أزمة الإعلام التونسي هيكلية ومهنية تتجاوز البيانات الرسمية

تونس - طالبت نقابة الصحافيين التونسيين في بيان رئاسة الحكومة بسحب المناشير الحكومية المعرقلة لجهد ممثلي المؤسسات والمنشآت العمومية في توفير المعلومة الآنية والدقيقة لوسائل الإعلام، وتحديدا المنشور عدد 19، بينما يرى صحافيون أن العمل يحتاج إلى رصد المعوقات الواقعية للعمل الصحفي على الأرض وعدم الاكتفاء بالبيانات الرسمية المناسباتية.
وتصدر نقابة الصحافيين تقريرا شهريا يرصد الانتهاكات التي تواجهها وسائل الإعلام والصحافيين والتي يتم الإبلاغ عنها وتصل تباعا إلى النقابة، فيما هنالك مشاكل عديدة تحتاج إلى تقصّ ومعالجة ترتبط بآلية العمل والبحث عن علاج وإصلاح ومقترحات من قبل أهل القطاع تبعا لطبيعة كل مؤسسة إعلامية وآلية العمل فيها.
ودعت النقابة وزارة العدل إلى تنمية قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة، عبر عقد دورات تدريبية مشتركة بينهم وبين الصحافيين لمزيد دعم العلاقة فيما بينهم.
وفي الواقع تنقسم الآراء في الوسط الصحفي التونسي بين من يعتبر أن الإعلام يعيش أزمة لأسباب هيكلية سياسية وقانونية، بينما يرى آخرون أن الأمر يتعلق بممارسات صحفية منها عدم احترام بعض المشرفين على قطاع الإعلام، ومعهم صحافيون لأخلاقيات المهنة الصحفية ومواثيق الشرف المهنية والنقابية، وللقوانين المنظمة لقطاع الإعلام، منذ إصلاحات 2011. خاصة في فترة ما بعد إصدار القانونين الشهيرين 115 و116 من قبل الهيئة العليا المستقلة لإصلاح الإعلام التي قادها إعلاميون وأكاديميون مستقلون، أو من بين معارضي حكومات الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
الكثير من المؤسسات أصبحت غير قادرة على تشغيل صحافي واحد في مؤشر على خطر انهيار منظومة الإعلام في تونس
وأعرب مسؤولون ونقابيون في قطاع الإعلام خلال زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى مقر صحيفتي “لا بريس” و”الصحافة” الحكوميتين عن عرقلة العمل بسبب مشاكل تتعلق بالإدارة. إذ اعترف شكري بن نصيب مدير عام الصحيفة، ومراد علالة رئيس التحرير، بأن غلطات في التسيير المالي والإداري والمهني خلال السنوات الـ12 الماضية تسببت في صعوبات مالية لعدة مؤسسات إعلامية في البلاد، من بينها مؤسسة دار “لا بريس” الحكومية التي كانت تحتل المرتبة الأولى قبل 2011 من حيث أرباحها.
كما تحدث محمد العروسي بن صالح، المدير التنفيذي لجمعية مديري الصحف، أن أزمة المؤسسات الإعلامية أصبحت هيكلية. وتابع أنها استفحلت خلال الفترة السابقة بعد إعلان أغلب المؤسسات الإعلامية الخاصة والحزبية عن “عجز مالي غير مسبوق”، أو عن إفلاسها وفصل غالبية العاملين فيها، والتوقف عن إنتاج الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية والإخبارية الحوارية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تكون مفتوحة في آن معاً على الرأي والرأي الآخر.
وكان الطيب زاهر، مدير مجلة “حقائق” المستقلة ورئيس نقابة مديري الصحف، قد دعا بعد لقاء جمعه برئيس مجلس النواب التونسي إبراهيم بودربالة، إلى أن “تساهم السلطات في معالجة معضلات قطاع الإعلام المالية والمهنية عبر التفاعل مع مطالب الصحافيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية التقليدية والإلكترونية، وبينها حسن توزيع الإعلانات وحملات الإشهار العمومية”.
ويرصد متابعون للإعلام أن الكثير من المؤسسات أصبحت غير قادرة على تشغيل صحافي واحد في مؤشر على خطر انهيار منظومة الإعلام في تونس حيث أصبحت لا تعبّر عن مشاغل الناس ولا تعكس حقيقة اهتماماتهم، إذ أن المهنة تشكو غياب صحافيين وإعلاميين جيدين، فمنظومة التكوين والتدريس تحتاج إلى عملية إصلاح ومراجعة.
قصور المؤسسات الإعلامية على المستوى المادي أو المهني ينعكس سلبا على أدائها وعلى جودة ما تقدمه من محتوى
ويؤكد هؤلاء أن الصحافة الجيدة هي نتاج المؤسسات الجيدة وعندما تكون المؤسسات تعاني قصورا سواء على المستوى المادي أو المهني مثل غياب الكفاءات فإن ذلك ينعكس سلبا على أدائها وعلى جودة العمل وجودة ما تقدمه من مادة إعلامية واخبارية، كما أن الإعلام والصحافة قد تم توظيفهما لخدمة أغراض سياسية نتيجة الدخلاء الذين اقتحموا قطاع الإعلام ونتيجة أن بعض أصحاب المؤسسات أصبحوا غير معنيين بالشروط التي تعمل فيها.
والتحدي اليوم داخل أوساط الإعلاميين والنخب المثقفة والسياسية في تونس هو كيفية تطبيق النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية والوطنية الخاصة بالحريات ومواثيق الشرف المهنية، في ظل اختلال موازين القوى بين من يعدّون الإعلام “سلطة مستقلة تلعب دور الحكم بين الشعب والسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية” والذين يعملون على العودة بها إلى مربّع “بيت الطاعة”.
من جهتها تركز النقابة على الاختلالات والانتهاكات التي تطال الصحافيين، وأفادت الثلاثاء، بأنّ وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية، سجّلت خلال شهر مارس الماضي 14 اعتداء على الصحافيين من أصل 19 إشعارا وردت عليها من خلال الاتصالات المباشرة، وعبر مراقبة مواقع المؤسسات الإعلامية ومتابعة البرامج والأخبار في وسائل الإعلام، أو من خلال رصد شبكات التواصل الاجتماعي.
وطالت الاعتداءات، وفق التقرير الصادر عن وحدة الرصد، 23 ضحية توزّعوا بين 20 صحفيا وصحافية ومصوّريْن صحافييْن وكرونيكور يمثّلون 14 مؤسسة إعلامية (7 قنوات إذاعية و3 مواقع إلكترونية و2 صحف مكتوبة وقناة تلفزيونية وحيدة ووكالة أنباء وحيدة)، مشيرة الى أن هذه المؤسسات الاعلامية تتوزع إلى مؤسسة مصادرة و8 مؤسسات خاصة و4 مؤسسات عمومية ومؤسسة جمعياتية.
وأوضحت أن الاعتداءات التي طالت الصحافيين خلال شهر مارس، تمثلت في 5 حالات تتبع عدلي و4 حالات منع من العمل و3 حالات مضايقة، إلى جانب حالة تحريض وحالة تدخل في التحرير، مضيفة أن الاعتداءات قد توزعت جغرافيا في ولاية تونس في 6 مناسبات وفي ولاية نابل في 3 مناسبات وفي كل من ولايتي بن عروس والقصرين في مناسبتين لكل منهما وفي ولاية زغوان في مناسبة وحيدة.