أستراليا توجّه أنظارها إلى فورة الهيدروجين في المغرب

بدأ المغرب في جني ثمار إستراتيجيته الواعدة في صناعة الهيدروجين البيئي سريعا بعدما شرعت الشركات العالمية في التسابق إلى هذه الفورة بالسوق المحلية والتي تعول عليها الحكومة لتحول البلد إلى أحد كبار المنتجين في غضون سنوات والاستحواذ على حصة عالمية معتبرة.
الرباط - شكل إعلان شركات أسترالية عزمها الاستثمار في الهيدروجين الأخضر بالمغرب دفعة جديدة للرباط الساعية لتوطين هذه الصناعة في غضون سنوات قليلة مع مضاعفة الإنتاج في العقود الثلاثة المقبلة.
وكشف نوري شهيد نائب الرئيس المكلف بعمليات سي.دبليو.بي غلوبال الأسترالية للطاقة في قارة أفريقيا أن الشركة تتطلع إلى توقيع اتفاقية مع الحكومة المغربية خلال هذا العام لإنشاء مشروع باستثمارات تتراوح بين 15 و20 مليار دولار.
وقال شهيد في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ الشرق الأربعاء إن "المشروع الذي يحمل اسم 'أمون' من المتوقع أن ينتج 15 غيغاواط من الطاقة الخضراء اللازمة لإنتاج مليون طن من الهيدروجين، وهي الكمية الضرورية لإنتاج نحو 6 ملايين طن من الأمونيا".
ويمثل الإنتاج المتوقع من المشروع ثلث مستهدف المغرب، إذ يتطلع إلى إنتاج 3 ملايين طن من الهيدروجين بحلول 2030، وفق سيناريو متفائل، بالاعتماد على إمكاناته في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر لتسريع تحقيق هدف الحياد الكربوني في 2050.
وسيتم تمويل الاستثمارات اللازمة للمشروع جزئيا من المساهمين، إضافة إلى عدد من المؤسسات المالية الدولية التجارية والحكومية.
وأضاف شهيد “نأمل خلال العام الجاري الانتهاء من الاتفاق مع الحكومة المغربية بشأن المشروع حتى نتمكن من البدء في إنشائه بحلول نهاية عام 2026”.
ومن المزمع أن يتم بناء المشروع في منطقة كلميم – واد نون، إحدى الجهات الإثنتي عشرة للمغرب، وهي منطقة تتوفر على إمكانيات كبيرة من الطاقة الشمسية والرياح.
وجرى تقييم من قبل فريق من الخبراء أرسلته الشركة الأسترالية التي لديها مكاتب في الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا إلى المغرب منذ 2019، وعلى إثر ذلك تم اتخاذ القرار بالاستثمار.
وتسعى السلطات المغربية عبر البرنامج، أسوة بالعديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي مقدمتها دول الخليج ومصر، لخفض انبعاثات الدفيئة بنسبة 45 في المئة بنهاية العقد الحالي.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد وجه في أواخر نوفمبر الماضي الحكومة لإعداد برنامج خاص لقطاع الهيدروجين الأخضر يشمل الإطار التنظيمي والمؤسساتي ومخططا للبنية التحتية الضرورية.
ومن المرتقب أن تعلن الحكومة خلال العام الجاري عن خطة عمل جديدة في هذا الصدد مما يسمح لها بجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية في ظل ما يتمتع به مناخ الأعمال من جاذبية واستقرار كبيرين.
وتتوقع سي.دبليو.بي غلوبال، التي تتخذ من مدينة نيوكاسل الأسترالية مقرا لها، بدء تشييد المشروع عام 2026 كما هو مخطط، فيما سيستغرق إنتاج الهيدروجين ثلاث سنوات أي في نهاية 2029 أو بداية 2030.
وتشير تقديرات الشركة الأسترالية التي تشيد مشاريع لتوليد الطاقة النظيفة في عدد من الدول عبر العالم إلى أن المغرب يستقبل حوالي 15 مشروعا مماثلاً من الحجم ذاته لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
ويدير سي.دبليو.بي الأميركي مارك كراندال أحد مؤسسي مجموعة ترافيغورا، وهي واحدة من أكبر شركات التجارة السلعية والخدمات اللوجستية الرائدة على مستوى العالم.
