أزمة تونس أكبر من جيريس

ضمنت تونس تأهلها إلى الدور الثاني من أمم أفريقيا، لكنها بقيت على الحياد من كل المنتخبات العربية التي لعبت، فأقنعت، فنالت ورقة تأهلها عن جدارة واستحقاق. أزمة تونس كرويا كبيرة تتجاوز حدود المدرب الحاضر الغائب إلى ما هو أهمّ. الأهم من حضور المدرب أو غيابه يتعلق بمردود اللاعبين العاجزين عن نفض غبار الانطلاقة السيئة في هذه البطولة والعودة إلى سكة الانتصارات والأهم هو الإقناع على الميدان.
المتابع لمردود المنتخب التونسي طيلة المباريات الثلاث التي خاضها في الدور الأول لا يرى فرقا شاسعا بينها. مردود هزيل وعقم هجومي وغياب خطة واضحة المعالم لتمركز اللاعبين فوق الميدان، كلها عوامل أجّجت الحنق والغضب لدى أغلب المتابعين للمنتخب التونسي في أمم أفريقيا.
أين المنتخب؟ أين اللاعبين؟ يتساءل البعض باستنكار فيه من الحسرة والندم الشيء الكثير، فيما يقول آخرون إن المدرب الوطني هو من أوصل المنتخب إلى هذا المستوى المتدني والمردود الذي لا يرتقي لأن يكون مرضيا.
عند البحث عن الأسباب الموضوعية التي أوصلت إلى هكذا وضعية كارثية لا يفوت أي عارف بكواليس اللعبة الشعبية أن يطرح أكثر من تساؤل: هل أن المدرب ألان جيريس مدرك جيدا لأخطائه ويعيد قراءة ومراجعة ما قدم في كل مرة من خطط ونصائح للاعبين؟
هل يشرف هذا المدير الفني فعليا على كل كبيرة وصغيرة داخل الجهاز الفني ويناقش باستمرار مع مساعديه، على كثرتهم بلا فائدة، الخطط وعملية تأهيل اللاعبين نفسيا قبل الدخول في أي لقاء؟ كيف يفسّر الجهاز الفني للمتابع التونسي والعربي عموما ضعف التنسيق على الميدان والهوة الفاصلة بين الخطوط والأداء الهزيل جدا في خلق الفرص أمام المنافسين؟
فرصة المراجعة متوفرة وطريق العودة إلى السباق مفتوح، فقط المطلوب أن يتجاوز جيريس أخطاءه ويتغلب اللاعبون على محنتهم
يبدو أن الأزمة تتجاوز جيريس فعلا. الأزمة أعمق من التخطيط الكارثي لهذا المدرب وقدرته على إدارة الأمور بحكمة وتدبّر فوق الميدان. لا بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، والقول بأن المدرب على رأس الأزمة وسببها المباشر.
يطرح الكثيرون تساؤلات ملغّمة حول الأداء الهزيل لبعض اللاعبين، على خلاف المستوى الذي يلوحون به في أنديتهم، على غرار وهبي الخزري ويوسف المساكني، لكن رغم ذلك هم موجودون ولا يستطيع المدرب المغامرة بطلب تعويضهم.
هناك أزمة حقيقية في منتخب تونس. أزمة تتجاوز الإطار الفني الذي هو جزء كبير منها لتبلغ كيفية إدارة العلاقة بين اللاعبين فوق الميدان وخارجه. لكن ما لا يفهمه أي متابع غيور على كرة القدم التونسية وخصوصا إذا تعلق الأمر بالمنتخب وحظوظ التشريف عربيا، أن كل هذه الأمور متروكة للعلاج خارج المسابقات والبطولات الكبرى.
كل المنتخبات العربية المشاركة لعبت بحرقة الدفاع عن راية الوطن ورفع علمه عاليا. المغرب والجزائر ومصر وموريتانيا التي غادرت السباق وتركت انطباعا إيجابيا، كلها منتخبات لعبت فأقنعت وقدمت صورة مشرفة عن كرة القدم المغاربية والعربية. فيما اكتفت تونس بتوفير مادة إعلامية كثيفة للمحللين والمتابعين لخلطة جيريس الكارثية وتحليق “النسور” خارج سرب الكان.
الدفاع عن راية الوطن عقيدة وثبات وعمل غيور يؤديه الجندي على الجبهة كما الطبيب في مجال تخصصه، كما العالم بورشة بحثه، كما اللاعب على المستطيل الأخضر. تونس لها من التاريخ الشيء الكثير في أمم أفريقيا. لها نجوم كبار لعبوا واستبسلوا والأهم أنهم أدخلوا الفرحة على شعب مهموم بمشاكله وغارق في أهوال ما يحيكه سياسيوه. لها تاريخ عن رجال تبلّلت قمصانهم بعرق الندية واللعب على قلب رجل واحد، فكانت النتيجة جد مشرفة في أكثر من مناسبة وأكثر من بطولة أفريقية.
فرصة المراجعة متوفرة وطريق العودة إلى السباق مفتوح، فقط المطلوب أن يتجاوز جيريس أخطاءه ويتغلب اللاعبون على محنتهم، والأهم أن يفكروا في اللعب بشرف، حينها يكون الحظ حليف الجميع.