أزمة الدولار تشتت جهود الحكومة العراقية وتضاعف الهواجس من انفجار شعبي

أصحاب المصالح من القوى السياسية يعيقون عمل السوداني.
الجمعة 2022/12/30
تحديات تتجاوز قدرة السوداني

شكلت أزمة سعر صرف الدينار مقابل الدولار عبئا إضافيا على حكومة محمد شياع السوداني التي تجد نفسها محاصرة بملفات اقتصادية واجتماعية شائكة وفي غياب الدعم المطلوب من القوى السياسية في العراق.

بغداد - تواجه الحكومة العراقية وضعا ضاغطا في ظل تحديات كثيرة تواجهها في علاقة بتذبذب سعر صرف الدينار أمام الدولار الأميركي، وتعمّق الأزمة المعيشية، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى انفجار شعبي.

واتخذ البنك المركزي العراقي مؤخرا سلسلة من الإجراءات في محاولة لضبط استقرار سعر الدينار مقابل الدولار، بعد أن سجل خلال الأيام الماضية مستويات قياسية غير مسبوقة ووصل تدريجيا إلى 160 ألف دينار لكل 100 دولار.

قاسم السلطاني: نسب الفقر والبطالة شهدت ارتفاعا مطردا في العراق
قاسم السلطاني: نسب الفقر والبطالة شهدت ارتفاعا مطردا في العراق

ومن بين الإجراءات التي اتخذها البنك تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص بالدولار من خلال المصارف العراقية، وفتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر.

وكان البنك المركزي العراقي قد دعا في بيان المصارف العراقية إلى “تحمل مسؤولياتها في تسهيل الإجراءات لزبائنها وتسريعها لضمان وصولهم إلى التمويل بأفضل الممارسات المصرفية وبأقل قدر من الحلقات مع مراعاة المتطلبات القانونية المقررة”.

وأكد البنك المركزي للتجار على أهمية التعامل “مع المصارف مباشرة وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها”، مشيرا إلى أهمية قرار مجلس الوزراء بـ”عدم استيفاء الرسوم الجمركية ومبالغ الأمانات الضريبية مسبقا”، خاصة وأن هذا سيؤدي إلى تقليل الإجراءات وإزالة التكاليف الناتجة عن مشاكل الرسوم المسبقة.

ويشكك بعض الخبراء في فاعلية الإجراءات المتخذة، محذرين من أن عودة الاستقرار النسبي لسعر الصرف لا يعني تجاوز الأزمة، وهذا ما يجعل الحكومة في حالة استنفار، وعينها على الشارع.

ويحذر الخبراء من أن أزمة الدولار من شأنها أن تشتت جهود الحكومة وتصوراتها لجهة تصحيح الوضعين الاقتصادي والمالي.

ويشهد العراق منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة جراء الأزمات السياسية والصراعات فضلا عن سوء الإدارة وتفشي مظاهر الفساد، ورغم الطفرة المالية التي تحققت خلال الأشهر الماضية بفعل ارتفاع أسعار النفط، فإن العراقيين لم يلمسوا أي تحسن على الأرض.

جمال كوجر: المشاريع الوهمية ارتفع عددها في السنوات السابقة
جمال كوجر: المشاريع الوهمية ارتفع عددها في السنوات السابقة

ويقول الخبير الاقتصادي قاسم السلطاني إن نسب الفقر والبطالة شهدت ارتفاعا مطردا في العراق لجملة من الأسباب أبرزها الركود الاقتصادي والصراعات السياسية، بالإضافة إلى عدم امتلاك الحكومات السابقة برنامجا وخطة محكمة لمكافحة الفقر والبطالة.

وأشار السلطاني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن أزمة العاطلين عن العمل تحتدم في البلاد حيث وصلت إلى نحو 35 في المئة، بينهم 650 ألفا مسجلون في دائرة الضمان الاجتماعي، وأن الحد الأدنى لراتب العامل 350 ألف دينار فقط 233 دولارا.

ولفت الخبير العراقي إلى أنه لم يجر أي تعديل على قانون الضمان الاجتماعي منذ إحدى وخمسين سنة، كما أن 10 في المئة فقط من القطاع الخاص مفعل ومسجل ضمن دائرة الضمان.

ولفت السلطاني إلى أن ما أسماهم بـ”أصحاب المصالح من الأحزاب السياسية” يحاولون إجهاض المنهاج الحكومي لحكومة محمد شياع السوداني التي تعد حكومة الفرصة الأخيرة.

وكانت حكومة السوداني التي تشكلت في أكتوبر الماضي قد وضعت في سلم أولوياتها مكافحة الفساد، وإنعاش الاقتصاد المتدهور، لكن متابعين يرون أن الكثير من التحديات تعوق جهود الحكومة من بينها القوى السياسية المتنفذة المنخرطة بثقلها في أخطبوط الفساد في العراق.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بشؤون النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري يحتل العراق الصدارة بنسبة تفشي الفساد بين دول العالم على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية التي يفترض أن تعمل جميعها على مراقبة الأداء الحكومي في المجالات المالية والإدارية.

وتشكل المشاريع الوهمية عينة على الفساد المستشري في العراق، وقد كشفت وزارة التخطيط في وقت سابق عن ستة آلاف مشروع تم رصد أموال لتنفيذها دون أن يتحقق ذلك.

ويقول في هذا الصدد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر في تصريحات لـ”العرب” إن “المشاريع الوهمية ارتفع عددها في السنوات السابقة، بعد أن كانت هناك أموال كبيرة في الدولة العراقية”، مشيرا إلى أن بعض الوزارات أحالت المشاريع إلى الشركات، وقامت هذه الشركات بسحب الأموال دون تنفيذ تلك المشاريع.

ويرى متابعون أن العراق يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة لتحقيق الإصلاح المطلوب وهو ما لا يبدو متوفرا في ظل سيطرة منظومة المحاصصة على الحكم في البلاد، لافتين إلى أن محاولات السوداني تحقيق اختراق في عدد من الملفات ولاسيما ملف مكافحة الفساد لا يمكن الرهان كثيرا عليها.

3