أزمة كورونا تعيد الاعتبار لمهنة التمريض عند الشباب

لا تحظى مهنة التمريض في الكثير من المجتمعات العربية بالتقدير الكافي، وتوجد أحكام مسبقة على العاملين فيها تسببت في عزوف الشباب من الجنسين عن دخول المجال الذي أثبتت الأزمة الصحية التي تجتاح العالم مدى الحاجة إليه، وتسبب النقص الحاد للعاملين في ازدياد الوفيات بتأثير فايروس كورونا.
أبوظبي – يطالب ماجد الحمادي، الممرض الوحيد في أبوظبي منذ سنوات، بضرورة تغيير الأفكار السائدة بأن مهنة التمريض مقتصرة على النساء فقط، لافتا إلى أهمية تثقيف الأطفال والشباب حول أهمية مهنة التمريض ودراسة هذا التخصص.
وتنظر العديد من المجتمعات العربية إلى مهنة التمريض باعتبارها أقل أهمية من غيرها من المهن، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بخصوصية كل مجتمع وتباين عاداته ونظرته للفروق بين الذكور والإناث في ما يخص العمل، وأدت بالنهاية إلى عزوف الشباب عن التوجه لهذا الاختصاص.
ويدعو الحمادي (25 عاما) الشباب للانخراط في مهنة التمريض، وإحداث فرق في هذا النوع من الرعاية في المجال الصحي، مشيرا إلى أن الشباب بحاجة إلى فهم حاجة الدولة للمزيد من الكوادر التمريضية من المواطنين الذكور وتحمّلهم المسؤولية في ذلك.
ورغم أن غالبية المجتمعات العربية تعتبر أن هذا المجال يناسب الفتيات أكثر إلا أن طول ساعات العمل اليومي وعدم انتظامها ونظام المناوبة الليلية، عوامل تجعل هذا الاختصاص غير مرغوب بالنسبة للفتيات أيضا لاسيما في المجتمعات المحافظة، حتى أنها ووفق ما أكدت العديد من الممرضات تؤثر على فرص الزواج .
وتعتبر فكرة عمل الجيل الجديد بمهنة التمريض أمرا جديدا على الدول الخليجية وتتحكم العادات السائدة في عمل الفتيات فيها، وتقول إحدى الممرضات الكويتيات “تعرضت لانتقادات من قبل المحيطين بي من الصديقات والعائلة، عندما توجهت لدراسة هذا المجال واعتبروها مهنة لا تليق بي، حيث كانوا ينظرون لها على أنها مهنة مساعدة وأن الممرضة تعنى فقط بخدمة المرضى من خلال إطعامهم وقضاء احتياجاتهم اليومية، ويتم تجاهل الجانب الإنساني لهذه المهنة”.
وبالنتيجة أثرت هذه الأسباب على فعالية القطاع الصحي الذي بات يعاني من نقص في الكوادر الطبية.
عقبة العادات والتقاليد
تعد مشكلة نقص الممرضين نسبية بين دولة وأخرى ووصلت إلى حد الأزمة في بعض الدول جراء تفشي وباء كورونا، فعلى سبيل المثال إن عدد الأطباء والممرضات في العراق مقارنة بعدد السكان أقل بكثير من دول أخرى بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل الأردن وتونس.
ففي 2018، كان العراق لديه 2.1 ممرضة وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان وذلك وفقا لتقديرات كل بلد.
ومع توسّع قطاع الصحة في العراق وإنشاء مراكز صحية ومستشفيات جديدة، برز النقص الشديد للكوادر الطبية لاسيما في قطاع التمريض، حيث تَحُول العادات والتقاليد الاجتماعية دون انخراط فتيات العراق وحتى الشباب من الذكور في هذا القطاع، إضافة إلى النظرة الدونية تجاه الممرضة والمضايقات التي تتعرض لها خلال عملها، حيث أن نظرة المجتمع لعمل المرأة ليلا مازالت تتباين بين القبول والرفض بحسب المهنة ومدى حاجة الناس الملحة إليها، لكن البعض لم ينصف الممرضات اللواتي يطالبن بالحماية لما يتعرضن له أحيانا من مواقف مخجلة خلال عملهن الليلي والنهاري على حد السواء داخل المستشفيات وخارجها من قبل المراجعين أو الممرضين والأطباء، وهذا ما يحول دون قبول الأهالي بدخول بناتهم إلى مدارس وكليات التمريض.
