"أسرار الحكواتي".. كتاب يستكشف السير الشعبية في المغرب

الكتاب جاء جمعا لِمَا تفرَّق في المصنفات القليلة وغير المتاحة حول خصوصية فضاء الحلقة في الثقافة المغربية.
الاثنين 2022/05/09
فنانو الحلقة في ساحة جامع الفنا.. غنى ثقافي وحكايا مشوقة

أبوظبي – صدر للباحث المغربي أسامة خضراوي، كتاب “أَسْرَار الحَكَوَاتٍي: جَمَالِيَّاتُ الحَكْي وَذَخَائِرُ السِّيَرِ الشَّعْبِيَّة”، عن معهد الشارقة للتراث بالإمارات.

الكتاب، الواقع في 401 صفحة، قال عنه الناقد المغربي سعيد يقطين، الذي قدم الكتاب وأشاد به، إن الباحث عمل فيه على “استكشاف ما تزخر به ساحة جامع الفنا -القلب النابض لمراكش- من غنى ثقافي، من خلال تركيزه على حلقة الراوي الشعبي”.

واعتبر “يقطين”، أن الكتاب جاء “جمعا لِمَا تفرَّق في المصنفات القليلة وغير المتاحة حول خصوصية فضاء الحلقة في الثقافة المغربية”.

والحلقة “فضاء أصيل في الثقافة الشعبية، إذ لم تكن مدينة عتيقة في المغرب تخلو من ساحة عمومية يُبدع فيها الحلايقية (الحكواتي) وهم يقدمون أجناسا وأنواعا من الإبداعات الثقافية”، حسب سعيد يقطين.

وتعد ساحة جامع الفنا، أشهر الساحات التي ما زالت تحتضن أنواعا من فنون التراث الشعبي، منها الحكواتيون، ومروضو الأفاعي، وبعضا من فنون الاستعراض، والفنون الموسيقية التراثية.

وتصنف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ساحة جامع الفنا، ضمن قائمة التراث اللامادي، منذ 2001.

وقال خضراوي، إن عمله في هذا الكتاب، يمثل “محاولة للنبش في الذاكرة الشعبية، هذا الكنز الذي يحتاج إلى إعادة قراءة جديدة”.

ولفت مؤلف الكتاب إلى أن الكتاب يسعى إلى الربط بين ماضي وحاضر الأجيال المتعاقبة عليه، ولفت الانتباه إلى هذه الذاكرة الشعبية، كما تقر بذلك الحكمة المأثورة “من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له”.

وأضاف أنه يسعى أيضا إلى “الربط بين الأجيال والتعرف من قريب على هذا الموروث الشعبي، الذي يعبّر عن حضارة عربية أصيلة”.

أسامة خضراوي: الكتاب يمثل محاولة للنبش في الذاكرة الشعبية، هذا الكنز الذي يحتاج إلى إعادة قراءة جديدة

وأشار خضراوي، إلى أن كتابه يهدف “لإبراز الدور الأساسي الذي يلعبه الجمهور والسامع أو حتى القارئ، في خلق تواصل إيجابي يعيد لهذا الموروث حياة أخرى”.

واعتبر أن الموروث الشعبي “بمثابة شاهد عيان على عصر عايشه الأجداد، وجب النهل منه”.

وعمل مؤلف الكتاب، أسامة خضراوي -وهو دكتور وباحث في التراث المغربي- على البحث واستكشاف ما تزخر به ساحة جامع الفنا من غنى ثقافي، من خلال تركيزه على حلقة الراوي الشعبي؛ فجاءت دراسته جمعا لما تفرق في المصنفات القليلة وغير المتاحة حول خصوصية فضاء الحلقة في الثقافة المغربية.

وفي الوقت نفسه يعد تحليلا لصورة المتلقي الذي يتشارك مع الراوي الشعبي في التواصل حول السيرة الشعبية العربية التي اعتبرها (موسوعة حكائية تاريخية)؛ وكان لصلته بفضاء الحلقة واتصاله برجالاتها أثره في طبع كتابه هذا بصفات خاصة.

