أزمة ديون متفاقمة تتربص بتونس ومصر

البلدان يواجهان تحديات بسبب نقص السلع الأساسية واختلال في الأسواق المالية وتضخم جامح أفرزته التوترات الجيوسياسية.
الجمعة 2023/05/12
رصيدكم لا يكفي

انتقلت تحذيرات الأسواق من اتساع المشاكل المالية في تونس ومصر جراء الأزمة الاقتصادية، التي يعاني منها البلدان، إلى نقطة أكثر تشاؤما في ظل استمرار الضبابية المحيطة بخطط المسؤولين لتجنب أي انزلاق محتمل في منحدر الديون والتخلف عن السداد.

لندن - يدق مستثمرون ومحللون ناقوس الخطر محذّرين من أن تونس ومصر على شفا أزمة ديون كبرى قد تؤثر على منطقة شمال أفريقيا، وتضع دول الخليج أمام خيارات صعبة.

ويواجه البلدان بالفعل تحديات بسبب نقص السلع الأساسية واختلال في الأسواق المالية وتضخم جامح أفرزته التوترات الجيوسياسية، ولاسيما الحرب في شرق أوروبا.

وثمة اعتقاد راسخ منذ فترة طويلة بأن مصر أكبر من أن يُسمح لها بالانهيار، فهي أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا والأكثر من حيث عدد السكان، لكن لتونس أيضا أهمية كبيرة باعتبار التحول في مسار لملمة فوضى أكثر من عشر سنوات من سوء إدارة الأزمات.

مات روبنسون: آخر تصنيف لموديز يؤكد إمكانية تخلف تونس عن السداد
مات روبنسون: آخر تصنيف لموديز يؤكد إمكانية تخلف تونس عن السداد

وما زالت تونس يحدوها أمل الحصول على دعم طال انتظاره من صندوق النقد الدولي رغم استمرار القلق حيال مدى التزامها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في ظل التحديات المالية والاقتصادية.

وانتقد الرئيس قيس سعيد صندوق النقد مؤخرا قائلا إن تونس لن تذعن لما وصفه بأنه إملاءات بشأن خفض دعم الغذاء والطاقة وفاتورة رواتب القطاع العام، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى تجدد الاضطرابات الاجتماعية.

وقال مات فوجل مدير أصول الأسواق الناشئة لدى أف.آي.أم بارتنرز لرويترز “في ضوء السياسات الحالية، علينا أن نتساءل عما إذا كان أي برنامج لصندوق النقد سيصمد في المراجعة الأولى أو الثانية”.

وتتباين الآراء حول قدرة البلد على تخطي مشاكله؛ فبينما يرى شق من الخبراء أنه من دون مساعدة مستدامة يقدمها الصندوق، ستواجه البلاد أزمة شاملة في ميزان المدفوعات، يعتقد آخرون أن الدولة تمتلك بعض الأدوات لبناء دفاعات مالية معقولة.

وتدفع تونس واحدة من أعلى فواتير الرواتب في القطاع العام في العالم، ويعني هذا أن عجز المالية العامة سيظل عند نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقديرات جي.بي مورغان.

في المقابل يحذر بنك مورغان ستانلي من أن احتياطي النقد الأجنبي لن يكفي تغطية واردات السلع الأساسية لمدة شهرين حتى في مثل هذا الوقت من العام المقبل في ضوء المعدل الحالي للسحب منها.

ولذا قد يصبح سداد الديون مهمة شبه مستحيلة، فمعظم قروض البلاد محلية، لكن عليها سداد قرض أجنبي بقيمة 500 مليون يورو في أكتوبر هذا العام ثم سداد آخر في فبراير المقبل.

ويحذر مات روبنسون، كبير المحللين في وكالة موديز للتصنيف الائتماني، من أن “هناك دائما احتمال أن يتأخر برنامج صندوق النقد لفترة طويلة بحيث عندما يأتي يكون مقداره ضئيلا جدا وبعد فوات الأوان”.

وعن مخاطر التخلف عن السداد أكد أن ذلك “قد يحدث هذا في النهاية، وهذا ما يشير إليه تصنيفنا المنخفض”.

وخفضت الوكالة في يناير الماضي تصنيفات الحكومة التونسية للعملتين الأجنبية والمحلية على المدى الطويل، وكذلك تصنيف البنك المركزي للديون غير المضمونة من درجة سي.أي.أي 1 إلى سي.أي.أي 2 مع تغيير التوقعات المستقبلية إلى سلبية.

