أزمة الكهرباء منفذ إضافي للنفوذ التركي إلى العراق على حساب النفوذ الإيراني

الاستعداد الفوري الذي أظهرته تركيا للمشاركة في حلّ أزمة الطاقة التي باتت تهدّد العراق بعد وقف الإعفاء الاستثنائي الأميركي الممنوح له لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران مظهر على مرونة أنقرة وبراعتها في ملء الفراغات التي تتركها طهران واستغلال التطورات في مد النفوذ التركي في العراق على حساب النفوذ الإيراني الذي كان قد تلقى ضربة قاصمة في سوريا المجاورة وعلى أيدي الأتراك أنفسهم.
بغداد- أتاحت أزمة الطاقة الكهربائية التي أصبح العراق مهدّدا بالوقوع فيها بسبب إنهاء الولايات المتحدة للإعفاء الممنوح له لشراء الغاز والكهرباء الإيرانييْن فرصة أخرى لتوثيق العلاقات ورفع مستوى التعاون بين البلد وتركيا وذلك على حساب إيران.
وبسبب ضغط الوقت قبل حلول الصيف الذي أصبح عنوانا لاشتداد أزمة الكهرباء في العراق واندلاع الاحتجاجات الشعبية على سوء الخدمات العامة، وضيق هامش الخيارات أمام السلطات العراقية لتعويض الطاقة المستوردة من إيران أصبحت تركيا بما تمتلكه من مقدّرات في مجال إنتاج الكهرباء هي الوجهة الأنسب والحل الأسهل لتلبية جزء هام من الحاجة العراقية العاجلة.
وأعلن الجانبان العراقي والتركي عن التوصل إلى اتفاق يقضي بقيام تركيا بتزويد العراق بستمئة ميغاواط من الطاقة الكهربائية عبر خط الربط الممتد بين البلدين.
ويمثّل هذا الاتّفاق لبنة جديدة في التعاون المتطور بسرعة بين البلدين والمتميز بقيامه على أسس عملية براغماتية ومنافع متبادلة ليس فقط في مجال التنمية والاقتصاد، ولكن أيضا في مجال الأمن من خلال التوافق الكبير المتحقّق بشأن ملف حزب العمال الكردستاني الذي يخوض منذ أربعة عقود حربا ضد القوات التركية انطلاقا من الأراضي العراقية، وباتت أنقرة اليوم تمتلك فرصة أكبر لهزيمته بعد أن أظهرت بغداد استعدادا للتعاون معها ضدّ مقاتليه.
ويعني هذا التطور في العلاقات دخول تركيا كلاعب أساسي على خطّ المنافسة على النفوذ في العراق وهو أمر ظلّ على مدى أكثر من عقدين بمثابة امتياز لإيران بسبب كون كبار قادة النظام الذي نشأ في البلد بعد الغزو الأميركي له هم قادة أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة على ارتباط سياسي وعقائدي كبير بالنظام الإيراني وقيادته السياسية والروحية.
ولعبت تلك الأحزاب والفصائل المتحكمة بشكل رئيسي بزمام الدولة العراقية دور الحارس الأمين للنفوذ الإيراني في العراق وعملت على حمايته بعرقلة انفتاح البلاد وتطوير علاقاتها مع باقي دول محيطها الإقليمي، لكنّ ذلك لم يعد متاحا اليوم مثلما كان عليه الأمر في سنوات سابقة بسبب ظهور حاجة فعلية للعراق إلى الاستعانة ببلدان ذلك المحيط لتلبية حاجات ضرورية لتماسك الدولة وتواصل نظامها.
وكمثال عملي على ذلك لا تستطيع الأحزاب والفصائل الشيعية رغم عدم ارتياحها لتمدد النفوذ التركي الاعتراض على الاستعانة بأنقرة في حلحلة أزمة الكهرباء لأن تلك الأزمة إذا ما تطورت وازدادت تعقيدا من شأنها أن تهدّد أركان النظام القائم على تلك القوى ذاتها والتي خبرت من قبل مدى غضب الشارع من سوء الخدمات واستعداده لتطوير غضبه لانتفاضة ضد النظام ذاته على غرار ما حدث سنة 2019.
وتظهر تركيا مرونة كبيرة في التحرّك صوب العراق واقتحام ساحته من بوابة حاجته إلى التعاون معها في عدّة مجالات، كما تظهر براعة استثنائية في ملء الفراغات التي بدت إيران مضطرة إلى تركها في البلد وأيضا في سوريا المجاورة حيث مثّل سقوط نظام بشار الأسد هزيمة مدوية للنفوذ الإيراني ونصرا مؤزرا للنفوذ التركي.
وعلى وقع أزمة الكهرباء الضاغطة بشدة على أعصاب السلطات العراقية زار وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار بغداد، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ووزير النفط حيان عبدالغني ووزير الكهرباء زياد علي فاضل خصصت لبحث موضوع زيادة تزويد العراق بالطاقة الكهربائية. كما التقى لاحقا برئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني وبحث معه موضوع استئناف تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر خط كركوك – ميناء جيهان التركي المطل على البحر المتوسّط.
وقال وزير الكهرباء العراقي إن وزارته أكملت جميع الإجراءات اللوجستية والبنى التحتية اللازمة لزيادة طاقة التزود عبر خط الربط العراقي – التركي إلى ستمئة ميغاواط وتشكيل لجنة فنية عليا مشتركة لتنفيذ مقررات الاجتماعات بين البلدين.
وأضاف خلال اجتماعه مع بيرقدار أن الحكومة العراقية تعمل على تنفيذ إستراتيجية متكاملة لتنويع مصادر الطاقة من خلال حزمة مشاريع تشمل الربط الكهربائي مع دول الجوار ومشاريع الدورة المركبة والطاقة الشمسية التي يجري تنفيذها على نطاق واسع في مختلف محافظات البلاد.
القوى الموالية لإيران لا تمتلك ترف الاعتراض على استيراد الكهرباء من تركيا لخوفها من ردة فعل الشارع على أزمة الطاقة
ومن جانبه أعلن وزير الطاقة التركي أن الأشهر المقبلة ستشهد مضاعفة إمدادات الكهرباء عبر الخط المشترك مؤكّدا حرص بلاده على تعزيز التعاون مع العراق في مختلف المجالات لاسيما قطاع الطاقة.
ويمكّن بيع الكهرباء للعراق، تركيا من تعميق اختلال الميزان التجاري معه لمصلحتها حيث تبلغ قيمة صادراتها له نحو أحد عشر مليار دولار سنويا، في مقابل صادراته إليها التي لا تتجاوز قيمتها السبعمئة مليون دولار سنويا.
ومن جهته أكّد السوداني خلال لقائه الوزير التركي حرص حكومته “على تعزيز التعاون المشترك مع الشركات التركية في مختلف القطاعات إلى جانب التعاون في مجال الطاقة التي تعمل الحكومة على تنويع مصادرها ومن ذلك زيادة توريد الكهرباء عبر الربط البيني المشترك وكذلك في ما يتعلق بمشروع طريق التنمية الإستراتيجي والتأكيد على توثيق التعاون في مجال المياه، بما يضمن واردات مائية منتظمة للعراق.”