة الثورة بمستغانم (1930 – 1962)، أي بمحافظتها الأم، فكتبت من خلالها بعضا من مستغانم، وتشكلها كمدينة، فضلا عن عاداتها، وتقاليدها، ونضالها وسبل الحياة بها. وقد تشكل نص هذه الرواية من منطلق ثيمة الهوية الثقافية، وثنائية الأنا والآخر، والسياسة والتاريخ.
الروائية أسماء بلغاشم واحدة من تلك الأصوات الجزائرية الشابة التي تحاول أن تفصح عن ذاتها ورؤاها وأفكارها عبر العملية السردية
وتضيف الروائية “أنا أؤمن بمبدأ الإنسان ابن بيئته، وابن لغته؛ فلغة ذاتي، هي العربية، بمعنى حديثي الداخلي يكون باللغة العربية لا بالفرنسية التي أعتبرها لغة مكتسبة للتواصل والتعليم والبحث، وحتى لغة للترجمة وكتابة الشعر؛ فلا يليق بالشعر إلا لغة الرومانسية، لذا أفضل دائما الكتابة للقارئ العربي بالعربية، وهذا لا يعني أنني أستبعد فكرة الكتابة السردية باللغة الفرنسية، وربما سأكتب يوما ما نصوصا سردية باللغة الفرنسية.”
أما عن ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى في الجزائر، فترى بلغاشم أن هذه العملية في حاجة إلى جهد كبير، إذ تقول “الترجمة لا تزال تحاول أن تكون عادلة ومنصفة في حق النصوص الروائية، عالميا، وليس محليا فقط، لكننا هنا ندخل في مناقشة مسألتين، أولاهما؛ وهي الغالبة ‘الترجمة الحرفية’، وبعض الترجمات تظلم النصوص كثيرا لأنها تترجم النص، كلمة بكلمة، دون التعمق في الفكرة أو توضيحها. أما الثانية، فهي ‘الترجمة الأدبية’، وفيها تتم ترجمة الفقرات لا الكلمات، وهذه كتابة ثانية وحقيقية للنص المترجم، يحاول عبرها المترجم أن يبعث في النص روحا سردية ويكمل أي نقص يجده في طبعة اللغة التي صدر بها العمل الأدبي.”
وتتابع “أما عندنا في الجزائر، فلا تزال الترجمة بحاجة إلى تعمق أكبر، وهي بحاجة إلى الالتفاف أكثر حول النصوص السردية الحديثة، مثلما هي الحال في مصر ولبنان، على سبيل المثال. وأغلب النصوص التي ترجمت لدينا، كانت لأدباء كبار، أمثال آسيا جبار، محمد ديب وكاتب ياسين. ونأمل أن نقرأ نصوصا مترجمة إلى لغات أجنبية لكتاب جزائريين شباب، لأن الترجمة هي بمثابة جواز سفر دبلوماسي للنص يعبر به الحدود للوصول إلى القراء عبر مختلف أنحاء العالم.”
وحول تهافت الشباب على كتابة الرواية، ترى صاحبة “كارتينا” أن ذلك يمثل صورة مبهجة، إذ تقول “منذ سنة 2019، كثرت الأقلام الكاتبة، وصرنا نتساءل من الكاتب ومن القارئ؟ فالجميع يكتب، والقليل يقرأ؛ وهي مشكلة كبيرة تحصل لكنها، في الوقت نفسه، صورة مبهجة للاهتمام بالكتاب من فئة الشباب، والساحة الأدبية بحاجة إلى غربلة، وبحاجة كذلك إلى ثورة ثقافية تقوم بتصفية النصوص المنشورة والأسماء، وهذا لن يكون دون أن تخصص وزارة الثقافة لجنة لمراقبة سوق النشر.” وتضيف الكاتبة “هناك نصوص منشورة عبارة عن تعبير كتابي، في أكثر من مئة صفحة، من دون معنى، وبكثير من الأخطاء، وهذا ما يعني أنها نشرت دون مراقبة ولا دراسة.”
أما عن الجوائز الأدبية، فتعلق الروائية أسماء بلغاشم بالقول “في نظري الجوائز الأدبية لا تمثل قيمة معينة، سواء كان ذلك في الماضي أم الحاضر، ولا أعد أبدا أن الفائز بجائزة هو الأفضل، ومع ذلك لا أستطيع تجاهل أهمية بعض الجوائز العالمية التي لفتت انتباهنا إلى أسماء أدبية كنا في أمس الحاجة إلى الاطلاع على إبداعاتها، مثل جوائز البوكر وكتارا، وغيرهما. ولو تأملنا الآلية التي تقوم عليها الجوائز لوجدنا أنها في المجمل تعبر عن وجهة نظر لجنة التحكيم بشأن العمل الأدبي، أو التجربة الإبداعية المعروضة على تلك اللجنة.”
وتتابع “كما أن لجان التحكيم ملزمة أيضا بأن تنجز عملها في توقيت معين وخلال فترة محددة، أي أنها تعمل تحت ضغوطات، قد تنتج بالضرورة نتائج مشوهة في النهاية. والفائزون بالجوائز ليسوا بالضرورة أفضل الكتاب، ونصوصهم ليست بالضرورة أفضل النصوص.”
يشار إلى أن الروائية أسماء بلغاشم خريجة المدرسة العليا للأساتذة بمستغانم (غرب الجزائر)، وتشتغل أستاذة للغة الفرنسية، وهي كاتبة، ومترجمة، سبق لها أن أصدرت عددا من الأعمال الروائية، أبرزها “بدأ القدر لعبته” (دار أفق للنشر/ 2018)، و”ساعة واحدة بعد الوطن” (دار أدليس للنشر/ 2020)، و”كارتينا” (مؤسسة وهج للنشر والثقافة/ 2023).