أزمة كهرباء تفسد على الحكومة الكويتية الاحتفاء بمرور مئة يوم على تشكيلها

أزمات من قبيل أزمة الكهرباء التي تواجهها الكويت حاليا وأزمة توفير السيولة الكافية لدفع رواتب موظفي الدولة التي واجهتها في سنوات سابقة، لا تبدو منطقية في حالة البلد الغني بموارد النفط وقليل السكان، إلاّ في ضوء ما مرّ به من أوضاع سياسية غير منضبطة عرقلت مسار التنمية وعطلت الإصلاحات، وما تزال الكويت تعاني تبعاتها مع بداية مرحلة التغيير التي دخلتها مؤخرا بإدارة من أمير البلاد.
الكويت - تجدّدت أزمة الكهرباء في الكويت وأفسدت على حكومة الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح إمكانية الترويج لحصيلة إيجابية لعملها خلال أوّل مئة يوم من عهدها، وهي التي ألزمت أعضاءها من وزراء وإداريين كبار، أياما قليلة بعد تشكيلها في الثاني عشر من مايو الماضي بتقديم كشوف بالإنجازات التي حققتها الجهات الخاضعة لإشرافهم وبالتقدّم في تنفيذ المشاريع الموكولة لها.
وأعلنت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الكويتية، الأحد، قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق السكنية والصناعية والزراعية، بسبب ما قالت إنّه خلل طارئ في إمدادات الوقود. وعانت الكويت خلال الصائفة الحالية من اضطرابات في خدمة تزويد السكان بالطاقة الكهربائية التي ارتفع معدّل استهلاكها مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحاجة لتكييف الهواء في المحلات الخاصّة والمقرّات العمومية وما رتّبه ذلك من أحمال إضافية على محطات التوليد وخطوط النقل.
ورغم الاعتراف بدور حرارة الطقس في الارتفاع السريع في معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية، إلاّ أن متابعين للشأن الكويتي يعتبرون أنّ وصول الأمر حدّ الحديث عن أزمة كهرباء أمر غير منطقي بالنسبة للكويت التي تمتلك مقدرات ضخمة في مجال الطاقة حيث أنّها رابع منتج للنفط في المنطقة العربية بمعدل إنتاج يومي تجاوز الثلاثة ملايين برميل، وسابع مصدّر له في العالم، كما أنّ لها قدرات جيدة في مجال التكرير بامتلاكها مصفاة الزور السابعة في ترتيب أكبر المصافي في العالم وأيضا بشراكتها مع سلطنة عمان في مصفاة الدقم الأكبر في الشرق الأوسط. وتمتلك الكويت كذلك قدرات مالية كبيرة تلخّصها قيمة أصول صندوقها السيادي المعروف بصندوق الأجيال والبالغة وفقا لأحدث التقديرات أكثر من 900 مليار دولار.
وتكفي مقارنة كل تلك القدرات بالعدد القليل للسكان الذي لا يتجاوز 4.5 ملايين ساكن، للوقوف على مدى قدرة السلطات الكويتية على منع حدوث أزمات من نوع أزمة الكهرباء والتحسب لها على مدى طويل. ويستطيع البلد تجديد أسطول توليد الطاقة الكهربائية بالكامل وزيادة عدد مصادر التوليد وتنويعها وتوفير خزين احتياطي كبير من الوقود اللازم لتشغيل المولّدات لتلافي ما حدث السبت والأحد حين تسبب الخلل في عملية تزويد المولدات بالغاز في قطع التيار الكهربائي على عدد من المناطق.
وتُعرف عمليات قطع التيار الكهربائي لتخفيف الأحمال على الشبكة في الكويت بالقطع المبرمج، حيث يتم قطع التيار عن بعض المناطق بين الساعة الحادية عشرة صباحا والخامسة مساء وهي فترات ذروة الاستهلاك بسبب الاستخدام الكثيف لأجهزة التكييف. ولجأت وزارة الكهرباء للقطع المبرمج هذا العام، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، بسبب تزايد عدد السكان والتوسع العمراني وارتفاع درجات الحرارة وتأخر صيانة بعض المحطات الكهربائية.
وأعلنت الوزارة، الأحد، في بيانات أذاعتها تباعا قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق السكنية المكتظة بالسكان في جليب الشيوخ وحولي والسالمية ومبارك الكبير وصباح الأحمد السكنية والعمرية والفروانية والجهراء القديمة وأبو فطيرة وغيرها. كما شمل القطع أيضا بعض المناطق الزراعية في الروضتين والعبدلي والوفرة ومناطق صناعية في ميناء عبدالله وصبحان وسكراب أمغرة ومنطقة الصليبية الصناعية والري والشويخ الصناعية. وقالت الوزارة إن هذه الخطوة تأتي “حفاظا على استقرار المنظومة الكهربائية في البلاد”.
