أزمة المحكمة الاتحادية العراقية تنتهي إلى تغيير رئاستها

إزاحة العميري تحيي الأمل في إنهاء مسار طويل من تسييس القضاء والتلاعب بقراراته.
الاثنين 2025/06/30
هل حقا الخطأ في الشخص وليس في المؤسسة

إزاحة رئيس المحكمة الاتحادية في العراق من منصبه واختيار خلف له جاءا ليضعا حدّا للأزمة القضائية المتصاعدة بعد أن شكلت تهديدا جديا لمؤسسة ذات أهمية خاصة للدولة العراقية خصوصا والبلد مقبل على انتخابات برلمانية مفصلية، وأيضا لينعشا الأمل في تصويب عمل المحكمة والنأي به عن التسييس الذي حولها على مدى سنوات طويلة من مصدر للحلول إلى سبب للمشاكل.

بغداد- أفضى تصاعد الأزمة الحادّة التي شهدتها المحكمة الاتّحادية أعلى سلطة قضائية في العراق إلى إزاحة رئيسها والشروع في اختيار خلف له، في مؤشّر على بداية مسار للحدّ من الفوضى التي تسببت بها المحكمة والمشاكل التي أوجدتها وطالت المجال السياسي وحتى الاقتصادي والمالي وصولا إلى المساس بعلاقات البلد الخارجية.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي موافقته على إحالة رئيس المحكمة جاسم محمد العميري على التقاعد وترشيح نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي منذر إبراهيم حسين ليحل محلّه في المنصب.

وجاء القرار تتويجا للأزمة المتفاعلة التي شهدتها المحكمة خلال الفترة الأخيرة وبلغت ذروتها مع استقالة ستّة من أعضائها إلى جانب ثلاثة من نواب الاحتياط، الأمر الذي وضع العراق أمام فراغ قضائي خصوصا وأن البلد مقبل على استحقاق انتخابي مهم يتمثّل في الانتخابات التشريعية المقررة لشهر نوفمبر القادم.

ووقفت شبهة تسييس عمل المحكمة الاتحادية وراء الاستقالة وهو عامل ظل ملحوظا بوضوح في قرارات المحكمة على مدى سنوات طويلة ومنذ أن تدخلت سنة 2010 إلى جانب زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي ضدّ إياد علاوي وأصدرت قرارها بشأن الكتلة الأكبر في البرلمان، مقدمة تفسيرا صبّ في اتجاه تجديد المالكي لولايته على رأس الحكومة وانتزاع امتياز الفوز بالمنصب من علاوي الذي فاز آنذاك في الانتخابات، لكن منافسه تمكنّ من تشكيل كتلة برلمانية فاق عدد مقاعدها عدد مقاعد علاوي قبل أن يستعين بالمحكمة ذاتها لإضفاء مشروعية على الحيلة السياسية التي اعتمدها للبقاء في منصبه لولاية أخرى.

مشعان الجبوري: إقالة العميري تحرير للمحكمة من قبضة السياسة

وتوالت منذ ذلك الحين قرارات المحكمة المثيرة للجدل والخلافات، ملقية بظلالها على الحياة السياسية العراقية المشوشة أصلا وكثيرة الصراعات.

وأصدر مجلس القضاء الأعلى الأحد بيانا قال فيه إن “اللجنة المنصوص عليها في المادة الثالثة أولا وثانيا من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل، اجتمعت ووافقت على إحالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا الحالي القاضي جاسم محمد عبود على التقاعد، لأسباب صحية”، معلنا أنّه تمّ “ترشيح نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي منذر إبراهيم حسين بدلا عنه”، ومشيرا إلى “مفاتحة رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم الجمهوري بالتعيين”.

وواجه العميري خلال الفترة الأخيرة اتهامات صريحة بالتفرد في القرارات الصادرة عن المحكمة وتخطي صلاحياتها ومحاباة قوى سياسية وحزبية معينة، مستخدما السلطة الواسعة للمؤسسة التي يرأسها في تفسير القوانين وإصدار فتاوى بما يخدم مصلحة تلك القوى على حساب أخرى.

وتشمل مهام  المحكمة الاتحادية في العراق الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية والفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.

وبهذه الصلاحيات كان تدخل المحكمة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك شديد الفعالية في حسم الصراعات لفائدة من تنحاز إلى صفهم وتمكينهم من تحصيل امتيازات كبيرة ومصالح حيوية على حساب خصومهم ومنافسيهم.

وتعمّقت أزمة المحكمة وازدادت تورطا في التسييس بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت سنة 2021 وشهدت مشاكل كثيرة وخلافات حادّة هددّت بنسف نتائجها لولا تدخل المحكمة ذاتها التي أقرتها وحسمت الصراع لمصلحة قوى الإطار التنسيقي الشيعي ما مكنّها من تشكيل الحكومة الحالية.

وتتالت منذ ذلك الحين تدخلات المحكمة في المسائل السياسية وحتى الاقتصادية والمالية بشكل قلب الموازين لمصلحة جهات بعينها لكنّه رفع في المقبل من حدّة الخلافات والتوتّرات السياسية.

وبفضل المحكمة نفسها تمكّن خصوم السياسي القوي والصاعد ضمن القوى السياسية السنية محمدّ الحلبوسي من إزاحته من منصب رئيس البرلمان. وبفضلها أيضا تمكّن خصوم سياسيون داخل إقليم كردستان العراق من إدخال تغييرات على قوانين انتخاب برلمان الإقليم في اتجاه رأوا أنه يخدمهم على حساب منافسين أقوياء لهم، وذلك بتقليص عدد نواب المجلس وإزالة مقاعد كوتا الأقليات وإسناد تنظيم الانتخابات للهيئة الاتحادية العراقية بدلا من هيئة محلية كانت تشرف عليها في السابق.

العميري واجه خلال الفترة الأخيرة اتهامات صريحة بالتفرد في القرارات الصادرة عن المحكمة وتخطي صلاحياتها

وكانت أكثر قرارات المحكمة الاتحادية إثارة للخلافات متعلقة بالعلاقة المالية بين إقليم كردستان والسلطات الاتحادية، حيث حملت قراراتها في هذا المجال شبهة تصفية حسابات لمصلحة أحزاب وقوى شيعية حاكمة مع قيادة الإقليم.

وقررت المحكمة في هذا الباب سحب السلطة المالية من حكومة كردستان وإقرار عدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة الإقليم والموافقة على عدم تمويل رواتب موظفي الإقليم.

وبلغت المحكمة ذروة إثارة المشاكل بقراراتها عندما قررت مؤخرا الطعن باتفاقية خور عبدالله مع الكويت الخاصة بترسيم الحدود المائية بين العراق والكويت، الأمر الذي هدد العلاقة المستقرّة بين البلدين.

ورحبت عدّة شخصيات عراقية بقرار إزاحة العميري من رئاسة المحكمة. ووصف السياسي السنّي مشعان الجبوري القرار بأنّه بمثابة “تحرير للمحكمة من قبضة السياسة”، قائلا في تعليق عبر منصة إكس إنّ “إحالة جاسم العميري على التقاعد خطوة مهمة لتحرير المحكمة الاتحادية من قبضة السياسة لتعود إلى دورها حارسا للدستور لا سلاحا بيد البعض”، ومعتبرا أن “اختيار نائب رئيس محكمة التمييز القاضي منذر إبراهيم رئيسا لها يبعدها عن الولاء السياسي”، ومعبّرا عن أمله في “أن يُعاد النظر في الأحكام التي خالفت الدستور في عهد العميري.”

3