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى مصر التي تتعرض ماليتها العامة لضغوط شديدة رغم حصولها على برنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد في ديسمبر الماضي.

قلق من أزمة شاملة في ميزان المدفوعات
◙ قلق من أزمة شاملة في ميزان المدفوعات

وتقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بسرعة من مئة في المئة، كما فقد الجنيه 50 في المئة من قيمته بعد خفض قيمته ثلاث مرات في فترة عام تقريبا.

ويعني هذا أن مدفوعات الفائدة على الديون وحدها، التي يتم اقتراض جزء كبير منها بالدولار أو اليورو أو الين، ستبتلع أكثر من نصف عوائد الحكومة العام المقبل، وفقا لوكالة فيتش التي خفضت تصنيف البلد مجددا يوم الجمعة الماضي.

ويضر نقص الدولار أسواق العملات المحلية بشدة في الاقتصاد المصري، ويجري تداوله حاليا بأكثر من 38 جنيها في السوق الموازية، أي أكثر بنحو 20 في المئة من سعر الصرف الرسمي.

ويأتي هذا السعر على الرغم من الخفض المتكرر للعملة المحلية وأسعار الفائدة التي قفزت إلى 18.25 في المئة ببلد يبلغ عدد سكانه قرابة 105 ملايين نسمة.

ديفيد باتر: منذ الوباء عادت مصر إلى دوامة عدم الاستقرار النقدي
ديفيد باتر: منذ الوباء عادت مصر إلى دوامة عدم الاستقرار النقدي

ويعتقد خبراء أن الفائدة سترتفع عن هذا المستوى بكثير، وكل ذلك لدعم رؤية اقتصادية مثيرة للجدل قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

وقال ديفيد باتر، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمؤسسة تشاتام هاوس البحثية ومقرها لندن، “بخصوص السكان، إلى حدود بدْء تفشي جائحة كورونا كان هناك تحسن هامشي في مستويات المعيشة”.

وأضاف “لكن منذ أواخر عام 2021، عدنا إلى هذه الدوامة من عدم الاستقرار في سوق الصرف والتضخم الجامح”.

وتنفي القاهرة أي أحاديث عن التخلف عن سداد ديونها، ومن أجل سد فجوات التمويل تستهدف بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة ملياري دولار بحلول نهاية يونيو المقبل.

وهذه خطوة بالغة الأهمية سواء بالنسبة إلى صندوق النقد الذي يتوقع أن تغطي عمليات البيع ما يقرب من نصف فجوة التمويل البالغة 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، أو بالنسبة إلى السعودية والإمارات وقطر، التي دعمت البلاد بالكثير من الأموال.

وتتخذ تلك الدول حاليا موقفا أكثر صرامة، وهو ما عزاه محللون إلى السياسات الإقليمية والاختلافات حول تقييم الأصول التي ستباع، رغم بعض التصريحات الإيجابية.

وقال وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري لرويترز خلال زيارة قام بها في الآونة الأخيرة إلى لندن إن "الإمارات ومصر ستقفان معا دائما”، مضيفا أن تمويل البنية التحتية أظهر أن العلاقة بين البلدين “عميقة جدا وقوية للغاية".

وبالنسبة إلى شركات إدارة الأصول كان هناك انخفاض مؤلم بنسبة 20 في المئة في قيمة السندات الدولية المصرية، التي تقترب من 30 مليار دولار هذا العام.

وتشهد إيرادات قناة السويس وعائدات السياحة تحسنا، لكن يتعين على القاهرة أن تسدد 5.8 مليار دولار من قيمة أصل السندات والفوائد المستحقة عليها في 2024، بينما تمثل تلك السندات وزنا بواقع اثنين في المئة في أكثر مؤشرات ديون الأسواق الناشئة متابعة.

ويقول كارل روس، الخبير في أزمات الأسواق الناشئة لدى جي.أم.أو لإدارة الأصول، إنه سيتعين على دول الخليج الموازنة بين كُلفة دعم مصر ومخاطر عدم الاستقرار الإقليمي في حال انهيار الدولة، وإنه إذا حدث تخلف عن السداد لن يمر الأمر “دون عواقب كبيرة”.

وأشار إلى أن “دول الخليج عززت بشكل عام الاستقرار المالي في المنطقة” من خلال المساندة التي قدمتها، لكن “لا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا وتحت أي ظروف”.

◙ ظرف خاص وجب التأقلم معه
◙ ظرف خاص وجب التأقلم معه 

10