أزمة الكتاكيت في مصر تكشف ثغرات مهمة في التوريدات الغذائية

القاهرة- سلطت أزمة التخلص من الكتاكيت، بسبب عدم توفر العلف لأغلبية مربي الدواجن وصعوبة الحصول عليه، الضوء على طبيعة المشكلة التي تواجهها توريدات الغذاء في مصر، خاصة أن الأزمة لا تقتصر على جزئية بعينها، وإنما تشمل منتوجات وموادّ أكثر حيوية مثل القمح والشعير واللقاحات، وتجعل الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشارع.
ولا تحتاج الحكومة إلى إطلاق الوعود أو البحث عن مبررات، فاللحوم والقمح والشعير و”الرغيف” مواد حيوية لا يمكن أن يتسامح الناس فيها مثلما تسامحوا في مواضيع أخرى ووجدوا للحكومة أعذارا.
وفي خطوة لتطويق الغضب الشعبي ذكر خطاب من وزارة الزراعة المصرية إلى البنك المركزي أن مصر ستُفرج مِن الموانئ عن “كمية مناسبة” من شحنات العلف كل أسبوع، وذلك في أعقاب عمليات إعدام لكتاكيت نفذها مربو دواجن بسبب شح الأعلاف ونقص الدولار.
◙ سعي الحكومة لشراء القمح من المزارعين لم يفض إلى تشجيعهم على المزيد من الإنتاج، فلديهم ما يكفي من المشاكل التي تعيق مساعي التحفيز الحكومي
وسلط نقص الأعلاف الضوء على تأثير أزمتي الواردات ونقص الدولار المرتبطين بكل من التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وحالة الضبابية بشأن سعر الصرف وسط مفاوضات جارية بين مصر وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
وقال ممثل عن اتحاد منتجي الدواجن خلال مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من الأسبوع الجاري إن إمدادات تقدر بحوالي 1.5 مليون طن من الذرة و500 ألف طن من فول الصويا عالقة في الموانئ، مما أجبر بعض مربي الدواجن على إعدام الكتاكيت التي لا يمكنهم إطعامها.
وظهر عاملون في حظائر لتربية الدواجن وهم يتخلصون من الكتاكيت بوضعها في أجولة ثم يغلقون عليها منافذ التهوية كي تلقى حتفها سريعا، ما أحدث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وتحول إلى أزمة تشغل الرأي العام، في ظل حديث عن موجة ارتفاع جديدة في أسعار اللحوم عموما، وهو ما يجعل شراءها صعبا على شريحة واسعة من المصريين.
وذكرت وزارة الزراعة أن لجنة ستجتمع كل أسبوع لضمان توافر الأعلاف، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 500 ألف طن من الذرة و250 ألف طن من فول الصويا كل شهر.
وجرى بالفعل الإفراج عن نحو 62 ألف طن من فول الصويا هذا الأسبوع بقيمة 44 مليون دولار.
وزادت الحرب في أوكرانيا من كلفة فاتورة مشتريات مصر من القمح والنفط كما زادت من حاجتها إلى الدولار، وتسببت في تراجع إيرادات السياحة من أوكرانيا وروسيا، وهما سوقان رئيسيتان.
وما زاد الطين بلة انهيار الثقة في الجنيه المصري الآخذ في التدهور وخروج المستثمرين المحليين والأجانب من أسواق الدين الحكومي قصير الأجل.
ويواجه المستوردون في مصر صعوبة في دفع ثمن البضائع (سيارات، أجهزة كهربائية، منسوجات…).
◙ اللحوم والقمح والشعير و"الرغيف" مواد حيوية لا يمكن أن يتسامح الناس فيها مثلما تسامحوا في مواضيع أخرى
ورغم إعفاء القمح والسلع الإستراتيجية الأخرى من قيود الاستيراد التي يفرضها البنك المركزي المصري تشير التقديرات إلى أن حوالي 700 ألف طن من القمح عالقة في الموانئ.
ويرى مراقبون أن رعونة الحكومة في التصدي لمشكلة بسيطة في مهدها، مثل مشكلة الكتاكيت، تحولها إلى أزمة تثير على الحكومة وعلى النظام الحاكم برمته نقمة الشارع، وهذا يرتبط بغياب الحنكة عن المسؤولين الذين يتعمدون ترحيل حل المشكلات لتحتد وتثير غضب الناس، ويأتي التدخل لمعالجتها من خلال مسكنات مؤقتة قد تطيل أمد الأزمة.
ولم يفض سعي الحكومة لشراء القمح من المزارعين إلى تشجيعهم على المزيد من الإنتاج، فلديهم ما يكفي من المشاكل التي تعيق مساعي التحفيز الحكومي، حيث يعانون من ارتفاع التكاليف ومنها تكاليف الأسمدة والعمالة.
ويقول حمادة (مزارع عمره 45 عاما، من محافظة المنيا الواقعة على بعد 220 كيلومترا جنوبي القاهرة) إنه زرع مساحات كبرى من القمح هذا العام بعدما شجعه ارتفاع سعر الشراء. لكنه سرعان ما أدرك أن كلفة ذلك باهظة.
وقال متحدثا بلهجة محلية “إحنا بنلف وبندفعها في حاجات تانية. النفر زاد علينا.. العمالة، الكهرباء، الكيماوي، كل حاجة”، مضيفا أنه مطالب بدفع معاليم فواتير الكهرباء التي تبلغ قيمتها 200 ألف جنيه (10790 دولارا).