أزمة الثقة تعصف بإدارة كركوك وتقود العرب إلى الانسحاب

بغداد – تعصف أزمة ثقة حادة بإدارة كركوك بعد إعلان عضوين عربيين في مجلس المحافظة انسحابهما من تحالف "إدارة كركوك" الذي شُكّل في عام 2024 عقب انتخابات مجالس المحافظات، ووُصف حينها بأنه محاولة لخلق توازن بين مكونات المحافظة.
وهذا الانسحاب، الذي جاء بعد تسعة أشهر فقط من تشكيل التحالف، يكشف عن هشاشة التوافقات السياسية في المحافظة المتنازع عليها، ويهدد بتعميق الانقسامات بين مكوناتها.
تأسس تحالف "إدارة كركوك" مطلع عام 2024، بناءً على اتفاق سياسي أُبرم في فندق الرشيد ببغداد في 24 يناير 2024. وقد ضم التحالف خمسة أعضاء من الاتحاد الوطني الكردستاني، ومقعداً واحداً لتحالف "بابليون" المسيحي، وعضوين عربيين يمثلان "تقدم" و"الجبهة العربية الموحدة". وبموجب الاتفاق، حصل العرب على منصب رئيس مجلس محافظة كركوك، حيث جرى تسمية إبراهيم علي تميم.
وكان التحالف يهدف إلى إدارة المحافظة وملفاتها الحساسة، كالأمن، التوظيف، وإيجاد حلول لملف المغيبين. لكن العضوين المنسحبين، رعد الصالح، عن الجبهة العربية الموحدة، وظاهر أنور العاصي، عن تحالف تقدم، أرجعا انسحابهما إلى "عدم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق".
وأكد الصالح خلال مؤتمر صحافي مشترك أن أبرز البنود التي لم تُنفذ تتعلق بـ"ملف المغيّبين العرب في سجون إقليم كردستان"، إلى جانب قضايا أخرى. وشدد في بيان مشترك على أنهما "شاركا ليس من أجل المناصب، بل للدفاع عن حقوق أهلنا، لكننا لم نرَ أي جدية في تطبيق الاتفاق السياسي".
تحالف إدارة كركوك تشكّل في مطلع عام 2024 وضم خمسة أعضاء من الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب مقعد واحد لتحالف بابليون المسيحي، وعضوين عربيين يمثلان "تقدم" و"الجبهة العربية الموحدة". وقد تشكّل التحالف على قاعدة تفاهم سياسي هدف إلى إدارة المحافظة وملفاتها الحساسة، أبرزها الأمن، التوظيف، والملف الإنساني للمغيّبين.
لكنّ التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا التفاهم لم يصمد طويلًا أمام الخلافات السياسية والتنفيذية، خاصة مع اتهامات متكررة من الأعضاء العرب بعدم احترام الاتفاقات الموقعة وتهميش القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم.
وقال العضوان المنسحبان في بيان مشترك "شاركنا ليس من أجل المناصب، بل للدفاع عن حقوق أهلنا، لكننا لم نرَ أي جدية في تطبيق الاتفاق السياسي". وأضاف البيان أن "استمرارنا في المجلس سيكون من موقع الرقابة فقط، دون خوض أي انتخابات مستقبلية ما لم يتم تأسيس تنظيم سياسي عربي جامع".
ودعا العضوان جمهور المكوّن العربي، في ختام البيان، إلى "الزحف إلى مراكز التحديث والاستعداد للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدين أهمية اختيار ممثلين يعبرون عنهم بصدق أمام الرأي العام المحلي والدولي".
وعدّ المتحدث باسم تحالف العزم في كركوك، عزام الحمداني، أن انسحاب العضوين العربيين يمثل "ندما سياسيا على دخولهم في معادلة سياسية غير صحيحة".
وأضاف في تصريح لشبكة "رووداو" الإعلامية اليوم الخيس "هناك نداءات سياسية، ولربما الطرف العربي الذي أعلن عدم الاعتراف أو الانسحاب من هذه الحكومة قد شعر بالندم السياسي، خاصة مع قرب الانتخابات النيابية، فهناك حراك شعبي وجماهيري، ومطلوب من الأحزاب أن تُظهر نتائج واضحة."
وأشار الحمداني إلى أن "الخلاف داخل البيت العربي يمنح الاتحاد الوطني الكردستاني بيئة آمنة لتمديد عمر هذه الحكومة، التي يقودها محافظ كردي"، مضيفا أن "الكرد يرون في هذا البيان اعترافا غير مباشر بالخسارة العربية أمام الكرد، وهو ما يجعل حزب الاتحاد الوطني يشعر بالنصر السياسي".
كما لفت إلى أن البيان "غير مكتمل" لأنه لم يدعُ إلى عدم الاعتراف بالحكومة الحالية أو سحب الثقة من المحافظ، ما يترك غموضا سياسيا حول الخطوات القادمة.
