أزمة الجثامين المتصاعدة تحرج السلطة السودانية

الخرطوم- أمهلت ثماني من القوى الثورية في الخرطوم الثلاثاء الجهات المُختصة 24 ساعة لمعالجة قضية الجثامين المُتحللة، وهدّدت بالتصعيد حال عدم الاستجابة لمطلبها، والتلويح بالدخول في اعتصام مفتوح أمام المستشفى.
وتصاعدت معالم أزمة سياسية عقب اكتشاف تحلل 190 من جثامين ضحايا فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم، وحاولت جهات يسارية وأخرى محسوبة على الحركة الإسلامية النفخ في الأزمة لإحراج المكون العسكري في السلطة السودانية.
وأصدر تجمع المهنيين بيانا طالب فيه بتفتيش كل المشارح وحصر الجثامين، وإجراء فحص الحمض النووي، وإقالة مدير الطب العدلي ومدير عام وزارة الصحة في ولاية الخرطوم، ودعم المسار القانوني للمطالبة بالقصاص لدماء الشهداء.
وعمت حالة من الغضب في الشارع السوداني بعد اكتشاف تكدس الجثامين في مشرحة مستشفى التميز بحي امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم، قيل إنها تعود إلى فض اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش في 3 يونيو عام 2019، حيث أشارت تقارير محلية في حينه إلى أن الحادث أسفر عن مصرع المئات من المعتصمين.

نبيل أديب: الجثث المتحللة لن يتم التخلص منها من دون التعرف على هوياتها
واستبعد النائب العام في السودان تاج السر الحبر، وجود علاقة للجثامين بالمفقودين في فض اعتصام القيادة العامة، قائلا “النيابة العامة سمحت لهيئة الطب العدلي بتشريح ودفن الجثث الموجودة في المشارح السودانية منذ 9 أكتوبر الماضي”.
وقال رئيس لجنة التحقيق في قضية اعتصام القيادة العامة، نبيل أديب، في تصريح لـ”العرب” إن النيابة العامة تقوم بعمل التحقيقات اللازمة للتعرف على هوية الجثث المتحللة، وأسباب وفاتها وتاريخ دخولها إلى المستشفى، وإذا كانت هناك شبهة بأن أي منهم شارك في وقت فض الاعتصام فالأمر سيتحول إلى لجنة التحقيق في القضية.
وأضاف “لن يتم التخلص من الجثث المتحللة من دون التعرف على هويتها، وهناك إجراءات قانونية متبعة تقف حائلاً أمام إمكانية التخلص منها، ولجنته في انتظار تقرير النيابة بغرض التحقق من الجثث”.
وكشف أديب أن التحقيقات في فض الاعتصام قاربت على الانتهاء من حيث التحقق من المسائل الإجرائية والاستماع إلى الشهود، لكن هناك بيانات وأدلة أخرى تحتاج إلى فحص فني وتقني، وسيتم الاستعانة بجهات أجنبية لمساعدة اللجنة في فك تعقيداتها.
وعلمت “العرب” أن لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام تحرص على عدم الإعلان عن نتائج ما توصلت إليه كي لا تُعطي فرصة للمتهمين لتأمين أنفسهم والتهرب من المسؤولية، وحددت مواعيد جديدة للاستماع لشهادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو.
وتصر قوى مدنية عديدة على ربط أزمة المشارح بالطريقة العنيفة التي جرى بها فض اعتصام القيادة العامة، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا، وحاول المجلس العسكري الحاكم في ذلك الوقت التقليل من شأن ذلك.
ويعيد اكتشاف فضيحة الجثامين ملف فض الاعتصام إلى الأضواء، ومعه تجاذبات سياسية، بما يمثل ضغطا معنويا كبيرا على مجلسي السيادة والحكومة، وكبار القادة في الأجهزة الأمنية، ويمنح خصومهم فرصة لاستدعاء روايات مرعبة حول فض الاعتصام الذي خمدت نيرانه الفترة الماضية.
وأدى انبعاث رائحة كريهة من الجثامين بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى خروج تظاهرة ضمت المئات من الشباب من سكان منطقة الامتداد الأحد، وطالبوا بالكشف عن حقيقة تكدس هذا العدد الكبير في مشرحة مستشفى التميز التابع للأكاديمية السودانية.
وأشعل مُواطنون من ضاحيتي امتداد الدرجة الثالثة والصحافة بالخرطوم النيران أمام مبنى المشرحة، احتجاجاً على الروائح المُنبعثة من الجثامين.
كما انبعثت روائح مماثلة من مشرحة مستشفى بشائر الذي يقع في ضاحية مايو بالخرطوم، ما دفع مُواطنيها إلى الشكوى للجهات المسؤولة ومناشدتها التدخل العاجل.
وأوضحت الكاتبة والمحللة السياسية درة قمبو، أنّ المعتصمين في محيط مستشفى التميز لديهم نية في الاعتصام المفتوح إلى حين الكشف عن تفاصيل الجثث المتحللة، وتصر لجان المقاومة التعرف على هوية الجثث بعد أن كان هدفها في البداية نقلهم من المستشفى وإنهاء الوضع البيئي السيء في المنطقة.

