أسر فقيرة في حي شعبي بالقاهرة تجد ملاذا لتعليم أبنائها

مدرسة المحبة التي أنشئت في منطقة عشوائية بالقاهرة تنقذ أطفال الأسر الفقيرة من الأمية والفقر بإعفائهم عن دفع الأقساط الدراسية.
السبت 2018/10/20
أمل في المستقبل

القاهرة – تحاول مدرسة المحبة التي أسستها الأخت إيمانويل في منطقة عشوائية بالقاهرة، وسط أزقة ترابية ضيقة تغطيها القمامة، أن تنقذ بضعة آلاف من الأطفال سنويا من الأمية والفقر بعد عشر سنوات على وفاة الراهبة الفرنسية.

في حي الزبالين بمنطقة عزبة النخل بشمال شرق العاصمة المصرية حيث غالبية السكان مسيحيون، يدوي صوت التلاميذ بين الجدران الأربعة لساحة المدرسة النظيفة حيث يمضون بضع ساعات يوميا بعيدا عن مساكنهم المتواضعة المبنية من الطين وأكياس القمامة التي يجمعها أهاليهم من شوارع القاهرة.

وأسست الأخت إيمانويل مدرسة المحبة عام 1988، وهي تتسع اليوم لثلاثة آلاف تلميذ وتلميذة تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات و15 سنة، بحسب مديرتها التي شاركت في تأسيسها الأخت دميانا. وتمثل المدرسة نقطة في بحر العاصمة المصرية التي تأوي 20 مليون شخص.

تتذكر الراهبة المصرية ذات الرداء وغطاء الرأس الرماديين، وهي في مكتبها حيث علقت صورة كبيرة للأخت إيمانويل وعلم مصر، أنها “كانت تجوب الحي مع الأخت إيمانويل لتدعو الناس إلى إرسال أبنائهم إلى المدرسة”.

وعاشت الأخت إمانويل إلى جوار الزبالين الذين يجمعون القمامة من مناطق العاصمة المصرية المختلفة بوسائل بدائية مثل العربات الخشبية التي يجرها حمار.

ويقوم الزبالون بعد ذلك بفرز القمامة في أحواش مملوكة لأغنياء. وتقول الأخت دميانا إن “الناس يقدرونها (..) كانت تعيش بينهم ومثلهم تماما في ظروف صعبة مع الرائحة الكريهة والأمراض”. وتعترف الأخت دميانا بأنها كانت هي نفسها تجد صعوبة في التكيف مع هذه البيئة.

اليوم، بعد عشر سنوات على رحيل الأخت إيمانويل وعشرين عاما على مغادرتها مصر، مازال الزبالون يقطنون عزبة النخل. وتنتشر في أزقة الحي صور العذراء مريم وبابا الأقباط السابق شنودة الثالث.

ويمكن رؤية صورة الأخت إيمانويل معلقة داخل خزانة زجاجية في ملعب المدرسة، كلمسة وفاء لها.

وتقول ميرفت حزقيال، وهي ابنة أول حارس للمدرسة حيث تعلمت، “كنا نعمل وننام هنا ونشعر كأننا بنينا المدرسة طوبة طوبة”. وأصبحت ميرفت الآن في الثالثة والثلاثين من عمرها وتعمل مدرّسة للرسم في المدرسة التي تخرجت منها.

ولكن مهمة المدرسة باتت صعبة في مصر التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية.

وتلاحظ الأخت دميانا أن “كل شيء أصبح باهظ الثمن وأن الناس مضغوطون”. وتتحدث دميانا عن حالات لأطفال يعانون من سوء التغذية وأهال يجدون صعوبة في توفير مصاريف الملابس والأدوات المدرسية.

وزاد وضع المعيشة ترديا منذ العام 2016 بسبب ارتفاع نسب التضخم بشكل كبير، وهو ما جعل الظروف المعيشية صعبة أكثر خصوصا على الأهالي في المناطق الفقيرة.

أطفال يعانون من سوء التغذية وأهال فقراء يجدون صعوبة في توفير المصاريف اللازمة  للملابس والأدوات المدرسية

وبحسب الإحصاءات الرسمية التي ينظر إليها على أنها أدنى من الأرقام الحقيقية، فإن 8.27 بالمئة من المصريين كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2015. ولم يصدر أي إحصاء زيادة نسب التضخم منذ عام 2016.

في مدرسة المحبة، يدفع الأهالي المصاريف التي تقدر بحوالي 167 دولارا، كلها أو جزء منها، بحسب مستوى دخلهم. والأكثر فقرا يعفون تماما من الدفع، وهذه إحدى ميزات مدرسة المحبة.

وتمول المدرسة بمساهمات الأسر وبالتبرعات الفردية وكذلك بمساعدة من جمعية الأخت إيمانويل (أسماييه، وهي جمعية فرنسية لها فروع في العديد من الدول) التي تتولى تعليم نحو مئتي تلميذ. وتؤكد الجمعية أنها تساعد قرابة 3500 تلميذ في أحياء شعبية مختلفة في القاهرة.

وتتمتع مدرسة المحبة كذلك ببعض الإعفاءات الضريبية.

وتقول صباح صبحي، وهي مدرسة متحمسة تعمل في مدرسة المحبة منذ تأسيسها، إن “التمويل هو التحدي الأول بالنسبة إلينا”. وتتابع “الحياة أصبحت باهظة التكاليف والعائلات تضحي كثيرا من أجل تعليم أبنائها”.

كما تشير إلى الوضع الأمني، معتبرة أن “الخوف هو التحدي الثاني (…)، الخوف من المستقبل، مما نتعرض له”.

واضطرت المدرسة إلى تقديم “دعم نفسي” لتلاميذ تعرضوا لصدمات نتيجة تزايد العنف في مصر منذ العام 2011، مثل الاعتداءات ضد المسيحيين التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية.

وتندرج جمعية “أسماييه” ضمن الجمعيات الأهلية المصرية التي تثير الشكوك حولها بسبب تلقيها تمويلا أجنبيا.

ويفرض قانون صدر في العام 2017 رقابة شديدة من الدولة على أنشطة الجمعيات الأهلية وعلى تمويلها، ولكنه لا ينطبق على الجمعيات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، ومنها “أسماييه”.

ويقول ممثل الجمعية في مصر شريف عبدالعزيز “نحن قلقون جدا من تطبيق هذا القانون”.

وتساهم مدرسة المحبة على قدر إمكانياتها في تعليم عدد هام من تلاميذ أبناء الأسر الفقيرة، محاولة توعية الأهالي بضرورة إرسال أبنائهم للتعلم ومساعدتهم ماديا لتنقذهم من براثن الفقر والأمية.

 وتعمل المدرسة والمدرسين العاملين فيها على توفير مواد تعليمية وحصص ترفيهية من شأنها أن تساعد التلاميذ في المدرسة على تطوير أنفسهم وإنقاذ مستقبلهم وربما تحقيق النجاح وبالتالي تحسين أوضاع أسرهم الفقيرة.

21