أزمة المياه خارج أجندة السوداني في زيارته المرتقبة إلى أنقرة

أنقرة - وصل اليوم الاثنين وفد عراقي رفيع المستوى إلى العاصمة التركية أنقرة، تمهيدا للزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا خلال الأسبوع الجاري في خطوة استباقية لتعزيز أواصر التعاون المتعدد الأوجه.
وتأتي هذه الزيارة في صميم جهود بغداد لتوطيد العلاقات الاستراتيجية مع أنقرة، وتشمل أجندتها الرئيسية توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحضور القمة العربية المزمع عقدها في بغداد في السابع عشر من الشهر الجاري.
وذكرت السفارة العراقية لدى أنقرة في بيان أن وفدا عراقيا رسميا وصل إلى العاصمة التركية أنقرة، برئاسة رئيس دائرة الدول المجاورة في وزارة الخارجية العراقية، محمد رضا الحسيني، وذلك في إطار التحضيرات الجارية للزيارة المرتقبة للسوداني، إلى أنقرة خلال الأسبوع الجاري"
وأضافت أن "الوفد يضم ممثلين عن عدد من الوزارات والمؤسسات العراقية ذات الصلة، ويهدف إلى استكمال المناقشات الفنية حول مذكرات التفاهم المزمع توقيعها مع الجانب التركي، والتي تشمل مجالات حيوية متعددة، منها الأمن، والنقل، والتخطيط، والتعليم، والاتصالات، والصناعة".
وأفادت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر مطلعة بأن زيارة السوداني، التي يُرجح أن تجري الخميس المقبل، ستركز على توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين دون التطرق لموضوعي التوغل التركي داخل الأراضي العراقية وأزمة المياه".
وأشارت إلى أن "السوداني سوف يدعو الرئيس التركي رجب أردوغان لحضور القمة العربية في العاصمة بغداد في 17 من الشهر الجاري".
وبينما تتجه الأنظار صوب آفاق التعاون الواعدة في المجالات المعلنة، يثير الانتباه بشدة ذلك التجاهل الملحوظ في أجندة الزيارة للملفات العالقة والشائكة التي لطالما ألقت بظلال كثيفة على مسار العلاقات العراقية التركية.
وعلى رأس هذه الملفات المعلقة، يبرز بوضوح ملف التوغل العسكري التركي المتزايد في مناطق شمال العراق، الذي يثير حفيظة بغداد ويعد انتهاكا للسيادة الوطنية، بالإضافة إلى أزمة المياه المتفاقمة التي يعاني منها العراق جراء سياسات إدارة المياه التركية، والتي تهدد الأمن الغذائي والبيئي للبلاد.
وتأتي هذه الزيارة في سياق حراك دبلوماسي عراقي نشط تجاه تركيا، حيث سبق للسوداني أن قام بزيارتين رسميتين إلى أنقرة خلال العامين الماضيين، شهدت مباحثات معمقة حول سبل تعزيز التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها مشروع "طريق التنمية" الطموح الذي يهدف إلى ربط البلدين عبر بنية تحتية متطورة للنقل والطاقة، بما يعزز التكامل الاقتصادي والشراكة الاستراتيجية بينهما.
وقد أكد السفير العراقي في تركيا، ماجد اللجماوي، في تصريحات سابقة، على الأهمية الاستراتيجية للمباحثات المرتقبة، مشيرا إلى أنها ستركز على عدد من الملفات الحيوية، وعلى رأسها مشروع طريق التنمية الذي يُنظر إليه كركيزة أساسية لتعزيز الترابط الاقتصادي وتأسيس شراكة متينة بين العراق وتركيا، بالإضافة إلى ملفات الطاقة، وتوسيع آفاق التعاون في قطاع النقل، وتنمية حجم التبادل التجاري بين البلدين.
وأضاف السفير أن "الزيارة تأتي في ظل تطورات إقليمية ودولية مهمة، ما يجعلها فرصة سانحة لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي المشترك، وتأكيد حرص العراق على بناء علاقات متوازنة تقوم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية".