وتتحدث إحدى الممرضات عن أهم المعوقات في العمل وتقول “نتعرض إلى تحرش لفظي ومضايقات باللمس والألفاظ النابية والمخجلة الصادرة أحيانا من مرافقي المرضى أو من زملاء العمل، مما يجعل الكثير من الممرضات الشابات يتجنبن العمل في دائرة الاحتكاك مع المرضى والكوادر الطبية الأخرى.
والمشكلة الأخرى التي تواجه الممرضات هي الاتهام بالتقصير والاعتداء عليهن بالسب والشتم عند وفاة أحد المرضى الراقدين في المستشفى وغالبا ما يتم اتهامهن بالتقصير في العمل وتحميلهن مسؤولية حياة المريض.
كما أصبح هناك عزوف غير معلن من الرجال عن الزواج من الممرضات، بمن فيهم الشباب العاملون بالمجال الصحي نفسه، ما يعتبر سببا إضافيا للابتعاد عن مهنة التمريض في العراق، وقد اضطرت بعض الممرضات إلى التوقف عن العمل، وتحوّل بعضهن إلى العمل كقابلات في البيوت فقط”.
العادات والتقاليد الاجتماعية تحول دون انخراط فتيات العراق وحتى الشباب من الذكور في قطاع التمريض
ويضاف إلى هذه الأسباب وجود مخاوف لدى الفتيات من صعوبة مهنة التمريض وساعات العمل الطويلة والاحتكاك مع المرضى.
وفي ثمانينات القرن الماضي صدر قرار من الحكومة العراقية بإجبار جميع خريجات المعاهد والجامعات على العمل كممرضات لعام واحد قبل أن يحصلن على وظائف حكومية في اختصاصاتهن، ومن ترفض العمل كممرضة لمدة عام كامل لا تحصل على أي وظيفة حكومية، وتردد حينها أن شريحة الممرضات قدمن شكوى إلى الحكومة بخصوص النظرة المجتمعية لهن فاتخذت الحكومة هذا القرار لتغيير تلك الصورة النمطية عن النساء اللواتي يعملن في المهنة.
وفي الفترة الراهنة مع تفشي وباء كورونا، تفاقمت مشكلة النقص في الكوادر الطبية وخصوصا مجال التمريض، وأصبحت الحاجة ماسة لجهود كل من يعمل في هذا المجال، وهو ما أدركه العالم والمجتمعات العربية أيضا، وقد يغير وجهة النظر السائدة حول التمريض، حيث أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا هذا الأسبوع عن “حالة التمريض في العالم 2020” اعتبر بمثابة تذكير صارخ بالدور الفريد الذي يقوم به كادر التمريض ونداء صريح بأهمية تكريس الدعم الذي يحتاجه أفراد هذا الكادر للحفاظ على صحة العالم. وكشف التقرير عن وجود ثغرات هامة على مستوى كادر التمريض وتحديد المجالات الاستثمارية ذات الأولوية على صعيد التعليم والوظائف والمهارات القيادية من أجل تعزيز مهنة التمريض حول العالم والنهوض بهدف الصحة للجميع.
ومازال الممرضون والممرضات، على مر التاريخ وحتى اليوم، في الخطوط الأمامية لمكافحة الأوبئة والجائحات التي تهدد صحة الناس في أنحاء العالم. وتمارس هذه الكوادر دورها في شتى أنحاء العالم على نحو مفعم بالعطف والإقدام والشجاعة في التصدي لجائحة كوفيد19-، لتبرز مكانتهم القيّمة بوضوح لم يسبق له مثيل.
وقال تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن “الممرضات والممرضين هم ركيزة أي نظام صحي في العالم. واليوم يقف العديد منهم في الخطوط الأمامية لمواجهة كوفيد19-”.
ويكشف التقرير، الذي أعدّته منظمة الصحة العالمية بالشراكة مع المجلس الدولي للممرضات وحملة “التمريض الآن”، أن هناك اليوم أقل من 28 مليون ممرض وممرضة حول العالم. وفي الفترة بين عامي 2013 و2018، ازداد عدد العاملين في مجال التمريض بواقع 4.7 مليون شخص، ولكن لا تزال هناك فجوة عالمية يتعين سدّها بواقع 5.9 مليون ممرض وممرضة، حيث تتركز الفجوات الأكبر في بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا وإقليم المنظمة لشرق المتوسط، بالإضافة إلى بعض مناطق أميركا اللاتينية.
