أسر جزائرية تعاني من تركة الحرائق لمحاولة استعادة النسق العادي لحياتها

صعوبات اجتماعية ونفسية للتكيف مع مخلفات الحرائق الضخمة.
الثلاثاء 2023/08/08
الأرض أصبحت قاحلة والحياة باتت عصيّة

تسببت الحرائق التي شهدتها الجزائر في يوليو الماضي في فقدان العديد من الأسر القاطنة في الأرياف لمساكنها وموارد رزقها، ما جعلها تعيش على الهبات والمساعدات الحكومية. والأقسى من ذلك أن تلك الأسر مازالت لا تعلم متى تنتهي أزمتها؟ وهل سيتم التعويض لها أم لا؟ وهي أسئلة تحاصرها وتزيد من معاناتها مع قرب العودة المدرسية.

الجزائر - يحاول أفراد الأسر الريفية المتضررة من الحرائق الضخمة التي عاشتها الجزائر منذ أسبوعين في محافظات عدة، العودة التدريجية إلى الحياة العادية وامتصاص آثار الصدمة التي حولتهم في ظرف قياسي إلى مشردين هائمين على وجوههم، وإلى تراجيديا اجتماعية تعيش على ذكريات العيش الكريم، قبل أن تحولهم ألسنة اللهب إلى أفراد ينتظرون هبة تضامنية من طرف الحكومة والمجتمع.

في أعالي مدينة الأخضرية (50 كلم شرقي العاصمة)، قررت عائلة “دالي” الكبيرة عدم مغادرة مساكنها ببلدة “بني معالة”، رغم أن النيران أتت على الأخضر واليابس ولم يسلم منها أي غرض صادفته سواء الحقول أو الممتلكات وحتى تجهيزات البيت ذات الاستعمال اليومي، كالثلاجة والغسالة والمكيف والتلفزيون.. وغيرها، وذلك لشعور لديها بأن الفرار إلى الملاجئ التي وفرتها السلط المحلية وبيوت الأهل والأقارب، هو تنازل عما تبقى لديها من كرامة.

ومن بجاية وجيجل والبويرة يمكن تفحص معالم الحزن والأسى على أفراد الأسر الذين فقدوا ممتلكاتهم ومصادر رزقهم التي كان يوفرها لهم نشاطهم الزراعي في حقولهم ومداجنهم ورؤوس ماشيتهم، ولم يبق لهم إلا الحسرة على ثروة كانت توفر لهم حاجياتهم المعيشية، قبل أن تتحول إلى أطلال من رماد ورائحة دخان وأرياف قاحلة.

ورغم أن الكل كان يحمد الله على “سلامة الرأس” و”النجاة” و”العوض لله”، إلا أنه بالنسبة لرابح دالي من ريف الأخضرية، فإن “الأهم هو النجاة، لكن ما معنى الحياة بدون ما ضحى لأجله الإنسان.. لا أحد يعلم متى وكيف تعود الحياة العادية، فكل أثر للنار يجعل الذاكرة تستعيد تلك المشاهد المروعة”.

لا أحد يعلم متى وكيف تعود الحياة العادية، فكل أثر للنار يجعل الذاكرة تستعيد تلك المشاهد المروعة والمحزنة

وعلى مساحة تناهز العشرة آلاف هكتار تتوزع العشرات من القرى في ريف مدينة الأخضرية ببلديات الزبربر ومعالة وجباحية، حيث كان الآلاف من السكان يمارسون حياتهم بشكل عادي، قبل أن تفاجئهم حرائق غير مسبوقة، ولا يتذكر مسنون مثيلا لها في تاريخ المنطقة، فحولتهم إلى مشردين ولاجئين وإلى متلقي المساعدات الإنسانية والاجتماعية من طرف المؤسسات الرسمية والأهلية.

وحسب دالي، فإنه “من الصعب جدا أن يهضم التغير السريع في حياته الخاصة”، فهو إلى جانب أشقائه كان مالكا لحقول الأشجار المثمرة ومساحات زراعية ومداجن لتربية الدجاج والأغنام، وفي ظرف وجيز صار مطالبا بالانتقال إلى مركز تجميع العائلات المتضررة بوسط المدينة، ومحل تفقد وتعاطف السلط المحلية والناشطين الاجتماعيين، الذين حاولوا التخفيف عنه من وطئة الصدمة وتوفير الحد الأدنى من مواد الإغاثة لأفراد العائلة الكبيرة.

