أسعار النفط تقاوم خمول الاقتصاد العالمي في 2023

اعتبر محللون أن صمود أسعار النفط في 2023 سيكون رهين تحسن الاقتصاد العالمي الذي يبدو أنه يتجه إلى الخمول بالنظر إلى تقلبات الطلب بسبب الحرب في شرق أوروبا وتأثيرات ذلك على معظم المحركات الرئيسية للنمو وخاصة الولايات المتحدة والصين.
لندن – يجمع خبراء على أن ثبات نشاط أسواق النفط العالمية بما يجعل أسعار البراميل مستقرة في 2023 كما كان الحال خلال العام الماضي يواجه الكثير من العوامل السلبية نتيجة الضبابية التي تلفّ الاقتصاد العالمي.
وأظهر مسح لرويترز نشرت بياناته الاثنين أن أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب طفيفة هذا العام، حيث أن الخلفية الاقتصادية العالمية تزداد قتامة وأن تفجر كوفيد – 19 في الصين يهدد نمو الطلب ويعوض أثر نقص الإمدادات الناجم عن العقوبات على روسيا.
وأدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أواخر فبراير الماضي إلى إحداث فوضى بالنسبة إلى الإمدادات العالمية ودفع الأسعار للارتفاع.
وتوقع مسح شمل 30 من الاقتصاديين والمحللين أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 89.37 دولارا للبرميل، أي أقل بنحو 4.6 في المئة من إجماع 93.65 دولارا في استطلاع نوفمبر الماضي.
ووفق الإحصائيات التقديرية، فقد بلغ متوسط المعيار العالمي لسعر النفط نحو 99 دولارا للبرميل بنهاية العام الماضي جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا بعد سنوات من الانخفاض.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط سعر الخام الأميركي 84.84 دولارا للبرميل خلال يناير الحالي، مقابل 87.8 دولارا في الشهر السابق.
ونسبت رويترز إلى برادلي سوندرز الخبير الاقتصادي المساعد في كابيتال إيكونوميكس قوله “نتوقع أن ينزلق العالم إلى الركود في أوائل عام 2023 مع ظهور آثار التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة”.
وتواصلت حالة التقلب التي شهدها النفط العام الماضي حتى نهايته مع فقدان الخام ما يقرب من 20 دولارا في البرميل على مدى الشهرين الماضيين.
وهرب المتفائلون من مراكزهم الاستثمارية بسبب تباطؤ الطلب على السلعة في التعاملات المباشرة وضغوط المعروض الروسي، الذي تدفق بقوة غير متوقعة، على الأسعار الفورية للخام القياسي.
ونزل خام برنت أكثر من 15 في المئة منذ نوفمبر وتم تداوله حول 84 دولارا للبرميل الجمعة، حيث أدى ارتفاع حالات كوفيد في الصين إلى تراجع توقعات نمو الطلب على النفط في أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.
وجاء تذبذب الأسعار في الفترة الماضية على خلفية تدهور متواصل في مستوى السيولة في أسواق النفط، حيث بلغت في عقود برنت الآجلة أدنى مستوى لها منذ 2015، مع خفض المتعاملين مراكزهم الاستثمارية في آخر شهور السنة الحالية.
وقال إدوارد مويا كبير المحللين في أواندا إن “سوق النفط لا تزال ضيقة على الرغم من ضعف توقعات الطلب العالمي مع تزايد مخاوف الركود”، مضيفا أن “الصين ستكون محور التركيز الأساسي في الربع الأول من هذا العام”.
ويعتقد معظم المحللين أن الطلب على النفط سينمو بشكل كبير في النصف الثاني من هذا العام، مدفوعا بتخفيف قيود الإغلاق الصيني واعتماد البنوك المركزية نهجًا أقل عدوانية بشأن أسعار الفائدة.
ولا يبدو أن العقوبات الغربية على موسكو ستكون لها انعكاسات كبيرة على أسواق النفط، حيث رجح المحللون في المسح أن يكون تأثير الحظر “ضئيلا”.
وقال محللون في بنك غولدمان ساكس في مذكرة “لا نتوقع تأثير سقف السعر الذي صمم لمنح القدرة على المساومة للمشترين من دول أخرى”.
ووقعت موسكو الأسبوع الماضي مرسوما يحظر توريد النفط ومنتجاته للدول المشاركة في مجموعة السبع اعتبارًا من الأول من فبراير لمدة خمسة أشهر.
وقالت شركة كبلر للبيانات والتحليلات “في حالة حدوث انخفاض حاد في الصادرات الروسية (وهو ما لا نتوقع حدوثه)، فمن المرجح أن يكون تحالف أوبك+ مستعدا لزيادة الإنتاج لمنع الأسعار من الارتفاع الشديد”.
