أسرى الحرب أدوات دعاية في حرب المعلومات الأوكرانية ضد روسيا

حرب المعلومات بين روسيا وأوكرانيا تتّخذ منحى آخر بعد ظهور الجنود الروس الأسرى لدى الجيش الأوكراني في مؤتمرات صحافية للإدلاء ببيانات الندم، ما أثار الجدل حول خرقها لاتفاقية جنيف الثالثة حول معاملة أسرى الحرب.
أوديسا (أوكرانيا) – أدخل حارس مسلح ثلاثة أسرى حرب روس إلى غرفة في المقر الرئيسي لوحدة المخابرات الأوكرانية في أوديسا. ارتدى الأول سترة رمادية وبنطلون جينز. مشى ويداه خلف ظهره يحدق في الأرض. جلس على الطاولة الطويلة، بدا وكأنه مراهق خائف.
همس أحد الصحافيين “يا إلهي، لا يمكن أن يكون سنه أكبر من 18 عاما، أليس كذلك؟”.
جلس رفاقه إلى جانبه. ذكر كل منهم اسمه وتاريخ ميلاده ومكانه ووحدته العسكرية الروسية. ثم ما لبثوا أن أدلوا بـ”بيانات الندم”. قال أحدهم إنه “يشعر بالخجل من النظر في عيون الأوكرانيين”. ثم فتح بعدها المجال لأسئلة الصحافيين.
لقد أصبحت المؤتمرات الصحافية لأسرى الحرب الأوكرانية عنصرا غير تقليدي -وربما غير أخلاقي وغير قانوني- وهو ما يمثل معركة البلدين على المعلومات. وبينما تحظر موسكو حتى استخدام كلمات “حرب” أو “غزو” في وسائل الإعلام الحكومية الروسية، التي تسمّي الحرب “عملية خاصة” ولا تقر بأن جيشها قصف مناطق مدنية، تستعرض أوكرانيا الجنود الروس الأسرى لمواجهة الكرملين كدعاية خاصة بها.
أوكرانيا تستعرض الجنود الروس الأسرى لديها لمواجهة الكرملين كدعاية غير تقليدية في حرب المعلومات
وفي المؤتمر الصحافي الأربعاء، روى الرجال الثلاثة الذين قُدِّموا على أنهم جنود روس أسرى قصصا متماثلة. ولم يتضح ما إذا كانت تعليقاتهم قسرية. نظر أحدهم إلى الطاولة وهو يتكلم، بينما بدا الآخران مرتاحين أكثر. لم تظهر على أي من الرجال كدمات واضحة أو علامات تدل على تعرضهم للتعذيب أو سوء المعاملة.
وتطابق جوهر ما قالوه مع ما قيل في المؤتمرات الصحافية المماثلة التي عُقدت الآن في جميع أنحاء البلاد في الأسبوعين اللذين انقضيا منذ بدء الغزو الروسي. قالوا جميعا إنهم لا يتفقون مع الحرب الروسية، وأعربوا عن أسفهم لدورهم فيها ولم يعرفوا أنهم سيتقدمون على الأراضي الأوكرانية حتى تلقوا الأوامر في الثالث والعشرين من فبراير، قبل ساعات من الضربات الصاروخية الأولى.
حدد السؤال الأول منحى المؤتمر، إذ سأل مراسل قناة تلفزيونية أوكرانية “ليس فقط أوكرانيا ولكن العالم كله يرى أن جيشكم يقتل المدنيين بوضوح، وهذا ما أكده رفاقكم الذين استسلموا على دفعات لجيشنا… ماذا كانت أوامركم بشأن قتل المدنيين؟”.
أصبحت المؤتمرات الصحافية أداة فعالة لجذب الاهتمام الدولي: سجل مقطع فيديو واحد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من 100 ألف إعادة تغريد و200 ألف إعجاب على تويتر. لكنّ المنظمات الدولية والمراقبين قالوا إن هذه المؤتمرات تنتهك اتفاقيات جنيف، التي لديها قواعد واسعة حول معاملة أسرى الحرب.
وتنص المادة 13 من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه “يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات”. وتحظر المادة على وجه التحديد الأفعال التي تسبب الوفاة أو “تعريض صحة السجين لخطر جسيم”. وتقول إنه لا ينبغي إخضاع أي أسير حرب للتشويه الجسدي أو للتجارب الطبية أو العلمية، مضيفة أنه “يجب حماية أسرى الحرب في جميع
الأوقات، لاسيما ضد أعمال العنف أو التخويف وضد الإهانات وفضول الجمهور”.
و“الحملة الدامية” على الإنترنت التي تقودها أوكرانيا وتأمل من خلالها في نشر معارضة مناهضة لبوتين ربما تكون انتهاكا لاتفاقيات جنيف. وهو موضوع تناوله المسؤولون الأوكرانيون في بداية المؤتمر الصحافي الأربعاء. وقال يوري دوبروف، رئيس القسم القانوني بوزارة الدفاع في منطقة أوديسا، وهو يقرأ بيانا، إن أوكرانيا “تلتزم بشدة بقواعد وأنظمة اتفاقية جنيف”. وأضاف دوبروف إن أوكرانيا لديها الآن “عدد كبير من الأشخاص المحتجزين”، لذا فهي تنشئ معسكرا لأسرى الحرب. ولم يقدم المزيد من التفاصيل حول حجم أو موقع المخيم.
