أزمة الرواتب على طاولة الحسم في اجتماع لحكومة كردستان العراق

أربيل – يعقد مجلس وزراء إقليم كردستان، اليوم الأربعاء، اجتماعا حاسما لمناقشة قضية رواتب الموظفين، في ظل سخط شعبي متزايد وتوترات عميقة بين أربيل وبغداد.
ويأتي هذا الاجتماع في توقيت دقيق، حيث تتصاعد المطالب الشعبية بحلول جذرية لأزمة الرواتب التي ألقت بظلالها على الأوضاع المعيشية في الإقليم.
ويبدو أن الإقليم يواجه مفترق طرق يتطلب قرارات مصيرية لضمان الاستقرار المالي لموظفيه، في ظل اتهامات متبادلة بين الحكومتين المركزية والإقليمية حول أسباب هذا التعليق وأبعاده السياسية.
وأفادت مصادر مطلعة لوكالة شفق نيوز الكردية العراقية بأن الجلسة الدورية لمجلس وزراء إقليم كردستان ستضع قضية رواتب الموظفين ومتقاضي الرواتب ضمن أبرز محاور النقاش.
ويُتوقع أن يصدر عن الاجتماع قرارات حاسمة، إما بتحديد آلية جديدة لصرف الرواتب، أو بفتح مسارات لحلول بديلة، بينما تبقى الأنظار موجهة إلى حكومة الإقليم بشأن قدرتها على التعامل مع هذا الملف الشائك الذي يمس حياة الآلاف من الأسر.
وبالإضافة إلى أزمة الرواتب، سيشمل الاجتماع أيضا مناقشة ملف الامتيازات المرتبطة بماضي الزواج بين أبناء وبنات الشهداء، ودراسة ربط ملفات العاملين في الحكومة ضمن هذا السياق، مما يعكس اهتمام الحكومة بملفات حساسة ذات أبعاد اجتماعية.
ويمتلك إقليم كردستان ترسانة من الأدوات للضغط على الحكومة الاتحادية في بغداد لإجبارها على صرف الرواتب المتأخرة، مستندا إلى حجج قانونية ودستورية راسخة، إضافة إلى أوراق اقتصادية وسياسية ودبلوماسية فعّالة.
يُعدّ الإقليم موقفه القانوني ثابتا، فهو يستند إلى الدستور العراقي وقانون الموازنة العامة، بالإضافة إلى أحكام قضائية سابقة صادرة عن المحكمة الاتحادية التي تلزم بغداد بصرف المستحقات. وهذه الدعائم القانونية تُعزّز موقف أربيل.
واقتصاديا، تُشكّل ورقة النفط والغاز أداة ضغط رئيسية. فبينما تتهم بغداد الإقليم بعدم تسليم الإيرادات، يمكن لأربيل، من خلال اتفاقياته النفطية المنفردة، أن تُظهر قدرتها على إدارة مواردها واستقلالها الاقتصادي، وإن كان هذا قد يُثير حفيظة بغداد.
وسياسيًا ودبلوماسيًا، يعوّل الإقليم على الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة التي تدعو بوضوح إلى الحوار وحل الأزمة بشكل عاجل. وعلاوة على ذلك، قد يلجأ الإقليم للتصعيد السياسي والتهديد بمواقف حازمة، مستندا إلى الغضب الشعبي المتزايد في كردستان، مما يضع ضغطًا كبيرًا على بغداد.
وفي هذا السياق، لا يقتصر الأمر على الدعاوى المرفوعة من الموظفين، بل يمكن لحكومة الإقليم نفسها أن تتخذ خطوات قانونية جديدة أمام المحكمة الاتحادية لإلزام بغداد بدفع الرواتب، مما يُظهر عزم أربيل على استخدام كل السبل المتاحة لضمان حقوق مواطنيها.
واعتبر القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، الثلاثاء، أن قرار الحكومة الاتحادية بإيقاف تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان يشكل "عقابًا جماعيًا" يستهدف مواطني الإقليم، محذرًا من أن هذا القرار لن يمر دون "عواقب سياسية".
وقال زيباري في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس، إن "قرار حكومة السوداني (محمد شياع السوداني)، الإطار التنسيقي بإيقاف تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان، وفي توقيت سيء للغاية، يمثل محاولة لمعاقبة جماعية وتجويع المواطنين من خلال التذرع بحجج مالية وإدارية".