وقبل نهاية 2022، رجح التحالف النفطي أن تشهد سوق النفط العالمية العام المقبل فجوة في إمدادا الخام بالنظر إلى قلة الاستثمارات وبلوغ المنتجين طاقتهم القصوى بعد تحسن الأوضاع إثر تخفيف قيود الإغلاق.
وتوقعت اللجنة الفنية المشتركة لأوبك+ عجزا في سوق النفط خلال العام الحالي يبلغ 300 ألف برميل يوميا. كما تتوقع اتساع العجز إلى 1.8 مليون برميل يوميا خلال الربع الأخير من 2023.
وتشهد بنية السوق النفطية حالة من التداعي الحر، مع تدهور أحد المؤشرات على التداول في الولايات المتحدة إلى أضعف مستوى له منذ عامين، في إشارة إلى وفرة المعروض في الأمد القريب.
وتختبر السوق كذلك تأثير آخر جولة من القيود التي فرضها الأوروبيون ومجموعة الدول السبع على موسكو لمعاقبتها على حربها في أوكرانيا.
وتشمل هذه العقوبات قيودا على خدمات التأمين وسقفا سعرياً يبلغ 60 دولاراً لبرميل النفط الروسي. أما التأثير الرئيسي الضار حتى الآن فقد جاء في صورة ملايين من براميل النفط العالقة بالقرب من تركيا.
ورغم أن توقعات السوق المستقبلية تحسنت إلى درجة ما في الشهر الماضي مع تباطؤ أرقام التضخم في الولايات المتحدة وإعادة الصين فتح اقتصادها، فقد حطم حالة التفاؤل الناجمة عن ذلك إصرار البنوك المركزية وتمسكها بسياسة الفائدة المرتفعة.
وتأتي هذه الدلائل مع تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن عام 2023 سيكون صعبا على معظم الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تعاني فيه معظم المحركات الرئيسية للنمو العالمي، وهي الولايات المتحدة وأوروبا والصين، من ضعف نشاطها الاقتصادي.
وقالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا في مقابلة مع محطة سي.بي.أس الأميركية بثتها الأحد الماضي إن العام الجديد سيكون “أصعب من العام الذي نتركه خلفنا”.
وأضافت “لماذا؟ لأن الاقتصادات الرئيسية الثلاثة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعها في وقت واحد”.
وفي أكتوبر الماضي، خفض الصندوق توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2023، مما يعكس استمرار التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بالإضافة إلى ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة لكبح جماح ضغوط الأسعار.
ويتوقع الصندوق تسارع النمو السنوي في الصين هذا العام إلى 4.4 في المئة لكن مع مزيد من التباطؤ في النشاط العالمي.
وقالت جورجيفا “في الشهرين المقبلين، سيكون الأمر صعبا على بكين وسيكون التأثير على النمو الصيني، وعلى المنطقة ككل، سلبيا، كما سيكون سلبيا على النمو العالمي”.
وفي أول تصريحات له منذ تغيير السياسة المرتبطة بكوفيد، دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ السبت الماضي في خطاب بمناسبة العام الجديد إلى بذل مزيد من الجهد وتعزيز الوحدة مع دخول البلاد “مرحلة جديدة”.

وقالت جورجيفا التي سافرت إلى الصين في مهمة للصندوق أواخر الشهر الماضي “للمرة الأولى منذ 40 عاما، من المرجح أن يكون نمو الصين في 2022 مساويا للنمو العالمي أو دونه”.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة يبدو الوضع أفضل. وقالت مديرة الصندوق إن “الاقتصاد الأميركي يقف على مسافة أبعد وقد يتجنب الانكماش المطلق الذي من المحتمل أن يصيب ما يصل إلى ثلث اقتصادات العالم”. وأضافت “الولايات المتحدة هي الأكثر متانة، وربما تتجنب الركود. نرى أن سوق العمل لا تزال قوية جدا”.
لكن هذه الحقيقة في حد ذاتها تمثل خطرا لأنها قد تعرقل التقدم الذي يحتاجه صناع القرار النقدي لإحرازه في إعادة التضخم الأميركي إلى مستواه المستهدف من أعلى مستوياته في أربعة عقود والتي لامسها العام الماضي.
وأظهر التضخم مؤشرات على تخطي ذروته مع نهاية عام 2022، ولكن وفقا للإجراء المفضل للبنك المركزي، فإنه لا يزال عند ما يقرب من ثلاثة أمثال هدفه البالغ اثنين في المئة.
وفي أكبر تشديد للسياسة النقدية منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، رفع المركزي الأميركي العام الماضي سعر الفائدة القياسي من ما يقرب من الصفر في مارس إلى النطاق الحالي بين 4.25 في المئة و4.5 في المئة.
وتوقع مسؤولو البنك الشهر الماضي أنه سيتجاوز حاجز الخمسة في المئة خلال العام الجاري، وهو مستوى لم يصل إليه منذ العام 2007.