أزمة الديون الخارجية تحاصر الحكومة المصرية

تدفع الحكومة المصرية ثمن التوسع في الاقتراض لتغطية حاجة البلاد من الغاز والنفط والأمن الغذائي للمواطنين، بعد أن ارتفعت أسعارها عالميا في ظل حالة اضطراب تسود العديد من الأسواق وضعف سلاسل التوريد، ما تسبب في زيادة أعباء الديون.
القاهرة - تشكل أزمة تفاقم الديون الخارجية هاجسا يؤرق السلطات في مصر مع تزايد ديون البنك المركزي عقب ارتفاع الودائع قصيرة الأجل والالتزام بسداد الفوائد التي تحين آجالها، إذ يتعين سداد نحو 31 مليار دولار من قيمة القروض حتى ديسمبر المقبل.
وكشف البنك الدولي عن ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 145.5 مليار دولار في ديسمبر من العام الماضي بنسبة نمو بنحو 8.1 في المئة.
وأظهرت بياناته أن الزيادة في ديون البلاد الخارجية جاءت مدفوعة بارتفاع الديون التي على المركزي إلى نحو 41.9 مليار دولار، مقابل 27.8 مليار دولار بعد ارتفاع الودائع قصيرة الأجل إلى 15.8 مليار دولار مقابل 2.8 مليار دولار. وتضاعف إجمالي الدين الخارجي قصير الأجل إلى 26.4 مليار دولار بنهاية مارس مقابل 12.8 مليار دولار فى ديسمبر الماضي.
وحاصر الدين الخارجي الحكومة مع زيادة الاقتراض لتوفير الغذاء والطاقة، بجانب سداد الفوائد، وتزامن ذلك مع ما نتج عن الأزمة في شرق أوروبا من تراجع تدفق العملة الأجنبية، إذ تعطلت حركة السياحة القادمة من روسيا وأوكرانيا واللتين تمثلان 35 في المئة من إجمالي السياحة الوافدة.

ومع تراجع تدفق الدولار من الخارج ارتفع استهلاك المصريين من الغذاء، ومثل ذلك ورقة ضغط على فاتورة الاستيراد، وتراجعت إيرادات البلاد من العملة الصعبة بالتزامن مع زيادة المصروفات بنفس العملة، ولم تجد الحكومة مفرا من الاقتراض.
وشهد الدين الخارجي لمصر معدلات ارتفاع متسارعة في السنوات الماضية، حيث بلغ في الربع الأول من العام الماضي 134.8 مليار دولار، والذي ارتفع خلال عام بقيمة 22.84 مليار دولار وبنسبة تصل إلى 17 في المئة.
وتئن الموازنة العامة للدولة من أعباء الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي، حيث تبلغ نحو 54 في المئة من إجمالي استخدامات الموازنة العامة.
وتسعى مصر إلى الخروج من المأزق الحالي عن طريق الاستدانة أيضا، حيث تسير في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لدعم اقتصادها في مواجهة آثار الحرب في أوكرانيا.
وأبرمت القاهرة اتفاقا مع صندوق النقد نهاية 2016 حصلت بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات مقابل إجراء إصلاحات شملت تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، كما حصلت على قرض آخر عقب الجائحة بقيمة 8 مليارات دولار.
ولن تقف معدلات الاقتراض أو زيادة الديون الخارجية عند حدها الحالي مع استمرار الأزمة العالمية، وفي ظل شح العملة الأجنبية الذي تعاني منه البلاد بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، لكنه تفاقم منذ جائحة كورونا.
وقال الخبير الاقتصادي رشاد عبده في تصريحات لـ”العرب” إن “الحكومة تتحمل جزءا كبيرا من الأزمة الحالية لأنها لم تسوق للاستثمار في البلاد بشكل يجذب الأجانب لتأسيس مشروعات جديدة تدر العملة الصعبة”.
وأضاف أن ذلك يظهر في عدم استغلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو التفكير في أن تضاهي ميناء جبل علي بالإمارات، بينما ركزت السلطات على قناة السويس كممر ملاحي تجلب من ورائه رسوم تحصيل مرور السفن فقط.
