أزمة الخبز في تونس: الاحتكار ليس سوى واجهة صغيرة

رئيس الدولة يشير إلى وجود "لوبيات" تعمل في الخفاء على تأجيج الأوضاع والعبث بقوت المواطن التونسي، دون تسمية جهة محددة.
السبت 2023/07/29
أزمة مفتعلة

تونس – يحرص الرئيس التونسي قيس سعيد على ربط أزمات المواد الأساسية في البلاد بوجود الاحتكار وبالفساد داخل الإدارة، في وقت يقول فيه مراقبون إن الأسباب الداخلية لأزمة الخبز لا تمثل سوى جزء صغير من التحديات التي تواجهها البلاد.

وتقول أوساط سياسية تونسية إن الرئيس سعيد يركز على تسوية الأزمة من الداخل بالضغط على الإدارة لتحسين أدائها وعزل العناصر المرتبطة بلوبيات التعطيل وخلق الأزمات لإرباك السلطة السياسية، لكن ذلك يوحي بأن الأزمة مرتبطة بالبيروقراطية والفساد وليس بصعوبة استيراد الحبوب من الخارج في ظل الوضع المالي الصعب الذي تعرفه البلاد.

وتعتقد هذه الأوساط أن الخطاب الذي يرتكز على مهاجمة اللوبيات وتحميلها مسؤولية الأزمات بدأ يفقد بريقه لدى الناس، خاصة بعد مرور سنتين على تاريخ إجراءات الخامس والعشرين من  يوليو، في وقت لم تظهر فيه نتائج واضحة لهذا الخطاب؛ إذ مازالت أسعار السلع والمواد الاستهلاكية تشهد زيادات، وندرة بعض المواد الأساسية مستمرة.

منذر ثابت: إما أن نستمر في دعم الخبز أو نرفع عنه الدعم نهائيا
منذر ثابت: إما أن نستمر في دعم الخبز أو نرفع عنه الدعم نهائيا

وحثت هذه الأوساط الرئيس سعيد على مصارحة التونسيين بصعوبة توفير كميات مريحة من الحبوب بسبب مشكلة العملة الصعبة والأزمة المالية الحادة التي تعيشها البلاد، وهي أزمة ليست وليدة اللحظة، وإنما هي نتيجة سوء الإدارة الذي رافق السنوات العشر الماضية.

وليس هناك بلد في العالم الثالث يخلو من الاحتكار أو المحسوبية التي تتحكم في أهم القطاعات، ومهمة الدولة ليست الانجرار وراء الصراعات الصغيرة وتضخيمها وإنما تجاوزها والاهتمام بالقضايا المصيرية. وهذا يرتبط بالمرونة التكتيكية (تعني بصفة عامة القدرة على تغيير التكتيكات بسهولة والاستعداد للتعامل مع الظروف الطارئة والأحداث المستجدة) التي من شأنها أن تخدم الصالح العام.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “من المؤكد أن هناك مشكلة على مستوى التزود بالحبوب، لكن هناك مضاربات، والمخابز غير المصنفة تعمل على تحويل وجهة المواد الأولية لصناعة الخبز إلى أصناف باهظة الثمن”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القضية ليست قضية مضاربة واحتكار فقط، بل هناك من يسعى إلى تحقيق الثراء الفاحش خلال الأزمات وفي وقت وجيز، وبعض المخابز تستثمر في الأزمة الراهنة”.

وتابع ثابت “إشكالية عدم توفر المواد قائمة، وإما أن نذهب في اتجاه الخبز المدعم أو أن نرفع الدعم عن الخبز نهائيا”. واستطرد قائلا “هناك شريحة من المضاربين مخرّبة للاقتصاد ومهددة للاستقرار الاجتماعي”.

والخميس طالب الرئيس التونسي حكومة بلاده باتخاذ “إجراءات عاجلة” تتعلق بأزمة الخبر، محملا “اللوبيات” مسؤولية الأزمة.

جاء ذلك في كلمة أدلى بها قيس سعيّد خلال اجتماع له بقصر الحكومة في تونس العاصمة مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، ونشرتها رئاسة الجمهورية عبر حسابها الرسمي على فيسبوك.