درة قمبو: ظهور الجثث فتح جراحا غائرة لدى الشارع السوداني
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن ظهور الجثث فتح جراحاً غائرة لدى الشارع الثوري في السودان، وأدخلت المزيد من الشكوك في نفوس المعتصمين حيال المؤسسة العسكرية، فقد صدر أمر من النيابة بتشريح الجثث وفحصها، غير أن إدارة الطب العدلي والصحي لم تتحرك منذ ذلك الحين.
وتم الكشف عن وقائع مثيرة في مستشفى “ود مدني” بشأن بعض الجثامين، وجرى التعرف على جثة الشاب قصي حمدتو الذي لقي حتفه في فض الاعتصام داخل مشرحة مستشفى “أم درمان” بعد أشهر من فض الاعتصام، في وقت كانت إدارة المستشفى تؤكد فيه على عدم وصول الجثة إليها.
وأثارت ظاهرة الجثامين علامات استفهام كثيرة حول أسباب تواجد هذا العدد في مكان واحد لنحو عامين، وأن ثمة جريمة أراد بعض المسؤولين إخفائها تتعلق بانتهاك حرمة الموتى والطريقة التي قتل بها الضحايا في اعتصام القيادة العامة.
وبدأت المفوضية القومية لحقوق الإنسان التحقيق في ما تردد حول تحلل جثامين ضحايا فض الاعتصام، وقالت إنها تتابع الأمر مع الجهات المختصة لكشف الحقيقة.
وتحوي المشرحة التي وجدت بها الجثامين ثلاث ثلاجات محملة بضحايا يزيدون عن طاقتها الاستيعابية، ما تطلب تحركات سريعة من لجنة مفقودي اعتصام القيادة العامة.
وذكرت هيئة الطب العدلي أن سعة هذه المشارح تصل إلى مئة شخص، لكنها حوت 1300 جثمان، واتهمتها النيابة العامة بالتسبب في سوء الأحوال التي وصلت إليها جثامين مجهولة في مشارح الخرطوم.
ولفت مقرر لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص أحمد سليمان، في تصريحات إعلامية، إلى أن سوء إدارة هيئة الطب العدلي في ولاية الخرطوم وراء ما حدث، واتهمها بالمماطلة في تنفيذ قرارات النيابة العامة بسبب خلافات نشبت داخلها.
وقررت اللجنة في 8 سبتمبر الماضي، إعادة تشريح جميع الجثامين الموجودة في مشارح الخرطوم، ومنع دفن أي جثة “ما لم تستكمل أدلة التعرف عليها، لحفظ حق المجهولين وأسرهم في التعرف عليهم”، وبعد نحو شهر شكلت اللجنة فريقين من أطباء الطب الشرعي للنظر في ملف الجثامين.