أزمة ثقة بين الحكومة المصرية والمواطنين تعزز انتشار الشائعات

الحكومة أمام موجات عاتية من الانتقادات يختلط فيها ما هو داخلي مع مساع خارجية يقودها الإخوان لتشويه صورتها.
الاثنين 2024/11/04
انعدام الثقة في الحكومة

القاهرة– سارعت الحكومة المصرية إلى نفي الكثير من الشائعات التي تصدرت الرأي العام في مصر خلال الأسبوع الماضي، وصاحب ذلك توجيه من رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لوزرائه بضرورة “تفنيد الادعاءات” التي يتم تداولها، غير أن ذلك لم يوقف انتشار الأنباء المتداولة على نطاق واسع وبدأت تتغلغل في المجتمع رغم مساعي وأدها، ما يكشف عن حالة فقدان ثقة بين الحكومة والمواطنين قد تشق طريقها إلى التصاعد إذا لم تكن هناك إجراءات لتخفيف الأزمات.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال استقباله مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الأحد إن أولوية الدولة تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو.

وبدا واضحا أن الحالة التي أفرزها انتشار الشائعات وتغلغلها مجتمعيا كانت دافعا نحو التحرك سياسيا بما لا يقود إلى إحداث قلاقل داخلية غير معروفة مآلاتها، خاصة أن الشائعات تضرب صميم وطنية الأجهزة المصرية التي لعبت دوراً فاعلاً في حماية البلاد من مغبة أخطار إقليمية جمة.

الحكومة المصرية تبدو ظالمة ومظلومة في الوقت ذاته، لأنها لم تُحسن التعامل مع ضبط الوعاء المجتمعي واعتمدت على الصوت الواحد ولم تفسح المجال لتوجيه الانتقادات إليها

وتصدر خبر عن استقبال مصر السفينة الألمانية “كاثرين” التي قيل إنها تحمل شحنة متفجرات متجهة إلى إسرائيل، قائمة الأخبار في الأيام الماضية، وهو ما نفته القاهرة عبر إفادتين، إحداهما من القوات المسلحة التي “أكدت عدم صحة ما يتم ترويجه من مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية جملة وتفصيلاً”، بجانب نفي آخر خرج عن مصدر رسمي (مجهول)، ومع ذلك فإن الشائعة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم وتركت تفاعلات سلبية ضد الحكومة على منصات التواصل المختلفة.

ويعود جزء من ردود الأفعال الصاخبة في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الواقعة إلى أن الحكومة وقعت في تضارب المعلومات بشأن السفينة المزعومة، إذ قالت وزارة النقل إنه تم “السماح للسفينة كاثرين وهي برتغالية الجنسية وترفع العلم الألماني بالرسو في ميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة خاصة بوزارة الإنتاج الحربي، وتقدمت بطلب رسمي للسماح لها بمغادرة الميناء في اتجاه ميناء حيدر باشا بتركيا لاستكمال خط سيرها”.

لم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة التي تدخلت الحكومة لنفيها بعد أن أثارت جدلاً مجتمعيا، فهناك واقعة طرد صيادي بحيرة البردويل (على الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء) وهي أكبر البحيرات المصرية تمهيداً لبيعها لمستثمر أجنبي، إذ نفى المتحدث باسم الحكومة محمد الحمصاني ما تم تداوله بخصوص البحيرة، وقال إن “جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة” سيبدأ في أعمال تنمية بحيرة البردويل بهدف إعادتها إلى ما كانت عليه، وسيتم تطوير مراسي الصيد لزيادة إنتاج السمك.

كما نفت الحكومة المصرية معلومات حول وجود مخططات لإخلاء دير سانت كاترين بجنوب سيناء، تزامنا مع تطوير المنطقة، وكانت هذه القضية مثار غضب الأقباط في مصر بعد أن جرى التأكيد على طرد الرهبان من الدير. وقالت الحكومة إن الدير “مفتوح ويعمل بشكل طبيعي، مع استمرار جميع إدارته ومسؤوليه من قساوسة ورهبان في القيام بأعمالهم دون وجود أي مخططات لإخلائه”.

والعامل المشترك بين هذه الوقائع هو النفي الذي لم يكن مقنعا للكثير من المواطنين، وحضرت الشائعات الثلاث إلى جانب صور أظهرت مرور سفينة إسرائيلية عبر قناة السويس، وهو أمر معتاد بالنسبة إلى الممر الملاحي، وعلى رأس اهتمامات قطاعات كبيرة من المواطنين الذين وجدوا فيها فرصة للتنفيس ضد الحكومة التي يرون أنها أخفقت في ملفات اقتصادية عدة، وخلقت لهم صعوبات معيشية جمة، وبدا هذا الوتر يتسق مع الرغبة في تحميل الحكومة كافة الأزمات التي يعانيها الناس.