وتشهد تونس منذ أيام نقصا في الخبز، ويقف المواطنون في طوابير عدة ساعات للحصول على حاجاتهم منه، وفق إعلام محلي ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي.

وقال الرئيس سعيّد “يجب اتخاذ إجراءات عاجلة تتعلق بالخبز”، مؤكدا وجود “تلاعب”. وأشار إلى معاناة المواطن للحصول على الخبز من خلال الوقوف ضمن طوابير مدة ساعات.

وتساءل عن سبب عدم نيل المواطن حاجته من المخابز المدعومة حكوميا، في حين أنه يحصل على الخبز من مخابز أخرى غير مدعومة، وقال إن هناك “طريقة ملتوية لرفع الدعم عن الحبوب”، مطالبا بالتوقف عن ذلك فورا.

وتوجد في تونس مخابز مصنفة على أنها مدعومة حكوميا تبيع الرغيف الواحد بـ190 مليما (0.033 دولار)، وأخرى غير مدعومة يتم فيها تحرير أسعار الخبز.

وأشار إلى وجود “لوبيات” تعمل في الخفاء على تأجيج الأوضاع والعبث بقوت المواطن التونسي، دون تسمية جهة محددة.

وكشف قيس سعيد أن “في تونس 3 آلاف و337 مخبزة مصنفة (تبيع بأسعار تضبطها الدولة)، و1443 مخبزة غير مصنفة (أسعارها حرة)”، معتبرا أن “الأخيرة تريد تجويع التونسيين”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الرئيس التونسي لوبيات وأطرفا بالوقوف خلف أزمة الخبز في البلاد.

وفي آخر لقاء للرئيس سعيد مع الناس، الثلاثاء في ذكرى 25 يوليو، سمع شكاوى المواطنين من انقطاع الماء والكهرباء ونقص الخبز، وردًا على ذلك أكد أن “هناك متابعة دقيقة لهذه المشاكل في كامل مناطق البلاد”.

وقال إن “الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة وارتباط التزوّد بالماء بالتيار الكهربائي تسببا في حدوث هذه المشاكل”. وتابع مخاطبًا التونسيين “أعلم أنكم تشعرون بضيق لكن ستحل كل هذه المشاكل قريبًا”.

ومن الواضح أن الرئيس سعيد نفسه يعرف أن الأمر لم يعد يحتاج إلى تأخير، ولا إلى تفسيرات، وإنما إلى تعهدات جادة لتجاوز العراقيل.

وفي كلمة مصورة له في 23 مايو الماضي ذكر أن “خبز المواطن والمواد الأساسية يجب أن يتوفّرا، وهذا دور وزارة الفلاحة (الزراعة)، وديوان الحبوب (حكومي) وكل الإدارات المعنية في الدولة التي يجب أن تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التونسيين”.

ومنذ 2021 تراجع إنتاج الحبوب في تونس لأسباب مناخية، وانتقلت تداعياته بعد بضعة أشهر إلى الأسواق المحلية؛ حيث لم تتوفر كميات مطمئنة من القمح الصلب المستخدم في إنتاج الخبز.

ووجدت الحكومة أن الحل يكمن في اللجوء إلى الاستيراد، ولكن هذا الأمر تعترضه عراقيل بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.

يي

وتتعثر المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، رغم الجهود التي تبذلها بعض الدول في حشد الدعم الدولي لتونس من أجل الحصول على القرض، وفي مقدمتها إيطاليا.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الجمعة إن موقف الإدارة الأميركية “أكثر انفتاحا تجاه تونس” الغارقة في أزمة مالية، عقب لقائها الرئيس جو بايدن الخميس.

 ونقلت وكالة “آكي” الإيطالية للأنباء عن ميلوني قولها، ضمن تصريحات بمقر السفارة الإيطالية في واشنطن، “إن موقف الولايات المتحدة من تونس يبدو منفتحا جدا إزاء ما نقوم به، وهذا لم يكن أمرا مفروغا منه”. وقالت ميلوني إن العلاقة بين تونس وصندوق النقد تواجه صعوبة من ناحية توحيد المواقف.

1