أزمة معبر رأس جدير تشل الصادرات التونسية إلى ليبيا

حذر خبراء اقتصاد من مخاطر استمرار بطء حركة التجارة عبر منفذ رأس جدير الحدودي مع ليبيا لما له من انعكاسات سلبية على إيرادات الصادرات التونسية، التي يتوقع أن تنخفض بشكل ملحوظ هذا العام، رغم المحاولات المضنية للبلدين لحل هذه الأزمة.
تونس- يتزايد قلق أصحاب الأعمال في تونس من أن تواصل مشكلة المعبر البري الرئيس مع ليبيا سيؤدي إلى فقدان بلدهم إيرادات من التصدير هي في أمسّ الحاجة إليها، كما أنه قد يؤثر على أعمال شركاتهم التي تبيع منتجاتها في سوق جارتها النفطية.
وقدر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (آي.أي.سي.إي)، أن تصل الخسائر التي يمكن أن تنجم عن عدم استرجاع المعبر لوتيرة نشاطه السابقة واستمرار فترات الانتظار الطويلة، إلى 300 مليون دينار (97.45 مليون دولار) بنهاية 2024.
والمعهد، وهو مركز أبحاث تونسي مستقل تأسس قبل أربعة عقود، يعمل على حماية الشركات والمساهمة في تحسين مناخ الأعمال والنهوض بالاقتصاد عبر دراسات وصياغة ورقات بحثية وتوصيات ومقترحات للإصلاح.
وذكر المركز في تقرير حول “تداعيات إغلاق معبر رأس جدير على الاقتصاد” نشره الثلاثاء الماضي، إلى أنه رغم أن الإغلاق ساهم في السيطرة على التجارة الموازية بجنوب تونس وغرب ليبيا، لكنه فتح المجال للتجارة الموازية والتهريب عبر الحدود الجزائرية.
وأوضح معدو التقرير أن هذا الوضع يساهم في خسارة تونس لإيرادات بقيمة 1.2 مليار دينار (390 مليون دولار) يمكن للسلطات تحقيقها، وذلك استنادا على تقرير سابق للبنك الدولي نشره في عام 2014.
وتشكل هذه النقطة الحدودية شريان حياة رئيسية لكل المناطق المتاخمة لها من الجانبين التونسي والليبي، وقد كانت تشهد نشاطا كثيفا لمرور المسافرين والشاحنات والسيارات في السابق.
وشهد المنفذ إغلاقا خلال الفترة الممتدة من مارس إلى يوليو الماضيين، بفعل الوضع الأمني غير المستقر في غرب ليبيا، مما أفضى الى اضطرابات اقتصادية واجتماعية لعشرات الأسر خاصة تلك التي تعتمد مداخيلها على التجارة عبر رأس جدير.
ووفق وثيقة المعهد، فقد تم تقدير الخسائر المسجلة على مستوى عائدات الصادرات خلال الفترة المذكورة بنحو 180 مليون دينار (58.5 مليون دولار).
وأغلق المعبر في أواخر مارس الماضي، إثر اشتباكات بين الميليشيات الليبية قبل أن يُعاد فتحه جزئيا أمام المسافرين وحركة التجارة في العشرين من يونيو الماضي.
وأعلن وزير الداخلية التونسي خالد النوري ونظيره الليبي مصطفى الطرابلسي مطلع يوليو خلال زيارتهما للمعبر عن إعادة فتحه كليا.
وكانت حركة المرور عبر المنفذ أواخر شهر أغسطس قد تعرضت للشلل لأيام نتيجة غلق الطريق على مستوى بوكماش من الجانب الليبي بسبب احتجاجات، الأمر الذي اضطر عددا من المواطنين القادمين من تونس إلى اعتماد معبر ذهيبة – وازن الحدودي.
ويقع معبر رأس جدير على بعد نحو 170 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس، وهي نقطة العبور الرئيسية بين غرب ليبيا وجنوب شرق تونس، ويمر فيها جزء كبير من التجارة عبر الحدود، بما في ذلك التهريب.
