أزمة الرواتب تزيد من متاعب الحكومة الفلسطينية المأزومة

رام الله - تصدرت أزمة رواتب الموظفين العموميين التحديات الاقتصادية الفلسطينية الداخلية خلال 2022، في عام شهد استمرار تراجع المنح والمساعدات الخارجية الموجهة إلى الميزانية الفلسطينية.
ومنذ نوفمبر 2021 يتقاضى الموظفون العموميون رواتب منقوصة، أرجعتها الحكومة إلى اقتطاعات إسرائيلية من أموال المقاصة وتراجع المنح الخارجية.
وأدت الرواتب المنقوصة للموظفين العموميين إلى ارتفاع مستحقاتهم على الحكومة العاجزة عن تقديم رواتب كاملة، وفي نفس الوقت الإيفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات الحكومية، وبقية النفقات الأخرى.
ويبلغ إجمالي قيمة الرواتب الشهرية 950 مليون شيكل شهريا (275 مليون دولار)، موزعة على الموظفين العموميين والمتقاعدين، وأشباه الرواتب (مخصصات الأسرى، والمخصصات الاجتماعية وغيرها).
ويبلغ إجمالي عدد المستفيدين من الرواتب في السوق الفلسطينية قرابة 245 ألف فرد، بين موظف ومتقاعد أو ممن يتقاضون المخصصات الشهرية من الحكومة.
وفي المقابل، يبلغ متوسط الدخل الحكومي في الوقت الحالي مليار شيكل (290 مليون دولار)، منها 92 في المئة تأتي من الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطنون والنسبة المتبقية موزعة بين منح خارجية وإيرادات أخرى.
وبسبب الرواتب المنقوصة وعجز الحكومة عن سدادها كاملة أعدت وزارة المالية خطة متكاملة للتقاعد المبكر بهدف الاستغناء عن 30 ألف موظف عمومي (مدني وعسكري)، وإحالتهم على التقاعد المبكر الطوعي والإجباري.
ويبلغ عدد الموظفين العموميين في فلسطين (على رأس عملهم) قرابة 140 ألف موظف مدني وعسكري، يطمح برنامج التقاعد المبكر إلى تقليصهم إلى 110 آلاف.
وفي وقت تعجز فيه الحكومة عن دفع رواتب موظفيها، وإشباع الوظائف في القطاعين العام والخاص، سجلت إسرائيل هذا العام أكبر توافد للعمالة الفلسطينية.
وفي الربع الثاني من العام الجاري تجاوز إجمالي العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات 220 ألفا بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ العمالة الفلسطينية في الداخل.
وماليا، نجحت هذه العمالة في إبقاء بعض الحيوية بالسوق المحلية بسبب الدخل المرتفع لها في إسرائيل، إذ يبلغ متوسط رواتبهم الشهرية 1.5 مليار شيكل (435 مليون دولار)، إلا أن السوق المحلية في الضفة الغربية على وجه الخصوص تعاني اليوم من نقص العمالة الفنية الماهرة، والتي وجدت في السوق الإسرائيلية مكانا للعمل براتب مرتفع مقارنة مع الرواتب المدفوعة في الضفة الغربية.
وتحولت إسرائيل اليوم إلى ثاني أكبر مشغّل للعمالة الفلسطينية من حيث قيمة الرواتب، متفوقة على القطاع العام، وتأتي ثانيا بعد القطاع الخاص. وعلى الرغم من بعض التحسن في المنح الخارجية المسجلة خلال العام الجاري، إلا أنها تبقى أقل من تلك المقدمة قبل 8 سنوات على سبيل المثال.
وتظهر بيانات وزارة المالية الفلسطينية أن إجمالي الدعم الخارجي للميزانية العامة بلغ 220 مليون دولار في الشهور العشرة الأولى من العام الجاري، بنمو 250 في المئة على أساس سنوي، إلا أن متوسط الدعم السنوي الموجه إلى الحكومة الفلسطينية قبل عام 2015 كان يبلغ مليار دولار أميركي.
والسبب في تراجع الدعم خلال السنوات الأخيرة هو توقف الدعم الأميركي بمتوسط 150 مليون دولار سنويا، وتوقف معظم الدعم العربي بمتوسط 300 مليون دولار سنويا، وتراجع الدعم الأوروبي.
وبينما كان الدعم يشكل 25 في المئة من إجمالي الموازنات الفلسطينية تراجع في العامين الماضي والجاري إلى أقل من 8 في المئة بحسب بيانات وزارة المالية.
◙ الدعم كان يشكل 25 في المئة من إجمالي الموازنات الفلسطينية لكنه تراجع في العامين الماضي والجاري إلى أقل من 8 في المئة
وتوقعت الحكومة دعما من الدول المانحة لعام 2022 بقيمة 523 مليون دولار، منها 300 مليون للمشاريع و200 مليون للموازنة، علما وأن المنح للخزينة الفلسطينية العام الماضي بلغت 188 مليون دولار.
ويقول الخبير الاقتصادي من رام الله سمير عبدالله إن الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية تعد غير مسبوقة بفعل الانحسار الشديد للمساعدات الخارجية والقيود المفروضة عليها بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية الملحقة باتفاقيات أوسلو للسلام مع إسرائيل.
وتشهد العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومحيطها العربي اهتزازا في الفترة الماضية على خلفية الموقف من اتفاقات السلام الموقعة بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، وازداد التباعد إثر إظهار الرئيس محمود عباس نية لتغيير تحالفاته. وتوقفت المساعدات العربية المقدمة للحكومة الفلسطينية بشكل لم يسبق له مثيل منذ قرابة عقدين.
ولجأت الحكومة خلال الأشهر الماضية إلى الاقتراض من البنوك كي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية. وتقترض السلطة الفلسطينية شهريا من البنوك العاملة لديها نحو 130 مليون دولار لتسديد أنصاف رواتب الموظفين.