فيما أعلن وزير النقل التركي عبدالقادر أورال أوغلو، في حينها، أن رئيس الوزراء العراقي سيزور تركيا خلال الأيام المقبلة، فيما سيزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العراق خلال النصف الأول من العام الجاري، أي خلال شهرين".
وبحسب الوزير التركي، تأتي الزيارتان، لبحث عدة ملفات، على رأسها طريق التنمية الذي قال أوغلو إنه وصل إلى مراحل متقدمة.
في المقابل، دعت أوساط سياسية وشخصيات عامة عراقية بارزة إلى ضرورة استثمار زيارة السوداني لتأكيد مواقف العراق الثابتة والحازمة تجاه مختلف القضايا العالقة مع تركيا، وعلى رأسها ملف الوجود العسكري التركي المتزايد في مناطق شمال العراق، والمطالبة الصريحة بإنهاء هذا الوجود في أسرع وقت ممكن، والتأكيد على ضرورة احترام سيادة واستقلال البلاد ووحدة أراضيها.
كما شددت هذه الأصوات على أهمية إلزام تركيا بإطلاق الحصص المائية المقررة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات، استنادًا إلى الاتفاقيات الثنائية المبرمة والمعاهدات الدولية التي تنظم آليات وضوابط استفادة الدول المتشاطئة من الأنهار الدولية.
وتأتي هذه الدعوات في ظل تقارير متزايدة تشير إلى أن القوات التركية ضاعفت من حجم وجودها العسكري في مناطق شمال العراق بمقدار ثلاث مرات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وتوسعت في إنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية، متجاوزة بذلك المناطق الحدودية، أن جميع التسويغات التي تقدمها أنقرة لتبرير وجودها العسكري لا تمنحها الحق في التوغل لمسافات تصل إلى أكثر من 140 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية، وهو ما يعتبر انتهاكا صارخا للسيادة العراقية.
ويرى مراقبون أن زيارة السوداني تحمل أبعادا سياسية واقتصادي تتجاوز مجرد توقيع مذكرات التفاهم، وتهدف في جوهرها إلى تعزيز الشراكة الثنائية على أسس أكثر تكافؤا، وتأكيد التزام العراق الراسخ بسياسة التوازن الإقليمي في علاقاته الخارجية، مع ممارسة ضغوط دبلوماسية حذرة باتجاه احترام السيادة الوطنية وإنهاء أي تدخلات عسكرية مباشرة تمس وحدة الأراضي العراقية. إلا أن تجاهل ملفي التوغل العسكري التركي وأزمة المياه في الأجندة المعلنة للزيارة يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة العراق على تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية خلال هذه الجولة من المحادثات.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية مضاعفة في ظل أزمة المياه الحادة التي يعاني منها العراق، والتي تتفاقم عامًا بعد عام، حيث يفقد البلاد ما يقدر بنحو 100 كيلومتر مربع من أراضيه الزراعية سنويًا نتيجة لتصاعد معدلات التصحر. وتشير تقارير صادرة عن وزارة الموارد المائية العراقية إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى عام 2025 قد تؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة للغاية.
وقد فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة على مدى عقود في التوصل إلى اتفاق ملزم ونهائي مع تركيا وإيران لضمان حقوق العراق المائية التاريخية والعادلة.
وتعتبر زيارة السوداني إلى تركيا الأولى من نوعها خلال العام الحالي والثالثة خلال العامين الماضيين، مما يعكس الديناميكية المتزايدة في العلاقات بين البلدين. وفي المقابل قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى بغداد في أبريل 2024، وهي الأولى له منذ أكثر من عقد، شهدت توقيع اتفاقات تعاون ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، بالإضافة إلى مباحثات حول قضايا شائكة أبرزها تقاسم الحصص المائية والصادرات النفطية والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي المشترك.
وتأتي هذه الزيارات المتبادلة في إطار جهود حثيثة من قبل البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون في شتى المجالات، إلا أن ملفات التوغل العسكري التركي وأزمة المياه لا تزال تشكل تحديًا رئيسيا ومعقدا في مسار العلاقات العراقية التركية، وتستدعي حلولا جذرية تضمن مصالح البلدين على المدى الطويل.