ومن اللافت أن أكثر من 80 في المئة من الممرضين والممرضات في العالم يعملون في بلدان تؤوي نصف سكان العالم فقط، وأن واحدا من كل ثمانية ممرضين أو ممرضات يعمل خارج البلد الذي وُلد فيه أو تلقى فيه تدريبه. وتعدّ شيخوخة القوى العاملة في مجال التمريض عامل تهديد آخر، حيث يتوقع أن يتقاعد واحد من كل ستة ممرضين أو ممرضات حول العالم في غضون السنوات العشر القادمة.
تعزيز الرفاهية
ولتفادي هذا العجز العالمي في كادر التمريض، يشير التقرير إلى أن البلدان التي تواجه نقصا في كوادر التمريض عليها أن تزيد من مجموع عدد خريجي التمريض لديها بمعدل 8 في المئة سنويا، بالإضافة إلى تعزيز قدراتها في مجال توظيف الممرضين والممرضات واستبقائهم في النظام الصحي.
وأفادت رئيسة المجلس الدولي للممرضات، آنيت كنيدي، أن “السياسيين يدركون تكلفة تأهيل الممرضين والممرضات واستبقائهم في المهنة، ولكن قلة منهم تدرك القيمة الحقيقية لهؤلاء الممرضين والممرضات”.
وأضافت “إن كل جنيه يُستثمر في مجال التمريض يعزز رفاهية الأفراد والأسر بطرق ملموسة واضحة للعيان. وهذا التقرير يسلط الضوء على مساهمات كادر التمريض ويؤكد أن الاستثمار في مهنة التمريض هو استثمار لصالح المجتمع وليس تكلفة. إن العالم بحاجة إلى الملايين من الممرضين والممرضات بالإضافة
إلى ما لدينا اليوم، ونحن ندعو الحكومات إلى القيام بالأمر الصائب والاستثمار في هذه المهنة الرائعة والنظر إلى الفوائد التي سيجنيها سكانهم من العمل الرائع الذي لا يمكن لأحد أن يؤديه مثل كادر التمريض”.
وتشكل النساء قرابة 90 في المئة من مجموع كادر التمريض، غير أن قلة منهن يتقلدن مناصب قيادية عليا في مجالهن، حيث يحتل الرجال معظم هذه المناصب. غير أن تمكين الممرضات من تقلد أدوار قيادية، مثلا عن طريق استحداث منصب كبيرة الممرضات (أو ما يعادله) على المستوى الحكومي ووضع برامج لتنمية المهارات القيادية في مجال التمريض، من شأنه تحسين ظروف عمل كادر التمريض.
رسالة إلى الحكومات
ويرى اللورد نيجل كريسب، الرئيس المشارك لحملة “التمريض الآن”، أن “هذا التقرير يقدم الكثير من البيانات والبيّنات التي كانت ضرورية لدعم الدعوة إلى تعزيز الأدوار القيادية في مهنة التمريض والنهوض بممارسة التمريض وتأهيل قوى عاملة في مجال التمريض للمستقبل”.
وأضاف “تعكس هذه الخيارات الإجراءات التي نعتقد أن على جميع البلدان أن تنفذها على مدى السنوات العشر القادمة لضمان توفر عدد كاف من الممرضين والممرضات في جميع البلدان، وتمكينهم من الاستفادة على أكمل وجه مما تلقوه من تعليم وتدريب وتأهيل مهني من أجل النهوض بخدمات الرعاية الصحية الأولية والاستجابة للطوارئ الصحية مثل كوفيد-19. وينبغي أن يبدأ ذلك بحوار عريض وشامل للقطاعات يضع قضايا التمريض في سياق النظام الصحي والقوى العاملة في مجال الصحة والأولويات الصحية للبلدان”.
ويوجّه التقرير رسالة واضحة مفادها أن على الحكومات أن تستثمر في تسريع وتيرة التعليم والتأهيل بشكل كبير في مجال التمريض، وخلق فرص العمل وتطوير المهارات القيادية في مهنة التمريض. فمن دون كوادر التمريض وغيرهم من العاملين الصحيين لن تتمكن البلدان من كسب أي معركة ضد الأوبئة.