وكان كراندال قد زار المغرب في ديسمبر الماضي للقاء فريقه المحلي الذي يتولى إعداد مشروع “أمون”.
وقال في تصريح صحافي في ذلك الوقت إن “المغرب بإمكانه الاستحواذ على خمسة إلى 10 في المئة من سوق الهيدروجين الأخضر على المستوى العالمي مستقبلا”.
وطوّر المغرب خلال السنوات الأخيرة إستراتيجية للطاقات المتجددة بهدف الانتقال من بلد يستورد كل احتياجاته من النفط والغاز إلى منتج للطاقة المتجددة بغية تحقيق أمن الطاقة ومن ثم وضع خطة لاعتمادها في كافة المجالات الإنتاجية.
ويرى خبراء أن الرباط أمام فرصة ثمينة من أجل توسيع قاعدة الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر بفضل المقومات التي تتمتع بها البلاد وخاصة إذا ما تعلق الأمر بمناخ الأعمال المستقر رغم مطبات الأزمة الصحية التي بالإمكان تجاوزها مع مرور الوقت.
ووفقا لمجلس الطاقة العالمي يُعتبر المغرب من الدول الست في العالم التي تمتلك إمكانات كبيرة في إنتاج الهيدروجين ومشتقاته، وهو ما من شأنه أن يؤهل البلاد للاستحواذ على أربعة في المئة من الطلب العالمي بحدود عام 2030.
وتصل إمكانات الطاقة الشمسية بالبلاد إلى ألف غيغاواط والرياح إلى 300 غيغاواط. وتبلغ القدرة المتاحة حاليا من الطاقة النظيفة نحو 4.15 ميغاواط تمثل 38 في المئة من القدرة الكهربائية المركبة، مع وجود خطط أيضا لزيادتها إلى 52 في المئة بحلول 2030.
ومطلع ديسمبر الماضي قال محسن جزولي وزير الاستثمار إن “تكلفة إنتاج الطاقة من مصادر متجددة بالبلاد تبلغ 35 سنتيم درهم (نحو 3 سنتات أميركية) للكيلوواط/ساعة، وهي تكلفة تنافسية جداً مقارنة بأسواق كثيرة”.
◙ 4 في المئة الحصة العالمية التي يمكن أن يستحوذ عليها البلد بحلول 2030 وفق مجلس الطاقة العالمي
وبعد أسابيع من هذه التصريحات، كشفت مجموعة الفوسفات الحكومية عن برنامج استثماري أخضر بقيمة 12.3 مليار دولار لتطوير القطاعات المرتبطة بإنتاج صناعات الفوسفات على مدى 5 سنوات، بهدف زيادة الإنتاج بالاعتماد على الطاقة المستدامة.
ويؤكد منذر زنيبر رئيس تجمع الهيدروجين الأخضر، وهو هيئة تجمع ممثلين عن القطاعين العام والخاص والجامعات والمراكز البحثية، أن الهيدروجين يمكن تخزينه أو تحويله إلى منتجات سهلة الاستعمال والتخزين والنقل.
وأشار إلى مادة الأمونياك الذي تستورده مجموعة الفوسفات، إضافة إلى الميثانول وهو مادة أولية في الصناعة الكيميائية.
ويمكن استعمال الميثانول الأخضر في إنتاج الوقود الاصطناعي الموجه للسيارات والبواخر، وأيضا في الصناعة البلاستيكية والمجال الصيدلاني وإنتاج شاشات الأجهزة التكنولوجية الحديثة، مثل الأجهزة اللوحية والكمبيوترات والهواتف الذكية.
وقال زنيبر الذي يرأس الشركة المغربية للصلب إن “إنتاج الهيدروجين ومشتقاته يتطلب توافر آليات التحليل الكهربائي، وكهرباء مولدة من طاقة نظيفة، وهو ما يمتلكه المغرب، إضافة إلى بنية تحتية للتخزين والنقل”.
ويؤكد خبراء البنك الدولي أن المغرب يحتاج إلى تمويلات ضخمة تقدر بنحو 78 مليار دولار في العقود الثلاثة المقبلة لتحقيق منافع مهمة من الاستثمار في المناخ كونه سيوفر المزيد من فرص العمل ويدعم التنمية الشاملة.