أزمة بُن تستنفر الحكومة حفاظا على مزاج الجزائريين قبل الانتخابات الرئاسية

ارتفاع سعر البن في الجزائر يشكل عبئا جديدا على ميزانية الأسر المنهكة في ظل عجز الحكومة على مواجهة مختلف الأزمات.
الثلاثاء 2024/07/30
ضمان استقرار أسعار القهوة بوابة الحكومة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي

الجزائر- دفع الارتفاع المسجل في أسعار القهوة بمختلف أنواعها وأوزانها في السوق الجزائرية، الحكومة إلى عقد اجتماع خصص لبحث ووضع آليات تحد من ارتفاع الأسعار وتأثيرها على مزاج الجزائريين المدمنين والشغوفين باستهلاك القهوة، خاصة وأن الظرف الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد لا يسمح بأي عائق يعكر أجواء الانتخابات الرئاسية التي تراهن عليها السلطة من أجل الثبات في مواقعها.

وعقد رئيس الوزراء الجزائري محمد نذير العرباوي اجتماعا وزاريا مشتركا خصص لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة ارتفاع أسعار البن العالمية وانعكاسه على السوق المحلية، بما يعطي الانطباع أن الحكومة تعلق الارتفاع على مشجب الأسواق العالمية، بينما تغيب عنها كواليس الاستيراد والاحتكار والمضاربة التي تتحكم فيها لوبيات التجارة الخارجية.

ويبقى المستهلك الجزائري غير مقتنع بالترابط المطروح بين الأسواق العالمية والسوق المحلية، بسبب الاختلالات القائمة. ففي ظل غياب آليات ناجعة للتحكم في الأسعار والسوق الداخلية، يبقى الرابط طرديا لمّا يتعلق الأمر بارتفاع الأسعار، أما حينما تنخفض فلا أثر لذلك على الأسعار المحلية، وهو ما تعود عليه المستهلك في مختلف البضائع المستوردة، التي إذا ارتفع سعرها لن يعود إلى الهبوط، حتى ولو انهار في الأسواق العالمية.

◄ الحكومة تأمل في أن تتمكن عبر هذه الآليات من ضمان استقرار أسعار القهوة، كبوابة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي عشية الانتخابات الرئاسية

وذكر بيان لمجلس الوزراء أنه “تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، المتعلقة بالمتابعة المستمرة لوضعية تزويد السوق بالمواد ذات الاستهلاك الواسع و ضمان حماية القدرة الشرائية للمواطن، ترأس الوزير الأول نذير العرباوي اجتماعا وزاريا مشتركا خصص لاتخاذ التدابير اللازمة، في سياق ارتفاع أسعار البن العالمية وانعكاسه على السوق المحلية”.

وأضاف “تم إقرار عدة تدابير، أهمها المرافقة ذات الطابع الجبائي للمتعاملين الاقتصاديين الناشطين في هذا المجال، وتسقيف هوامش الربح عند الاستيراد والتوزيع بالجملة والتجزئة، وكذلك تخصيص رواق أخضر خاص للمستوردين من قبل مصالح الجمارك لتسهيل إجراءات استيراد هذه المادة”.

وقفز سعر البن في الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة من ستة دولارات للكلغ الواحد من القهوة العادية إلى 12 دولارا للكلغ، وهو ما شكل عبئا جديدا على ميزانية الأسر المنهكة أصلا بموجة الغلاء الشامل للأسعار، ونغص على المواطنين حياتهم اليومية.

ويبدو أن الحكومة الجزائرية مازالت تفتقد إلى مؤسسات وآليات الاستشراف والتخطيط لمواجهة مختلف الأزمات والمطبات خاصة تلك المرتبطة بسيرورة الأسواق العالمية، وهي تلجأ في كل مرة إلى سياسة الترقيع ورد الفعل تفاديا لغضب الشارع، بدل وضع مخططات وإستراتيجيات لمختلف المديات.

وكما تدخلت الحكومة بآليات آنية لتوفير مياه الشرب، وقبلها التحكم في أسعار بعض المواد الاستهلاكية كالحليب والزيت والبقوليات، تتدخل الآن لتسقيف أسعار مادة القهوة، واللجوء إلى الخزينة العمومية لتتنازل عن عائدات الضريبة على المادة، ولا يستبعد بقاؤها على النهج نفسه، بما أن الأسعار باتت تفاجئ الجزائريين دون سابق إنذار.

ومن الواضح أن السلطة غير مستعدة لتعكير مزاج الشارع المدمن على استهلاك القهوة، فالجزائر تعتبر أكبر بلد عربي في استهلاك هذه المادة بكمية تقدر بنحو 126 ألف طن سنويا، لاسيما وأن المناخ الاجتماعي والسياسي السائد والاستعداد للانتخابات الرئاسية بعد أسابيع قليلة لا يسمحان لها بخسارة الأفراد والأسر للبحث عن القهوة بدل البحث عن صالات التجمعات السياسية والانتخابية.

◄ سعر البن قفز من ستة دولارات للكلغ الواحد من القهوة العادية إلى 12 دولارا للكلغ، ما شكل عبئا على ميزانية الأسر

ويتذكر الجزائريون أن ندرة القهوة وارتفاع سعرها في خريف عام 1988 كانا أحد أسباب انتفاضة الخامس من أكتوبر في العام نفسه، حين صب الجزائريون جام غضبهم على السلطة الحاكمة باحتجاجات وأعمال شغب وتخريب طالت كل ما يرمز إلى القطاع الحكومي، وهو سيناريو السلطةُ في غنى عنه الآن، حتى ولو كان بالنفور أو مقاطعة الانتخابات وليس بأعمال الشغب والعنف.

وتأمل الحكومة في أن تتمكن عبر هذه الآليات من ضمان استقرار أسعار القهوة، كبوابة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي عشية الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن الجبهة الاجتماعية تعيش على صفيح ساخن جراء تراجع رهيب للقدرة الشرائية، لكن ذلك يبقى غير مضمون إلى حد الآن، فوفرة المادة في المتاجر والمساحات الكبرى مع غلاء أسعارها لا يحجبان فرضية استغلال لوبيات السوق للوضع وزيادة الأسعار بزعم ارتفاعها في الأسواق العالمية.

وسجل سعر البن عام 2022 السعر الحالي نفسه (230 دولارا للطن)، لكن لم يقابله الغلاء المسجل الآن في السوق المحلية، وحتى حين انخفض السعر إلى حدود 150 دولارا للطن في العام التالي لم ينعكس ذلك على الأسعار الداخلية ولم تتحرك الحكومة آنذاك لبحث ظاهرة عدم نزول الأسعار.

وفي خطوة لدعم الحكومة عبّر الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين عن “استعداده التام للمساهمة في جهود الحكومة الرامية إلى استقرار أسعار البن في السوق الوطنية، لاسيما من خلال الالتزام بتسقيف هوامش الربح”.

وأثنى الاتحاد على “القرارات والتدابير السديدة المتخذة والتي من شأنها المساهمة في تراجع الأسعار وضمان وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وبسرعة التكفل بانشغالات المهنيين ومرافقتهم”.

1