أزمة الدعم.. الدقيق يشعل الشارع في لبنان وتحذير من كارثة

إلغاء الدعم في لبنان دون ضمانات لحماية الفئات الأكثر ضعفا سيصل إلى حد كارثة اجتماعية.
الاثنين 2020/12/07
لبنان بين فكي الانهيار الأمني والاقتصادي

بيروت - خرج العشرات من اللبنانيين إلى الشوارع الاثنين احتجاجا على قرار حكومي محتمل برفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، مثل الوقود والخبز.

وتأتي الاحتجاجات بالتزامن مع بدء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب سلسلة اجتماعات في السراي الحكومي، تضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعددا من الوزراء المعنيين، للبحث في مسألة ترشيد الدعم المتعلق بالمواد الأولية في لبنان كالمحروقات والأدوية والطحين.

وبحسب مصادر مطلعة على الملف، سيبحث المجتمعون في حزمة مقترحات لاسيما في ظل معطيات اقتصادية تشير إلى أن احتياطي مصرف لبنان بالعملة الصعبة انخفض خلال الأشهر الأخيرة إلى الحد الأدنى ولم يعد يكفي لدعم المواد الأولية.

وأغلق المتظاهرون الطرق المؤدية إلى وسط العاصمة بيروت وكذلك الشوارع في مدينة طرابلس الساحلية الواقعة شمال البلاد، باستخدام صناديق القمامة والإطارات المحترقة.

وتدخلت قوات مكافحة الشغب لمنعهم من الاقتراب من حرم السراي، فتحولوا إلى جسر "الرينغ" ومنه إلى شارع الحمراء، حيث مصرف لبنان المركزي ومن ثم إلى مبنى وزارة الاقتصاد المعنية بالدعم، ولم تسجل إصابات أو أعمال تخريب، رغم بعض المواجهات مع السلطة.

وأظهرت بعض مقاطع الفيديو تجمعات للعشرات من الناشطين يرفعون شعارات رافضة لقرارات الحكومة اللبنانية.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأنه تم قطع جسر "الرينغ" من قبل المحتجين بالحواجز والإطارات المشتعلة.

وأكد علي إبراهيم نقيب أصحاب المطاحن والأفران في لبنان لوسائل إعلام محلية أن "المطاحن لم تسلّم الأفران الطحين غير المدعوم لأنّها عزمت بيعه بالدولار، بعد قرار وزير الاقتصاد راؤول نعمة دعم طحين الخبز اللبناني فقط".

وقال إبراهيم "الطحين غير المدعوم يدخل في إنتاج الكعك والمناقيش وخبز الهامبورغر وغيره، وستصبح هذه المنتوجات كلّها بالدولار، ولن يستطيع الفقير شراء المنقوشة". 

وكشف أن "وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راؤول نعمة عمم قراره على المطاحن منذ ثلاثة أيام، وطلب البدء بتطبيقه من اليوم (الاثنين)، لكن علينا انتظار الاجتماع المنوي عقده بشأن الدعم، وقد يتغير قرار نعمة بحسب مقررات هذا الاجتماع".

وفي حال رفع الدعم عن الطحين الذي يدخل في إنتاج المناقيش فهذا يعني أن منقوشة الزعتر التي كان سعرها حوالي دولارا واحدا أو 1500 ليرة سيصبح حوالي 8000 ليرة، وأن منقوشة الجبنة التي كانت بحدود دولارين ستصبح حوالي 16 ألف ليرة، ما يعني أن المنقوشة التي كانت رفيقة صباحات اللبناني الفقير و”ترويقته” لن يعود بمقدوره الحصول عليها بسهولة كي لا يقال ستصبح ممنوعة عنه وعن عائلته.

أما رفع الدعم عن المحروقات فيعني أن سعر صفيحة البنزين سيرتفع من 24600 ليرة لبنانية إلى حوالي 70 ألفا أي ما يوازي 10 في المئة من الحد الأدنى للرواتب، الأمر الذي سيستدعي ارتفاعا موازيا في مجمل الأسعار، وهناك نقاش حول عدم رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات تفاديا للمزيد من تدهور الوضع الاجتماعي والمعيشي.

وفي الوقت الذي يرزح فيه لبنان تحت وطأة أزمة مالية عميقة، يدعم مصرف لبنان المركزي السلع الأساسية من خلال توفير العملة الصعبة للمستوردين بسعر الصرف القديم البالغ 1500 ليرة لبنانية للدولار، حتى بعد أن فقدت الليرة 80 في المئة من قيمتها. 

وقال حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الأسبوع الماضي إن الدعم يمكن أن يستمر لشهرين آخرين فقط، داعيا الدولة إلى وضع خطة. 

وعلى الرغم من أن لبنان يواجه أخطر أزمة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، فإن المنافسات القديمة بين السياسيين المتنافرين أعاقت رسم السياسات. واختير سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة في أكتوبر لكن لم يجر الاتفاق على حكومة بعد. 

وتعرض الأسلوب الشامل الذي يدعم به لبنان السلع الأساسية، مثل الوقود والقمح والأدوية، لانتقادات واسعة، بما في ذلك من قبل كبار الساسة في الأحزاب الحاكمة، لأنه لا يستهدف من هم في أمسّ الحاجة إلى تلك السلع. 

وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل جذري في لبنان منذ بداية العام الحالي. وتفاقم هذا الوضع بسبب انتشار وباء فايروس كورونا المستجد وانفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس الماضي، وهو ما دفع بالعديد من المواطنين إلى الفقر.

وأدى الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 190 شخصا وجرح ستة آلاف آخرين إلى إجبار الحكومة على الاستقالة. ولم يتمكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومة حتى الآن.

وكان لبنان قد بدأ مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ مالي في مايو للبحث عن مخرج من أسوأ أزماته منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، وتوقفت المحادثات بين الجانبين منذ شهور بسبب فشل الحكومة اللبنانية في القيام بالإصلاحات الضرورية.

وأكدت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة الاثنين أن إلغاء الدعم في لبنان دون ضمانات لحماية الفئات الأكثر ضعفا سيصل إلى حد كارثة اجتماعية، محذرتين من عدم وجود وسيلة لتخفيف الضربة.