أسعار الصادرات الروسية تربك أسواق القمح العالمية

ينظر محللون إلى اللعبة التي تمارسها روسيا في تجارة القمح على أنها تهديد لاستقرار الإمدادات بسبب محاولتها إثبات أنها الشاحن المهيمن وصانع الأسعار في الأسواق العالمية، بينما تراقب أسواق الحبوب الوضع في أوكرانيا وموانئها عن كثب.
لندن - قُدمت جميع عروض القمح الروسي في ممارسة شراء طرحتها مصر في الآونة الأخيرة بالسعر نفسه، ويسلط هذا الضوء على ما يراه التجار تدخلا للحكومة الروسية من وراء الكواليس مما يثير الارتباك بشأن أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم.
ويرى محللون أن الجميع يتجنب الحديث عن موضوع عروض الحبوب وتنحصر التصريحات عن شراء الدول كميات بآلاف الأطنان من القمح أو الشعير، لكن هناك الكثير من السياسة والألعاب الاقتصادية تجري في الخفاء.
وأشاروا إلى كل دولار فرق في السعر يقلب الموازين، وبالتالي سيكتشف المشترون في نهاية المطاف أن فروقات أسعار القمح أخطر من فروقات أسعار النفط.
وحتى تكسب معركتها تسعى موسكو إلى الاستفادة من الخلافات القائمة بين بولندا وبلغاريا مع أوكرانيا بشأن الدعم العسكري، والذي أدى إلى وقف توريد القمح من أوكرانيا.
ومددت وارسو الأسبوع الماضي حظرها على واردات الحبوب الأوكرانية لحماية مصالح مزارعيها مما أثار أزمة مفتوحة مع كييف.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق في مايو الماضي على تقييد واردات الحبوب من أوكرانيا إلى كل من بولندا وبلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا لحماية المزارعين في هذه الدول الذين عزوا أسباب انخفاض الأسعار محليا إلى الشحنات الأوكرانية.
وتكتظ موانئ الحبوب الروسية بعد موسمين متتاليين من الحصاد الكبير، ومع ذلك، فإن وفرة العرض تضغط على الأسعار المحلية، مما دفع المسؤولين إلى فرض حد أدنى لدعم السوق. وكان تطبيق هذا الحد السعري غير متسق.
وفي مارس الماضي، ذكرت مصادر لرويترز أن موسكو أوصت المصدرين بالتأكد من أن الأسعار مرتفعة بما يكفي لتغطية تكاليف الإنتاج للمزارعين.
ويؤكد تجار أن السياسة تهدف إلى تقييد الصادرات وخفض أسعار الطحين (الدقيق) المحلية، كما هو الحال مع الضرائب المفروضة على الصادرات والحصص المطبقة في السنوات الأخيرة.
ويقول تجار إن الحد الأدنى لسعر القمح المصدر تزايد وضوحه منذ ذلك الحين.
وفي ممارسة الأربعاء الماضي التي طرحتها مصر، وهي من أكبر مشتري القمح في العالم، كانت عروض القمح الروسي جميعها عند 270 دولارا للطن للتسليم على ظهر السفينة قبل تكاليف الشحن.
ويعتقد التجار أن هذا هو الحد الأدنى الحالي للسعر الذي تطلبه موسكو للمبيعات في الممارسات الدولية.
والتمسك بهذا الحد الأدنى جعل القمح من مناشئ في الاتحاد الأوروبي أكثر قدرة على المنافسة. وحجزت الهيئة العامة للسلع التموينية، مشتري الحبوب الحكومي في مصر، شحنتين من القمح الروماني.
49
مليون طن يتوقع أن تبيعها روسيا خلال هذا العام، أي 23 في المئة من التجارة العالمية
ويقول التجار إنه بينما تم تطبيق الحد الأدنى للسعر في بعض الأحيان، فقد تأرجحت الأسعار في حالات أخرى عند مستويات أقل مما ساهم في انتعاش الصادرات الروسية.
وكان الحد الأدنى للسعر أكثر وضوحا في الممارسات المصرية إذ قدم البائعون في الأسابيع القليلة الماضية عروضهم بشكل عام عند مستوى واحد.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد التجار أن سعرا أقل بنحو 10 دولارات للطن عن الحد الأدنى لسعر التصدير للتسليم على ظهر السفينة ينطبق من حيث المبدأ على مبيعات الصادرات الروسية خارج الممارسات الدولية.
ولم تؤكد روسيا وجود حد أدنى لأسعار تصدير القمح، لكن تجارا دوليين أكدوا أن التعليمات تُبلغ شفويا للمصدرين دون قواعد مكتوبة رسمية.