وتتبع المؤتمرات الصحافية المنظمة اتجاها بدأ بجهود مدنية شعبية. بعد بدء الغزو، تمت مشاركة مقاطع فيديو لم يتم التحقق منها لجنود روس أسرى أثناء استجوابهم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المواطنين العاديين، الذين كانوا في بعض الأحيان نفس الأشخاص الذين يطرحون الأسئلة. دفع ذلك المستشار الرئاسي الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش إلى الدعوة إلى “معاملة إنسانية للسجناء” في مقطع فيديو على الإنترنت. وذكّر المشاهدين بأن شركاء أوكرانيا الغربيين يراقبون عن كثب.
ولكن على تليغرام وتويتر ويوتيوب، نشرت وزارة الشؤون الداخلية الأوكرانية أيضا مقاطع فيديو وصورا دموية تزعم أنها تظهر جثث جنود روس، وهو انتهاك محتمل آخر لاتفاقيات جنيف.
"الحملة الدامية" على الإنترنت التي تقودها أوكرانيا وتأمل من خلالها في نشر معارضة مناهضة لبوتين ربما تكون انتهاكا لاتفاقيات جنيف
وقال بعض المراقبين حول مقاطع الفيديو والإيجازات الإعلامية إن أسرى الحرب يبدون صادقين أو أن مثل هذه الأدلة ضرورية لاختراق الرقابة الروسية على وسائل الإعلام.
وقالت روسيا، في بيان نادر عن أرقام القتلى العسكريين، في الثاني من مارس الحالي إن 498 من جنودها قتلوا. لكن الثلاثاء، قال الجنرال سكوت دي بيرير، مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، لأعضاء مجلس النواب إن أفضل تقدير هو أن ما بين 2000 و4000 جندي روسي قد قتلوا. ويزعم المسؤولون الأوكرانيون أن الرقم أعلى من ذلك بكثير.
وقال كونستانتين باتوزكي، المحلل السياسي الأوكراني “تحدث أشياء مروعة ومثيرة للاشمئزاز في أي حرب.. علينا معالجة الأكاذيب الروسية. يجب على العالم أن يجعل روسيا تعترف بأنها تكبدت خسائر عسكرية ضخمة”.
وجادل تشارلز دنلاب، وهو لواء متقاعد بالقوات الجوية والمدير التنفيذي لمركز القانون والأخلاق والأمن القومي في كلية القانون بجامعة ديوك، في مشاركة مدونة بتاريخ السابع والعشرين من فبراير بأن “المادة 3” من اتفاقية جنيف “لا تحظر، في حدّ ذاتها، نشر الصور أو مقاطع فيديو لأسرى الحرب”. وتابع “في بعض الأحيان الصور أو مقاطع الفيديو تشكل إهانات أو فضولا عاما، لكن ليس دائما. بدلا من ذلك، يجب تقييم النية وراء إصدار فيديو أو صورة معينة”. وأضاف “مع ذلك، فإن المحصلة النهائية هي أن أسرى الحرب لا ينبغي أن يكونوا أدوات دعاية”.
وكتب أندرو ستروهلين، مدير الإعلام الأوروبي في هيومن رايتس ووتش، على تويتر أنه “على الرغم من أنه قد يبدو في بعض مقاطع الفيديو أن أسرى الحرب أحرار في التحدث كما يحلو لهم، إلا أنهم محتجزون من قبل قوة عسكرية أخرى، ويكاد يكون من المستحيل الحكم على الظروف التي يواجهونها”.
وقال جريجوري إس جوردون، الباحث في القانون الجنائي الدولي، إن “حماية أسرى الحرب قد تغيرت مع تغير طبيعة الحروب”. وأضاف أن الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، عندما تم تعديل اتفاقية جنيف الثالثة، في وقت كان “يمكن فيه إخراج أسرى الحرب إلى العلن والاستعراض والسخرية والإساءة والمضايقة”. وأضاف “كانت الفكرة أن القوة المحتجزة يمكن أن تفعل ذلك من أجل قيمة دعائية أو كوسيلة للسماح للجمهور بالتنفيس عن إحباطهم ضد العدو. كان الهدف من اتفاقية الحماية الدولية لأسرى الحرب وضع حدّ لهذا النوع من الانتهاكات”.
وأشار جوردون “حتى الظهور في المؤتمر الصحافي لأسرى الحرب قد يعرضهم للخطر. إذا انتقد أسير حرب حكومته، حتى لو بالإجبار لا يزال بإمكان النظام في الوطن أن ينظر إلى ذلك على أنه يساعد العدو”.
وردا على سؤال عما إذا كانوا يعرفون ما سيحدث لهم بعد المؤتمر الصحافي، قال الجنود الروس إنهم يفترضون أنهم سيعادون في نهاية المطاف إلى بلادهم كجزء من اتفاقية لتبادل الأسرى.