حالة دالي، هي واحدة من الآلاف من الحالات ولو كانت بدرجات متفاوتة، إذ قرر هو وأشقاؤه الصمود في وجه تركة الحرائق وقرروا البقاء في منزل تحول إلى شبه مغارة بسبب السواد الذي اعترى جدرانه جراء الدخان والنار والرماد.

إلا أن أسرا أخرى لم تملك من الصبر والمقاومة ما ملكته أسرة دالي، واستسلمت للأمر الواقع باللجوء إلى مبان حكومية والعيش على مواد الإغاثة والمساعدات التي توفرها المؤسسات الرسمية والأهلية للمتضررين.

وكل يوم يمر في حياة هؤلاء على وقع مشاعر الفقد واللجوء حتى وإن كانوا بين أهلهم وفي حضن دولتهم، تصاحبهم فيه التساؤلات التي لا تغادر أذهانهم من قبيل إلى متى سيستمر هذا الوضع والعودة المدرسية على الأبواب؟ وما مصير مساكنهم وأرزاقهم؟

Thumbnail

يذكر الوناس حماش أن ألسنة اللهب لم تترك إلا ثلاث أشجار زيتون، وشجرتين لوز، والتهمت المئات الأخرى التي كان يستند عليها في توفير جزء كبير من “عولة العام”، كما يتردد لدى سكان الأرياف حول مصدر رزقهم.

ويقول “من السهل أن تحول الأرض إلى سطح أجرد وإلى رماد ودخان وبقايا أعواد محترقة، لا نعرف كيف تم الأمر لكن الأكيد أن هناك خطأ متعمدا أو عفويا.. لا نعلم، لكن من الصعب جدا أن تعيد الاخضرار والنبات إلى أرض عارية، فأسرع شجرة تتطلب ثلاث سنوات لتتثبت على الأرض وإلى خمس سنوات لكي تثمر”.

وعن سؤال حول وتيرة التكفل بالأسر المتضررة، يجيب رابح دالي “إلى حد الآن الاهتمام مركز على توفير مواد الإغاثة والوسائل الضرورية على غرار التيار الكهربائي والغاز والماء، كما تم إحصاء سريع للعائلات المتضررة، حيث سجل الجميع الخسائر التي لحقتهم، لكن لا ندري كيف ومتى يتم التكفل بذلك”.

ولم يفوت الفرصة للإشادة بحملة الإغاثة والتضامن المستمرة منذ اندلاع الحرائق في الأسبوع الأخير من شهر يوليو الماضي إلى غاية الآن، حيث تم تسجيل فائض ملحوظ في وفرة المواد الأساسية سواء من طرف المؤسسات الرسمية، أو الجمعيات الأهلية وحتى تجار مستقلين كرسوا محالهم ومخابزهم من أجل توفير المواد الغذائية للمتضررين.

وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد أوعز إلى الحكومة وإلى المؤسسات الرسمية بالتجند من أجل التكفل بالعائلات المتضررة في مختلف المحافظات التي سجلت خسائر بسبب الحرائق، لكن لم يتم الكشف إلى حد الآن عن موعد أو كيفية تعويض خسائر هؤلاء، خاصة بالنسبة إلى الذين فقدوا مساكنهم واستثماراتهم الزراعية أو حقولهم.

وإذ يعلق هؤلاء أملهم على كرم الحكومة لتعويض أو تخفيف العبء الذي لحق بالآلاف من الأسر الريفية، فإن بالنسبة إلى البعض هو حادث مفصلي سيؤرخ مستقبلا لما قبل وما بعد الحريق، لأنه يكفي لشجرة واحدة أو مسكن تقليدي أن يكون خزانا لذكريات جميلة أحرقتها النيران ولم يبق منها إلا الرماد، ولا يمكن لأي تعويض أن يعيد لها الحياة.

15