حكومة مدبولي في مأزق
حكومة مدبولي في مأزق

وتجد الحكومة المصرية نفسها أمام موجات عاتية من الانتقادات يختلط فيها ما ينبع من الداخل بمساع خارجية يقودها تنظيم الإخوان لتشويه صورتها وتوسيع الهوة بينها وبين المواطنين واستغلال حالة الفراغ السياسي الذي يسمح لها بالعودة مرة أخرى أو على الأقل إلحاق أكبر قدر من الأضرار بالنظام المصري وعرقلة مساعيه في التعامل مع الأزمات.

وتبدو الحكومة المصرية ظالمة ومظلومة في الوقت ذاته، لأنها لم تُحسن التعامل مع ضبط الوعاء المجتمعي واعتمدت على الصوت الواحد ولم تفسح المجال لتوجيه الانتقادات إليها في الملفات التي أخفقت فيها، وبدت هناك قناعة بأن تعمل لتسويق إنجازاتها فقط وإن كانت المشكلات الأخرى ظاهرة وواضحة للجميع.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن أزمة الثقة مردها مصداقية التوجه نحو الانفتاح السياسي، وإن الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل ثلاث سنوات لم تثمر نتائج إيجابية تُرضي المواطنين أو القوى السياسية بما يجعل هناك ثقة تساهم في تصديق رؤى الحكومة، وإن كثرة تقديم الوعود تجاه ملفات مختلفة وعدم تنفيذها مع طول فترة الانتظار والتأكيد على حسن نوايا الحكومة حيال بعضها تجعل هناك إمكانية لتصديق أخبار شبه مستحيلة الحدوث مثلما هو الوضع بالنسبة إلى السفينة كاثرين.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن وسائل الإعلام المتربصة بالدولة المصرية تجد في مثل هذه الشائعات مادة خصبة لإحداث حالة من البلبلة وزرع بذور الشك والوصول إلى القطيعة الكاملة بين المواطنين والحكومة، وأن عدم وضوح الحكومة في التعامل مع مجموعة من الأحداث التي وقعت على المستوى الداخلي خلال الأسابيع الماضية وتغاضيها عن تقديم تفسيرات لها فسحا المجال على نحو أكبر لإطلاق الشائعات وتصديقها.

وسائل الإعلام المتربصة بالدولة المصرية تجد في مثل هذه الشائعات مادة خصبة لإحداث حالة من البلبلة وزرع بذور الشك والوصول إلى القطيعة الكاملة بين المواطنين والحكومة

وأشار إلى أن المصريين لديهم حس سياسي وإن كان هناك تفاوت في الثقافات والتعليم بينهم، وأن هذا الحس هو من ساهم في أن تحقق الدولة استقراراً داخليا طيلة السنوات الماضية رغم الظروف الإقليمية المحيطة بها، وهو أيضا الذي يجعل البعض ينظر إلى الحكومة باعتبارها مقصرة في ملفات عدة، وعليها أن تراجع نفسها بعد أن غابت الشفافية والمصداقية.

وذكر في حديثه لـ”العرب” أن إسرائيل بحاجة إلى الموانئ المصرية كي يصل السلاح إليها مع إمدادها بأحدث الأسلحة والذخائر الأميركية منذ بدء حرب غزة، ومن المستحيل تصديق مساعدة الجيش المصري لها في الحرب ضد الفلسطينيين غير أن نفاذ الشائعة يشي بوجود خطر داهم بحاجة إلى التعامل معه على مستويات مختلفة.

وتحدث تقرير للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء صدر في فبراير الماضي عن تزايد معدلات انتشار الإشاعات خلال السنوات الماضية، ووفق التقرير بلغت نسبة الإشاعات عام 2023 نحو 18.8 في المئة، وفي 2022 نحو 16.7 في المئة، وفي 2021 نحو 15.2 في المئة، وأبرز التقرير القطاعات التي استهدفتها الإشاعات في العام الماضي، وهي الاقتصاد والتموين والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية.

وأكد عضو مجلس النواب المصري، رئيس حزب العدل، عبدالمنعم إمام أن ما يقرب من 70 في المئة من قدرة الحكومة على التعامل مع التحديات التي تواجهها تتوقف على الثقة بينها وبين المواطنين، وهي ثقة مفقودة منذ فترة طويلة، وأن استمرار رئيس الوزراء في منصبه مع تغيير العديد من الوزراء لم يرمم هذا الجدار، ويتمثل خطأ الحكومة في كون تصريحات تحسين الأوضاع تتعدد لكن النتيجة واحدة بلا تغيير.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة نفت مراراً زيادة أسعار الكهرباء، لكن الأسعار في النهاية شهدت زيادات كبيرة. كذلك الوضع بالنسبة إلى خفض قيمة الجنيه وغير ذلك من الموضوعات التي ترتبط بالملف الاقتصادي، ولم يعد لدى المواطن ثقة في نفيها.

وأشار إلى أن الحل في تغيير رئيس الحكومة والاستعانة بشخص يحظى بقبول شعبي، أو إدخال تعديلات جذرية على السياسات الراهنة، خاصة ما تعلق بالوعود الاقتصادية والالتزام بما يتم إعلانه للناس، فالشائعات تتغذى على ضعف الأداء.

1