وخلال لقائهما على هامش قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، التي تحتضنها بكين حاليا، انتهز رئيس الحكومة التونسية كمال المدّوري في أول محادثات منذ تعيينه في منصبه قبل فترة مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لمناقشة أزمة المعبر.
وبحسب بيان لرئاسة الحكومة التونسية، فقد جرى خلال اللقاء التأكيد على أهمية تحقيق التكامل الاقتصادي وتذليل كافة العراقيل أمام تنمية المبادلات التجارية وتطوير الاستثمار بين البلدين.
كما تطرق المدّوري إلى أهمية تفعيل ومتابعة مخرجات القمة الثلاثية التي انعقدت بتونس قبل أشهر بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أنه خلال 2023، عبر قرابة 3.4 مليون مسافر من الليبيين والتونسيين من أجل السياحة بين الجانبين، وكذلك من أجل العلاج داخل مصحات ومستشفيات خاصة في تونس بالنسبة إلى الليبيين.
ووفق إحصائيات رسمية، فقد نمت المبادلات بين الجارين خلال العامين الماضيين بنحو 10.8 في المئة لتتخطى حاجز المليار دولار.
ووفر المعبر لوحده عائدات قاربت 155.6 مليون دولار سنة 2022، وبلغت أكثر من 156 مليون دولار العام الماضي، أي قرابة 18 في المئة من مجموع الصادرات، وفق وزارة التجارة.
ورغم الأزمة في ليبيا ومحاولة تركيا الاستئثار بحصة من سوقها التجارية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الصادرات التونسية نحو البلد العضو في أوبك نمت بشكل ملحوظ.
وسجلت الصادرات ارتفاعا بنسبة 55 في المئة خلال الفترة بين عامي 2017 و2023 محققة زيادة من 390 مليون دولار إلى 860 مليون دولار، في حين تتطلع تونس إلى بلوغ 1.58 مليار دولار بحلول سنة 2025.
ويلفت آي.أي.سي.إي الانتباه أيضا إلى كون إغلاق المعبر الذي استمر لزهاء ثلاثة أشهر، أثّر على نشاط الشركات، التي تعتمد على هذا السوق للتصدير وخاصة في قطاعات مثل مواد البناء، وخاصة الإسمنت، والمواد الزراعية، ولاسيما الفواكه.
ويقول الخبراء إن الوضع القائم يتطلب إيجاد حلول عملية وسريعة بالتنسيق مع السلطات الليبية لتسهيل عملية المرور وضمان انسيابية الحركية التجارية.
ولاحظوا أن الإغلاق كانت له تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة خاصة في الجنوب التونسي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة عبر المعبر، كما سلط الضوء على مدى تداخل الاقتصاد الرسمي والموازي عبره.
النقطة الحدودية تشكل شريان حياة رئيسية لكل المناطق المتاخمة لها من الجانبين التونسي والليبي
وتسبب ذلك في تعطل حركة السلع ببعديها الرسمي والموازي، وأثر على المستهلكين، الذين يعتمدون عيلها وأفرز فراغا في السوق بسبب قلة العرض وزيادة الطلب.
ويقدر البنك الدولي حجم التجارة الموازية عبر المعبر نحو تونس بنحو 194.9 مليون دولار سنويا، وأن أبرز البضائع التي تمر تتمثل في الوقود والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والمعدات والملابس والفواكه.
وتشكل تجارة الوقود، النشاط المهيمن، وفق معطيات قدمها المعهد، بالاعتماد على تقرير البنك الدولي، 10 في المئة من قيمة المبيعات و30 في المئة من الأرباح.
وخلصت وثيقة المعهد إلى أن تعزيز التعاون بين تونس وليبيا “يعد أمرا حتميا لضمان استمرار حركة التجارة بشكل آمن ومستدام”.
كما شددت على ضرورة تحسين البنية التحتية وإطلاق منصات رقمية لتسريع الاجراءات مع تقديم حوافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناشطة في الجنوب التونسي للاستثمار في المنطقة لتفادي “آفة الاقتصاد الموازي”.