◙ مسؤولية مضاعفة للحكومة في إثبات قدرتها على مواجهة الأزمات في غياب البرلمان الذي كان يتهم بعرقلة عمل الحكومات
وجاء ذلك لك بعد يوم واحد من قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق غير السكنية بسبب ما وصفته الوزارة بالتوقف الكلي لوحدات معالجة الغاز من قبل شركة البترول الوطنية الكويتية. وأعلنت الوزارة السبت أن هذا التوقف أدى لخفض جودة الغاز المرسل من شركة البترول الوطنية لبعض وحدات توليد الكهرباء، حيث خفضت الوزارة الأحمال الكهربائية على تلك الوحدات حفاظا على المنظومة الكهربائية.
وقالت الوزارة إن قطع التيار الأحد يأتي “نتيجة لما حدث السبت من خلل في إمدادات الوقود والذي أدى لخروج عدد من وحدات توليد الكهرباء في محطتي الصبية والدوحة الغربية للقوى الكهربائية وتقطير المياه”. وأضاف البيان “الوزارة قد تضطر إلى قطع التيار الكهربائي عن أجزاء في بعض القطع من المناطق ذات الاستخدام الكثيف للطاقة وذلك حفاظا على استقرار المنظومة الكهربائية للبلاد”.
ومن جهتها أرجعت شركة البترول الوطنية توقّف خطوط مصنع إسالة الغاز إلى انقطاع مياه البحر المخصصة للتبريد والتي يتم تزويدها من قبل الهيئة العامة للصناعة، كما تأثرت أغلب وحدات مصفاة الأحمدي. وذكرت الشركة في بيان أن الهيئة العامة للصناعة تمكنت بعد ذلك من إعادة تزويد مياه البحر وأعقب ذلك البدء باستعادة أعمال مصفاة الأحمدي وخطوط الغاز تباعا لتعود العمليات التشغيلية إلى الوضع الطبيعي.
ومع بداية الأزمة هذا الصيف وقّعت الكويت في مايو الماضي عقودا تشتري بموجبها 500 ميغاوات من الكهرباء من خلال هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، تضمنت شراء 300 ميغاوات من سلطنة عمان و200 ميغاوات من قطر، خلال الفترة من أول يونيو إلى 31 أغسطس الجاري.
وتعيد أزمة الكهرباء غير المنطقية في الحالة الكويتية إلى الأذهان أزمات أخرى كان البلد الغني وقليل من السكان قد شهدها من قبل، وترجع بالأساس إلى سوء التسيير وعدم القدرة على التحكم في الموارد وحسن توظيفها، وفي أسوأ الحالات إلى هدر المال العام وانتشار الفساد داخل أجهزة الدولة، وهي عوامل مرتبطة جميعها بالوضع السياسي القائم في البلاد على مدى السنوات الماضية والذي برز توجّه قوي نحو تغييره بشكل جذري بقيادة الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
وقبل نحو أربع سنوات فاجأ وزير المالية الكويتي آنذاك براك الشيتان الملاحظين بالحديث عن أزمة سيولة هددت قدرة الحكومة على دفع رواتب موظفيها بسبب جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، فيما كان السحب من صندوق الأجيال يواجه عوائق قانونية واعتراضات شديدة من نواب مجلس الأمّة.
وكثيرا ما كان المجلس ذاته جزءا لا يتجزّأ من أزمات البلاد المتكرّرة وخصوصا المتمثّلة في حلّ البرلمانات وإقالة الحكومات بشكل متلاحق، الأمر الذي تسبب بحالة مزمنة من عدم استقرار السلطتين وعدم تحقّق التواصل المطلوب في عملهما. وتولّى أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد بنفسه قيادة تغيير ذلك الوضع بحلّ المجلس وتعليق العمل بمواد في الدستور لفترة لا تتجاوز الأربع سنوات لمنح الفرصة لإنجاز الإصلاحات الضرورية وتلافي الأزمات.
ويقع على عاتق الحكومة الحالية التي يرأسها الشيخ أحمد العبدالله النهوض بأعباء التغيير الذي يتطلب إنجازه وقتا أطول، دون أن يعفيها ذلك من واجب مواجهة الأزمات الآنية مثل أزمة الكهرباء بشكل عاجل نظرا لمساسها المباشر بأوضاع السكان لا سيما المواطنين منهم والذين كثيرا من عرض نواب مجلس الأمة أنفسهم كمدافعين عن قضاياهم ومشاغلهم.
ولا تخدم أزمة الكهرباء صورة الحكومة التي سعت لإضفاء طابع عملي وتنفيذي على سياستها وألزمت في أول اجتماع لها بعد تشكيلها قبل نحو ثلاثة أشهر الوزراء بتقديم كشف يتضمن عددا من المشاريع الخاصة بالوزارات والهيئات والمؤسسات التابعة لكل وزير ويتم تنفيذها خلال مئة يوم. كما ألزمت كل وزارة وجهة حكومية بتقديم تقارير إلى مجلس الوزراء بشأن الموقف التنفيذي لكل مشروع بهدف الانتهاء من إنجاز هذه المشاريع وفقا لجدول زمني محدد.