أزمة المهاجرين الأفارقة تلقي بثقلها على تونس

تونس- أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) الثلاثاء أن أكثر من نصف المهاجرين واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون في “ظروف غير لائقة” بتونس، في وقت يشكو فيه سكان المناطق التي يستقر بها المهاجرون من صعوبات كثيرة ويطالبون الحكومة بالتصرف لتخفيف الضغط عنهم.
وتجد تونس نفسها في معادلة صعبة؛ فهي تستقبل كل من يقصدها من المهاجرين وتبذل كل ما في وسعها لتؤمّن له الخدمات الضرورية، لكنها في مقابل ذلك لا تجد دعما كافيا من أوروبا والمنظمات الإنسانية التي يقف دورها عند توجيه الانتقادات بدلا من توفير المساعدات الضرورية لتحسين ظروف عيش المهاجرين.
وفي أحدث دراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول ظاهرة الهجرة، شملت 379 مهاجرا، خلصت المنظمة الحقوقية إلى أن أكثر من نصف المهاجرين في تونس يعيشون “في الشوارع والحدائق العامة والخيام”.
وكشفت الدراسة أن أكثر من ثلثي المهاجرين اضطروا إلى تغيير مكان إقامتهم مرة واحدة على الأقل العام الماضي بسبب “القيود الأمنية” و”العنف الذي يمارسه السكان المحليون”.
كما بينت أن 77 في المئة من المشاركين تعرضوا للعنف الجسدي أو اللفظي، في حين قدم حوالي 5 في المئة فقط شكوى “بسبب وضعهم الإداري”.
وفيما أكدت الدراسة أن أكثر من 60 في المئة من المهاجرين وصلوا إلى تونس بطريقة غير نظامية عن طريق الحدود البرية مع الجزائر وأكثر من 23 في المئة دخلوا برّا عن طريق ليبيا، فإن أكثر من الثلثين اعتبروا أنه تم دفعهم نحو الحدود التونسية دون رغبة منهم، ما يثير التساؤل عما إذا كانت هناك نية لإرباك السلطات التونسية وجرها إلى أزمة هي في غنى عنها بدلا من تركيز جهودها على معالجة الأزمة الاقتصادية الداخلية.
وبالتزامن مع التزامها بحماية المهاجرين ومساعدتهم لا تجد تونس الدعم الخارجي الكافي لتمويل عمليات الإنفاق على الآلاف من الأفارقة الموجودين على أراضيها بشكل مؤقت.
وفي صيف عام 2023 وقعت تونس والاتحاد الأوروبي اتفاقا تلقت من خلاله تونس مساعدات مالية بقيمة 105 ملايين يورو (112 مليون دولار) مقابل جهود للحد من وصول المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الأوروبية.
لكن التونسيين يقولون إن هذا الدعم يأتي في شكل مساعدة لوجستية لتحسين أداء القوات البحرية التونسية بهدف مواجهة مهربي البشر ولا يخص تحسين ظروف عيش المهاجرين الموجودين على الأراضي التونسية بشكل مؤقت، وإن هؤلاء يحتاجون إلى خطة دعم من المنظمات الإنسانية ومن الاتحاد الأوروبي بالتوازي مع البحث عن حلول لإخراجهم من تونس إما بالتوجه نحو أوروبا أو بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
ورغم الضغوط الداخلية والانتقادات الموجهة إلى أجهزة الدولة حرص الرئيس التونسي قيس سعيد في أكثر من مرة على تأكيد موقفه الذي يقضي بحماية المهاجرين من حملات التحريض.
وقال قيس سعيد خلال زيارته إلى منطقتي العامرة وجبنيانة من محافظة صفاقس، حيث يوجد الآلاف من المهاجرين، إن الدولة وحدها هي المكلفة بتطبيق القانون وحماية الأمن، وإنها عملت وتعمل على الإحاطة الإنسانية بالمهاجرين الذين هم ضحايا نظام عالمي وضحايا شبكات اتجار بالبشر.
وأضاف أن “تونس المعتزة بانتمائها الأفريقي حريصة على فرض احترام القانون على الجميع ولن تسمح لأيّ كان بتنفيذ مخططاته غير المعلنة كما لن تقبل بترويع المواطنين”، في رسالة واضحة تفيد بأنها لن تقبل أيّ محاولة لجر الطرفين إلى مواجهات واشتباكات وخدمة أجندات سياسية أو حزبية قبل الانتخابات.
وتعد تونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون عبور المتوسط في منطقته الوسطى بشكل محفوف بالمخاطر للوصول إلى السواحل الإيطالية.
وقال وزير الداخلية التونسي خالد النوري منذ نحو أسبوع إنه تم اعتراض أكثر من 74 ألف مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر إلى أوروبا في الفترة الممتدة بين الأول من يناير الماضي ومنتصف يوليو الجاري.
وشهدت الأشهر الماضية صدامات بين مهاجرين غير نظاميين وسكان أحياء في مدينة صفاقس ومناطق محيطة بها يحتج عدد منهم على ارتفاع أعداد المهاجرين في مدينتهم.
وعرضت المنظمة الدولية للهجرة برنامجا للعودة وإعادة الإدماج للراغبين في المغادرة بتقديم مساعدات لهم لبدء حياة جديدة في أوطانهم.
وعبّرت السلطات التونسية بدورها عن دعمها للعودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين نحو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
أكثر من 60 في المئة من المهاجرين وصلوا إلى تونس عن طريق الجزائر وأكثر من 23 في المئة دخلوا عبر ليبيا
وقال حسام الدين الجبابلي، المتحدث باسم الحرس الوطني في تونس، إن “السلطات تقوم بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة لمجابهة الوضع الصعب للمهاجرين في مزارع العامرة وجبنيانة بولاية (محافظة) صفاقس، عبر دعم وتيسير عمليات العودة الطوعية”.
وقضى أو فقد أكثر من 1300 مهاجر العام الماضي إثر غرق قوارب مهاجرين بالقرب من سواحل تونس، وفقًا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب المنظمة الدولية للهجرة، وعلى مدى العقد الماضي، قضى أكثر من 27 ألف مهاجر في البحر المتوسط، من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف عام 2023.