أزمة كهرباء تنتظر العراق في فصل الحر وموسم تجدد الاحتجاجات الشعبية

ارتهان العراق لإيران في توفير الكهرباء رغم مقدّراته الضخمة في مجال الطاقة يجعله في مواجهة أزمة دائمة تساهم في تعقيدها عوامل خارجة عن نطاقه مثل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران والتي تمنعه من تسديد ثمن الغاز الإيراني قبل حلول الصيف موسم ارتفاع الطلب على الكهرباء، وأيضا فصل الاحتجاج الشعبي على نقصها.
بغداد - تتخوّف الحكومة العراقية من مواجهة أزمة كهرباء حادّة مع اقتراب فصل الصيف حيث يرتفع الطلب على الطاقة الكهربائية التي كان نقصها في في ذلك الفصل خلال سنوات سابقة مثار غضب شعبي عارم.
ويرتهن العراق في حلّ هذه المشكلة لإيران التي تزوّده بالغاز اللازم لتوليد الكهرباء والتي تخشى جهات عراقية من أن تتخذ من هذه السلعة الحيوية ورقة ضغط على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي تعتبره طهران مقرّبا من الولايات المتّحدة.
وأعرب أحمد العبادي المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية عن الأمل في أن تعاود السلطات الإيرانية ضخ كامل الكمية المتفق عليها من الغاز لتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية قبل موسم الذروة في الصيف المقبل.
وخلال الفترة الأخيرة ضغطت ميليشيات وأحزاب شيعية عراقية معروفة بقربها من إيران على الحكومة لإثنائها عن قرارها بخفض سعر صرف الدينار العراقي الذي قد يؤثّر على حجم الصادرات الإيرانية للعراق من خارج الطاقة، فضلا عن ضرره المؤكّد بمصالح المضاربين في سوق العملة وبينهم عدد كبير من كبار قادة تلك الميليشيات التي تتخذ من هذه التجارة مصدرا لتغطية مصاريفها المتزايدة مع تزايد أنشطتها وتوسّعها في التسلّح وتجنيد المقاتلين.
وكثيرا ما مثّلت أزمة الكهرباء المُزمنة في العراق وعجز حكوماته المتعاقبة منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن عن تجاوزها رغم أنّ البلد من كبار منتجي ومصدّري النفط في العالم، نموذجا عن الفشل في إدارة موارد الدولة وتجييرها لخدمة المجتمع وتلبية حاجاته الأساسية، وانعكاسا لمدى تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة.
وبسبب تأخر العراق في تسديد ثمن الغاز الإيراني المستورد في الفترة السابقة، لجأت إيران إلى خفض كمية الغاز الذي تصدّره إلى العراق بشكل يومي من 50 مليون قدم مكعب إلى 22 مليونا في الوقت الحالي، الأمر الذي سينعكس نقصا في حجم الكهرباء وعجزا عن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في فصل الحرّ، ما سيثير غضب الشارع المستنفر أكثر من أي وقت مضى للتظاهر والاحتجاج ضد الفقر والفساد وتردّي مستوى الخدمات.

أحمد العبادي: أملنا أن تضخ إيران كامل كمية الغاز المتفق عليها قبل الصيف
وعزت وزارة الكهرباء العراقية التأخر في دفع مستحقّات لإيران تبلغ 2.6 مليار دولار إلى العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
ونقلت صحيفة الصباح المحلّية العراقية الثلاثاء عن العبادي قوله إنّ “عدم تمكن الجانب العراقي من تحويل الأموال بسبب العقوبات الأميركية أدى إلى تلكؤ الجانب الإيراني في تزويد العراق بالغاز المشغل للمحطات الكهربائية”.
لكنّ المسؤول العراقي أكّد أنّ المبالغ المستحقّة لإيران “مؤمّنة ومودعة في المصرف العراقي للتجارة إلاّ أن العقوبات المفروضة على إيران حالت دون تحويل المبلغ”.
ودعا العبادي إلى “حلحلة هذا الموضوع لضمان معاودة الجانب الإيراني ضخ خمسين مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يوميا قبل موسم الصيف المقبل لضمان استقرار وضع المنظومة الكهربائية”.
وفي 2018 انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائدا واحدا التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية شديدة.
وينتج العراق 19 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية بينما احتياجاته الفعلية منها تتجاوز 30 ألف ميغاوات، وفقا لمسؤولين في قطاع الكهرباء.
ويُجري البلد مباحثات مع دول خليجية على رأسها السعودية لاستيراد الكهرباء منها عبر ربط المنظومة العراقية مع منظومة الخليج، بعد أن كان يعتمد على إيران لوحدها خلال السنوات الماضية عبر استيراد 1200 ميغاوات من الكهرباء وكذلك الغاز لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية المحلية.
وفي نطاق محاولة تنويع مصادر الطاقة الكهربائية وتخفيض مستوى العجز، ذكر العبادي أن وزارة الكهرباء تعمل حاليا لرفع الطاقة الإنتاجية للمحطات الكهربائية إلى 22 ألف ميغاوات قبل موسم الصيف المقبل من خلال إدخال عدد من الوحدات التوليدية إلى الخدمة في محطات صلاح الدين الحرارية والناصرية والسماوة وبسماية والمسيب والهارثة والنجيبية والخيرات.
وذكر أن الوزارة تعمل أيضا مع وزارة النفط لطرح جولة تراخيص لنصب وحدات الطاقة الشمسية والمتجددة حيث تضمنت الجولة الأولى 755 ميغاوات ستنصب في محافظات النجف وكربلاء وبابل والديوانية والسماوة، ومن المؤمل أن تدخل الخدمة الصيف المقبل.
وكان العراق قد وقّع الاثنين على اتفاقية مبادئ مع شركة توتال الفرنسية بالمليارات من الدولارات لاستثمار الغاز لسد متطلبات المحطات الكهربائية وبناء منظومات الطاقة الشمسية في إطار عقد عملاق لتحسين وضع الطاقة في العراق في السنوات المقبلة.
ويهدر العراق سنويا كميات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط يتم حرقها. وتم خلال السنوات الماضية طرح العديد من المشاريع لاستغلال ذلك الغاز المهدور في توليد الكهرباء، لكنّ جميع تلك المشاريع لم يتمّ إقرارها بسبب ما تقول جهات عراقية إنّها ضغوط إيرانية عبر سياسيين وقادة ميليشيات عراقيين بهدف الإبقاء على البلد مرتهنا لطهران في مجال الطاقة الكهربائية.
ويحتاج العراق حاليا لحل إشكال المستحقات المالية مع إيران بشكل عاجل لتفادي حصول نقص كبير في تزويد السكّان بالكهرباء خلال الصيف القادم، الأمر الذي سيولّد ضغوطا شعبية هائلة على حكومة الكاظمي التي تواجه صعوبات بالغة بسبب جائحة كورونا والأزمة المالية فضلا عن الخلافات السياسية الحادّة التي حالت دون إقرار قانون الموازنة من قبل البرلمان.
ويرى مراقبون أنّ إيران لن تتردّد في استخدام ورقة الغاز والكهرباء في الضغط على الكاظمي كلمّا ابتعد بمواقفه وسياساته عنها واقترب أكثر من الولايات المتّحدة والسعودية التي من المقرّر أن يزورها الأربعاء، حيث من المتوقّع أن تكون قضايا التعاون في مجال الطاقة جزءا أساسيا من مباحثاته مع قيادة المملكة وكبار مسؤوليها.