وبينما تحجم وزارة الزراعة الروسية عن التعليق على الأمر، تقول مصادر في السوق إن القمح الروسي يُعرض بانتظام للبيع بسعر أقل بكثير من المستويات المعلنة.
وقال تجار إن أسعار التصدير من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود الاثنين الماضي تراوحت بين 243 و245 دولارا للطن للتسليم على ظهر السفينة مقابل القمح الذي يحتوي على 12.5 في المئة من البروتين للشحن في أكتوبر.
ورصد محللون روس هذا الشهر مستويات تأرجحت حول 240 دولارا.
كل دولار فرق في السعر يقلب الموازين، وبالتالي سيكتشف المشترون في نهاية المطاف أن فروقات أسعار القمح أخطر من فروقات أسعار النفط
وقال تجار إن القمح الروسي قد يستخدم لتغطية جزء من إمدادات تبلغ نحو 600 ألف طن من القمح يعتقد أن الجزائر طلبتها في ممارسة أخرى الأسبوع الماضي.
وجاء ذلك بعد أن أفادت تقارير بأن الديوان الجزائري المهني للحبوب، المشتري الحكومي، دفع ما بين 272 و275 دولارا للطن بما يشمل تكاليف الشحن.
ويسبب هذا الوضع مشكلة في الأسواق، إذ إن الافتقار إلى الرؤية بشأن الأسعار في روسيا، أكبر مصدر في العالم، يجعل من الصعب على التجار والمستوردين اتخاذ المواقف وتوقع التوجهات.
ومع وجود فائض ضخم في روسيا وتقلص الشحنات من أوكرانيا التي مزقتها الحرب وتراجع توقعات إنتاج المحاصيل بسبب الجفاف في بلدان مصدرة أخرى، أصبحت السوق الدولية فيما يبدو أكثر اعتمادا على القمح الروسي هذا الموسم.
وأشار التجار إلى المفاوضات المطولة في ممارسات مصر والجزائر الأسبوع الماضي كدليل على التوترات الناجمة عن مستويات الأسعار الروسية.
وقال مات أميرمان، مدير مخاطر السلع في شركة ستون إكس، “لا يزال القمح يواجه ضغوطا من إمدادات التصدير الضخمة من روسيا رغم انخفاض الحصاد في أستراليا والأرجنتين”.
وأضاف في تصريح لمنصة أف.إكس نيوز تودي الاقتصادية أن “الأسواق سئمت من أخبار الحرب في أوكرانيا وبالكاد تتفاعل مع التقارير حول الهجمات على مرافق موانئها”.
محللون يتوقعون أن تحقق صادرات روسيا من القمح مستويات قياسية هذا الموسم
ويُرجح أن يؤدي تفاوت الأسعار إلى تغيير كلفة الطلبيات للمستوردين ليصل الفارق إلى عدة ملايين من الدولارات في وقت يواجه فيه المستوردون بالفعل ارتفاع الأسعار وصعود الدولار مقابل العملات المحلية.
ويحاول تجار ومحللون تقدير المدة التي قد يستمر فيها تطبيق الحد الأدنى للسعر وما إذا كان هذا سيؤدي قريبا إلى إبطاء الصادرات الروسية بعد شحن كميات هائلة الصيف الماضي.
ويتوقع محللون أن تحقق صادرات روسيا من القمح مستويات قياسية هذا الموسم على خلفية إنتاج أكبر كميات من المحصول على الإطلاق في عامي 2022 و2023.
ومن المرجح أن تعزز روسيا مكانتها كأكبر مصدر في العالم مع قدرة تصديرية تبلغ 49 مليون طن، أي 23 في المئة من التجارة العالمية، وفق إنتاج إجمالي يبلغ 87.5 مليون طن.
ويشعر تجار ومسؤولون غربيون بالقلق من أن الحرب دفعت موسكو إلى استغلال الحبوب سياسيا بما في ذلك عرضها بالتبرع بالقمح للدول الأفريقية الفقيرة وانسحابها من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي سمح بالشحن من الموانئ الأوكرانية.
وتقول موسكو إنه لم يتم تنفيذ بعض بنود اتفاق الحبوب لتسهيل الصادرات الروسية.
وقد يؤدي خروج الشركات التجارية العالمية من السوق الروسية هذا العام إلى صعوبة معرفة أسعار الحبوب وإمداداتها.
وفي الوقت نفسه، كان تدخل الدولة الروسية من سمات صادرات الحبوب لسنوات مع دأبها على فرض ضريبة على الصادرات ونظام حصص.