وأضاف أن "هذه السياسات لن تمر مرور الكرام، فالتاريخ السياسي العراقي يؤكد أن المعتدي سيعاقب، ولسنا نعيش في مدينة فاضلة".
وجاءت تصريحات زيباري في ظل تصاعد التوتر بين أربيل وبغداد، على خلفية قرار وزارة المالية الاتحادية وقف تمويل رواتب شهر مايو 2025، بدعوى تجاوز الإقليم لحصته المحددة في الموازنة وعدم تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الخزينة العامة.
من جهتها، ردت حكومة إقليم كردستان باتهام بغداد بالتنصل من التزاماتها، واعتبرت القرار "مسيسًا" ويستهدف أكثر من 1.2 مليون موظف في الإقليم.
وأكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد، في تصريح إعلامي أن "القرار سياسي بحت، ويمثل انتهاكا صارخا للدستور والاتفاقيات المبرمة بين بغداد وأربيل، وخطوة غير إنسانية تعكس استهدافا واضحا للشعب الكردي في توقيت حساس مع اقتراب عيد الأضحى".
ولفت وفاء محمد إلى أن "حكومة إقليم كردستان لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستقوم بجهود ومساع متواصلة لحل هذه الأزمة". ولكنه يضيف محذرًا "إذا لم ترسل مستحقات الإقليم بشكل عادل وفق القانون والدستور بحلول الـ22 من الشهر المقبل، فإن الحزب الديمقراطي وحكومة الإقليم سيكون لهما موقف حازم وصارم دفاعا عن حقوق مواطني كردستان ورفضا لسياسات الظلم والتجويع".
وجاء قرار وزارة المالية الاتحادية بعد أيام قليلة من إشراف رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، على توقيع اتفاقيتين استراتيجيتين في العاصمة الأميركية واشنطن مع شركتي إتش.كيه.إن إنرجي ووسترنزاغروس الأميركيتين، بقيمة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات تستهدف تطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة – كردمير في مدينة السليمانية بشمال العراق.
ويحمل هذا التزامن دلالات سياسية، حيث يعتبر "ردا ضمنيا" من الحكومة الاتحادية على التحركات الاقتصادية المنفردة للإقليم، في ظل استمرار الخلافات المزمنة بشأن إدارة الثروات وتوزيع الإيرادات.
ويرى مراقبون أن قرار إيقاف تمويل رواتب موظفي كردستان لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التطورات الأخيرة بين بغداد وأربيل، فبالرغم من أن القرار يقدم على أنه إجراء مالي مرتبط بالأزمة الاقتصادية، فإن توقيته وطبيعته يشيران إلى أبعاد سياسية.
وتسهم هذه الخطوة في تصوير الإقليم كطرف غير ملتزم، وتضعف موقعه التفاوضي بشأن ملفات كبرى كالموازنة والنفط والواردات الداخلية، وهذا قد يستخدم لتقليل هامش حركة أربيل سياسيا وإعلاميا.
ومن غير المستبعد أن تضفي الأجواء الانتخابية بعدا إضافيا على الموقف، إذ من المحتمل أن تستثمر بعض القوى الاتحادية هذا التصعيد لكسب قواعد انتخابية، عبر إظهار الصرامة في التعامل مع الإقليم.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، في تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، على ضرورة حل أزمة المدفوعات بين بغداد وأربيل بشكل سريع ومن خلال الحوار البناء.
وقال مسؤول في الخارجية الأميركية "حل قضية المدفوعات بسرعة يبعث برسالة مفادها أن العراق يضع مصالح شعبه في المقام الأول، ويخلق بيئة جاذبة للاستثمار"، مضيفًا أن "ذلك سيشكّل أيضاً إشارة إيجابية بشأن إمكانية إعادة فتح خط أنابيب العراق - تركيا".
كما شددت الخارجية الأميركية على أن "دعم الولايات المتحدة لإقليم كردستان يمثل عنصرًا أساسيًا في علاقتها مع العراق"، مشيرة إلى لقاءات أجراها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مؤخرا مع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، بهدف تعزيز الاستقرار والازدهار في العراق والمنطقة.