وسيجد القارئ في هذا الكتاب معلومات جديدة، وأفكارا تستدعي التعميق من خلال البحث في جوانب أخرى من الثقافة الشعبية بسبب الترابط بين مختلف مكوناتها.

ويعد الكتاب دعوة إلى الانتباه لجانب مهم من الثقافة المغربية في مختلف تجلياتها وأبعادها ومقاصدها، خدمة للواقع الثقافي المغربي من خلال البحث في ذاكرته الثقافية من جهة، واستشرافا لمستقبل زاهر من جهة أخرى.

وهو دعوة للحفاظ على الموروث الشعبي المغربي، حيث يؤكد مؤلفه أنه لبقاء الحلقة لا بد من الاهتمام بالحكواتي وتكوين جيل جديد من الحكواتيين القادرين على المزج بين تقنيات التأثير وربط الأفكار وفن الإلقاء.

ويدعو خضراوي من خلال كتابه الجديد إلى الاهتمام بفن القول، باعتباره أحد أهم الفنون التقليدية التي تنقل للأجيال القادمة تاريخ المغرب وحكاياته بكل أبعادها الحقيقية والأسطورية.

ويعيد لفت الانتباه إلى البحث في الأدب الشعبي أو الثقافة الشعبية -الذي يعدّ نشاطا أكاديميا منبوذا في المجتمع- انطلاقا من أن الذاكرة الشعبية تموت بموت روادها، وكل شيخ وراو هو بمنزلة مكتبة ناطقة ومتجولة أحيانا وحين يموت يموت معه جزء كبير من التراث، لذلك إن غاب الاهتمام الأكاديمي بالبحث والتوثيق والتدوين ظلّ أغلبية التراث المغربي الشعبي مجهول التأليف.

وتحدث الكاتب في الفصل الأول عن الفولكلور والأدب الشعبي، مبرزا خصائصه ومفاهيمه ومكوناته، ومكانته وأهمية دراسته، ومواضيعه المتعددة.

شاهد عيان على عصر عايشه الأجداد
شاهد عيان على عصر عايشه الأجداد

أما الفصل الثاني فيتمحور حول نمط من الأنماط الشعبية، ألا وهو الحلقة، من خلال تبيان مكوناتها ومفاهيمها وروادها وأنواعها، مع التطرّق إلى أهم الممارسات الشعبية التي تناولتها، والقاموس المتداول لدى (الحلايقي/ الحكواتي).

فيما اهتم الكاتب في الفصل الثالث من الكتاب، بميكانيزمات الإبلاغ والتلقي ونظرية التلقي وروادها وأهم المفاهيم الإجرائية التي جاءت بها هذه النظرية.

بينما تطرق في الفصل الرابع، إلى الحديث عن التلقي في الفرجة الشعبية والتجليات السيكولوجية للمتلقي في الفرجة الشعبية، واختار نموذجا قديما من العصر العباسي للعتابي موضحا فيه دور الحكواتي في التأثير على المتلقي/الجمهور، والأدوات التي تؤثر فيه، مستعينا بمفاهيم جمالية التلقي.

أما الفصل الخامس، فقد تناول الكاتب من خلاله دلالات الإبلاغ والتلقي في حلقات السير الشعبية، واختار سيرة الأميرة ذات الهمة، وسير عنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، مسقطا عليها مفاهيم جمالية التلقي لتبيان عناصر التأثير في المتلقي، والدور الذي يلعبه الحكواتي في صناعة الفرجة الشعبية.

وفي نهاية الكتاب قام الكاتب بمقارنة بين السير الشعبية، واستخلص منها قيما أصيلة تلخص فحواها، ليكون الكتاب دراسة تغوص في أغوار الذاكرة الجمعية، وإضافة مهمة إلى المجهودات التي قدمت في البحث واستكشاف ثراء الثقافة الشعبية المغربية.

14