ولعل ما وصلت إليه القاهرة من زيادة معدلات الاقتراض والفقر الاقتصادي والتضخم المرعب للقروض الخارجية ترجع أسبابه إلى عدم الاستغلال الأمثل لموارد الدولة أو موقعها الجغرافي.
وينبغي سداد القروض من مصادر العملة الأجنبية الرئيسية في البلاد التي تشمل قناة السويس والصادرات والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج، لكنها تحقق إيرادات غير كافية وتوجه إلى سداد أجزاء من الديون.
وليد جاب الله: الديون في حدود آمنة ولا بد من فريق محترف لإدارتها
ولجأت الحكومة الفترة الماضية إلى الأموال الساخنة باعتبارها قناة لتدفق الدولار وتتضمن بيع أذون الخزانة للأجانب، لكن تأكدت استحالة الاعتماد عليها، حيث تهرب في أوقات الأزمات إلى الأسواق المتقدمة، وهي ديون وأعباء في الأساس.
وما يبرهن ذلك أن حجم الأموال الهاربة بلغ نحو 15 مليار دولار أثناء أزمة الأسواق الناشئة في 2018 وما يقرب من 20 مليار دولار عقب تفشي الجائحة منذ عامين، ثم بسبب الأزمة الأوكرانية العام الجاري وخلفت تداعيات اقتصادية كبيرة.
وأنقذت الودائع الخليجية السلطات في مصر بعد موجة خروج استثمارات الأجانب من أذون وسندات الخزانة، إذ أودعت كل من السعودية نحو 5 مليارات دولار والإمارات 3 مليارات دولار لدى المركزي.
وأوضح وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع بالقاهرة أن أزمة الديون من التحديات الخطيرة التي تواجه غالبية دول العالم وليس مصر وحدها، لذلك من المهم وجود فريق عمل محترف قادر على إدارة هذا الملف.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن اتفاقية ماستريخت بالاتحاد الأوروبي تتضمن أن الديون الخارجية تظل آمنة طالما تمثل 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه النسبة لم تصل إليها مصر، وتجاوزتها بلدان كبرى مثل الولايات المتحدة واليابان ذات اقتصاد قوي.
ورغم بلوغ نسبة الدين الخارجي المصري 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلا أن زيادته من شهر إلى آخر تمثل عقبة كبرى يصعب مقارنتها بديون الدول المتقدمة التي لديها احتياطيات من النقد الأجنبي تفوق نظيرتها المصرية، فضلاً عن متانة اقتصادها بكافة قطاعاته.
157.8 مليار دولار حجم ديون البلاد بنهاية الربع الأول من 2022 وفق تقديرات البنك الدولي
ويرى خبراء أن العبرة في الدين هو نسبته وليست قيمته كرقم، ومدى قدرة البلاد على السداد، كما أن القاهرة لم تتخلف عن سداد ديونها، ومن غير المقبول تصدير فكرة عدم قدرتها على السداد كأزمة كبرى، لأن تفاقم الديون ظاهرة تعاني منها دول عدة.
ويتعين سداد 9.6 مليار دولار خلال الفترة بين أبريل وحتى سبتمبر 2023، وهي معضلة حقيقية تؤرق السلطات وتفوق قيمة الاحتياطي الأجنبي بالبلاد، ولا مفر منها إلا ببيع أصول شركات تابعة للجيش والقطاع العام لمستثمرين خليجيين أو جانب.
وإذا كانت الديون الخارجية آخذة في الارتفاع، فهذا لا يعني أن يترك المركزي دعم وزيادة الاحتياطي النقدي، لأن دور الاحتياطي الرئيسي توفير السيولة اللازمة لشراء السلع الأساسية من الغذاء والدواء، وكذلك مستحقات الأجانب حال استثمارهم في السندات وأذون الخزانة.
وتراجع الاحتياطي الأجنبي في الأشهر الأربعة الماضية بنحو 7 مليارات دولار لسداد المدفوعات المرتبطة بالمديونية الخارجية وتصل قيمته إلى حوالي 33.4 مليار دولار.