أزمة تركيا مزدوجة: سخط في الداخل وتوتر مع الخارج

لندن - حذّر خبراء في ورشة عمل نظمتها مؤسسة “أحوال تركية”، في لندن ضمن فعاليات مؤتمر حزب العمال البريطاني، من تداعيات الفساد وسوء الإدارة والسياسة الخارجية الخاطئة على مستقبل تركيا، لا فقط على مستوى السياسات والعلاقات الدولية بل أيضا على مستوى عمق المجتمع حيث ترفع هذه الأوضاع من مستوى الهجرة وتفرغ البلاد من شبابها وتدفع الآلاف من المواطنين الأكثر تعليما والأثرياء، من الرافضين لسياسات حزب العدالة والتنمية، إلى مغادرتها.
لكن، الأخطر وفق مداخلة ياوز بيدر، رئيس تحرير موقع “أحوال تركية”، في ورشة العمل التي كانت بعنوان “سخط في الداخل ومصيبة في الخارج: أزمة تركيا المزدوجة”، ضعف أرضية المعارضة التي يمكن أن تقف في وجه سوء الإدارة المدمّر. وقال بيدر إن الكثيرين يشعرون بأن المعارضة التركية المنقسمة تفتقر إلى الأسس القوية لإلحاق الهزيمة بالحزب الحاكم بنجاح.
وانتقد بيدر النظام الرئاسي التنفيذي الجديد الذي بدأ بعد الانتخابات في يونيو 2018، وجرد النظام السياسي التركي من الضوابط والتوازنات الرقابية وأعطى الرئيس رجب طيب أردوغان سلطة الحكم بمرسوم وقلص وظيفة البرلمان إلى مجرد الموافقة على قرارات الرئيس.
لكن اللافت في التحولات التي شهدتها تركيا في الفترة الأخيرة، وخصوصا منذ الانتخابات البلدية، أن هذه القوة انقلبت على أردوغان. ويؤكد بيدر ذلك بقوله “الأرض التي يمشي عليها أردوغان أظهرت تصدعات في الآونة الأخيرة. والغريب في الأمر أن هذا قد نتج عن تحركات الرئيس الخاطئة، بما في ذلك الفساد المتجذّر وعدم القدرة على الخروج من المستنقع الاقتصادي”.
وكان من بين نتائج هذا الفساد دخول تركيا في حالة ركود اقتصادي في نهاية عام 2018، إذ تسببت أزمة العملة في انخفاض ما يقرب من 30 في المئة من قيمة الليرة مقابل الدولار بحلول نهاية العام. وظهر الاستياء العام من الاقتصاد المتضرر في صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية في شهر مارس 2019، عندما خسر حزب العدالة والتنمية البلديات الرئيسة بما في ذلك إسطنبول وأنقرة.
وسلط رؤساء البلديات الجدد المنتمون إلى المعارضة الضوء على ما يقولون إنه إنفاق مهدر من قبل أسلافهم في حزب العدالة والتنمية، حيث ألغى رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو تمويلا يربو على 60 مليون دولار للمؤسسات التي لها روابط بالحزب الحاكم.
وقالت إسراء أوزيوريك، أستاذة العلوم الإنسانية في كلية لندن للاقتصاد، وإحدى المشاركات في الحلقة النقاشية، إن ثمة اعتقادا شائعا على نطاق واسع بأن المحسوبية متفشية بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالفرص التمويلية والوظائف في تركيا، مما يؤدي إلى تأجيج هجرة العقول.
وقالت أوزيوريك، التي ترأس قسم الدراسات التركية المعاصرة في جامعتها، “يدفع الانكماش الاقتصادي والافتقار إلى الجدارة والوضع السياسي غير المستقر الناس على نحو متزايد إلى مغادرة تركيا بعدما كانوا لا يفكرون في الأمر في السابق”. وبلغ عدد الأتراك الذين جاؤوا إلى بريطانيا بحثا عن الاستقرار خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 20 ألف تركي، معظمهم من أعلى شرائح تركيا في التعليم والثراء.
إلى جانب الفساد وسوء الإدارة والنزوع نحو التسلط في السياسة الداخلية، يضيف الكاتب في موقع “أحوال تركية” يشار ياكش، إلى القائمة السياسة الخارجية، لافتا في مشاركته في الندوة إلى أن مقامرة تركيا الفاشلة على انتفاضات “الربيع العربي” التي بدأت في عام 2011 أدت إلى جعل سياستها الخارجية تواجه صعوبات جمة.
وتحدث ياكش انطلاقا من خبرته باعتباره عضو برلمان سابقا عن حزب العدالة والتنمية وشغل منصب وزير الخارجية خلال العام الأول للحزب في السلطة في الفترة من 2002 إلى 2003. وقال إن “نظام حزب العدالة والتنمية كان يأمل في أن يجمع الربيع العربي حزاما من البلدان التي تميل إلى فكر الإخوان المسلمين تحت قيادة تركيا، لكن هذا فشل”.
ودعمت تركيا الساسة الإسلاميين في بلدان مثل مصر وسوريا، لكن تم إسقاط حكومة الإخوان المسلمين في مصر في انقلاب عام 2013، بينما هزم بشار الأسد معظم المعارضة السورية في حرب أهلية مدمرة مستمرة منذ ثماني سنوات.
وقد تركت سياسات حزب العدالة والتنمية تركيا غارقة في صراع معقد في سوريا، حيث يواجه مقاتلو المعارضة المسلحة الذين تدعمهم تركيا قوات الحكومة السورية وحلفاءها الروس والإيرانيين في محافظة إدلب. وهدد أردوغان مرارا بغزو المناطق الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة حليفة تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في السنوات السابقة، ورغم التحول من سياسة صفر مشاكل مع الجيران إلى سياسة صناعة المشاكل مع الجميع، لم يشعر نظام حزب العادلة والتنمية بالتهديد مثلما يشعر به اليوم بعد أن بدأت جدرانه تتصدع نتيجة الانشقاقات.
وكانت نتائج الانتخابات البدلية القشة التي قصمت ظهر الحزب ونظام أردوغان، حيث أخرجت النتيجة ما كان كامنا في نفوس قياديي الحزب الرافضين لسياسات أردوغان. وبدأت تظهر المعارك الداخلية في حزب العدالة والتنمية، وهناك توقعات بإنشاء حركتين سياسيتين جديدتين بقيادة أعضاء بارزين سابقين في حزب العدالة والتنمية في وقت لاحق من هذا العام.
وقال بيدر إن تركيا تدخل فترة حرجة ستحدد مستقبلها في ظل تزايد حالة عدم اليقين. وأضاف “هناك وجهة نظر متفائلة ومتشائمة. يعتقد البعض أن أردوغان قد انتهى وسط تنامي الانقسامات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم والنجاح الذي حققته المعارضة في الآونة الأخيرة”.
لكن، قد يقلل من هذه النجاحات عدم رغبة القوميين الأتراك في المعارضة في العمل مع الحركة السياسية الكردية. وقال بيدر “تتمثل وجهة النظر المتشائمة في أن المعارضة تقف على أرض متزعزعة، بما في ذلك الموقف المتناقض لحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي بشأن أمور مثل القضية الكردية”.