وأكد أن "البيان لم يصدر باسم حزب سياسي، وتحديدا حزب تقدم، وإنما باسم أعضاء، ما يفتح بابا واسعا للتساؤلات، لذلك نعتقد أن هناك اتفاقًا سياسيًا يمنع بعض الأطراف العربية من الذهاب بهذه المطالب، تجنبًا لإحراج الاتحاد الوطني الكردستاني بسبب العلاقة الوثيقة مع حزب تقدم."
وأكد أن "الرأي العام العربي يراقب تلك المعادلة، فهل ستتبع حالة الانسحاب دعوة لعدم الاعتراف وسحب الثقة؟ هناك قضايا كثيرة سيتم مناقشتها، مضيفا "لا يمكننا الجزم بأنها مزايدة سياسية، لكنها قد تذهب في أكثر من تفسير، البعض يراها مزايدة، والبعض الآخر يراها انسحابًا حقيقيًا، لكن المحك الحقيقي هو: هل سيخرج الفائزون باسم الحزب الذي أبرم الاتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني ويدعون من تبقى من العرب إلى الانسحاب من منصب رئاسة المجلس؟ هل سيتخلون عن مناصبهم في المحافظة؟ هل سيعلنون سحب الثقة؟ هل هم قادرون على الدخول في اتفاق سياسي جديد مع بقية الأطراف الكردية أو التركمانية؟ هل سيتمكنون من إعادة الحوار مع الاتحاد الوطني الكردستاني؟"
وأشار إلى أن "تدوير منصب محافظ كركوك لم يُعلن رسميًا بأنه تم الاتفاق عليه بين العرب والكرد والتركمان. والدليل هو عدم مشاركة الجبهة التركمانية وبعض الأطراف العربية، وحتى الحزب الديمقراطي، في جلسة فندق الرشيد، بالتالي عدم مشاركتهم ورفضهم يفسر أنهم لم يُدعوا لعقد اتفاق سياسي حول تدوير المنصب، وأنه لو كانت هناك وثيقة حقيقية، لما اعترضت هذه الجهات."
من جانبها، أكدت عضو مجلس محافظة كركوك عن قائمة جبهة تركمان العراق الموحد، سوسن عبدالواحد جدوع، أن الحكومة المحلية التي تشكلت في "فندق الرشيد" جاءت بإرادة خارجية، بعيدا عن إرادة أبناء كركوك، ولا تعكس طموحاتهم الحقيقية.
وقالت جدوع، في تصريح لوكالة شفق نيوز "منذ اليوم الأول كنا ندرك أن هذه الحكومة شُكّلت وفق محاصصات سياسية وحزبية ضيقة، تخدم مصالح أشخاص على حساب أبناء كركوك، وتكرّس نهج التهميش والإقصاء".
وأشارت إلى أن "انسحاب عضوين من المكوّن العربي في مجلس المحافظة، يمثل دليلا واضحا على صحة ما كنا نحذّر منه منذ البداية، فهذه الحكومة وُلدت ولادة غير شرعية ولا تمتلك الشرعية الشعبية المطلوبة".
وشدّدت جدوع على أن "التركمان هم رقم صعب في معادلة كركوك، فهم مكوّن أصيل لا يمكن تجاهله، ونحن نمتلك رؤية سياسية بعيدة المدى، لا تُقاس بمكاسب آنية ولا تخضع لمنطق الشعارات الزائفة أو أسلوب المتاجرة السياسية".
ووجّهت جدوع رسالة مباشرة إلى من وصفتهم بأنهم "يراهنون على هذه الإدارة"، قائلة "عودوا إلى رشدكم، وراجعوا أنفسكم. السياسة لا تُبنى بالصراخ ولا بالمواقف الانفعالية، بل تُبنى بالحكمة، والرؤية، والإخلاص للشعب".
وأكدت على "تمسّك التركمان بحقوقهم المشروعة، وسعيهم المستمر لضمان تمثيل عادل وحقيقي، يحفظ هوية كركوك ويضمن استقرارها".
في حين بيّن المحلل السياسي أحمد عبدالرحمن على الحدث قائلا إن "انسحاب العضوين العرب يسلط الضوء على هشاشة التحالفات المبنية على تقاسم النفوذ بدلاً من مشروع إداري متكامل. هذه الأزمة قد تتصاعد إذا استمرت بقية الأطراف في تجاهل المطالب الجوهرية للمكونات".
ويوضح المحلل السياسي أحمد عبدالرحمن أن "انسحاب العضوين العرب يسلط الضوء على هشاشة التحالفات المبنية على تقاسم النفوذ بدلاً من مشروع إداري متكامل.. هذه الأزمة قد تتصاعد إذا استمرت بقية الأطراف في تجاهل المطالب الجوهرية للمكونات".
وأضاف في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن "هذه التطورات تضع تحالف إدارة كركوك أمام اختبار صعب، في وقت حساس من تاريخ المحافظة، التي تعيش تعقيدات قومية وطائفية وسياسية، تجعل أي إخلال بالتوازنات فيها سريع التأثير وعميق التداعيات. فهل تنجح الأطراف الأخرى في احتواء الأزمة، أم أن هذا الانسحاب سيكون أول خطوة نحو انهيار التحالف؟ الأيام القادمة ستكشف المسار".