أزمة أوكرانيا تُبعد المستثمرين عن فلك الديون المصرية

تضاعف تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد ديون الحكومة.
الخميس 2022/03/10
نعيد حساباتنا لمواجهة مفاجآت السوق

شهدت مصر نزوح الملايين من الدولارات من سوق النقد الأجنبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل تأكيد المحللين بأن الجنيه يُتداول بأعلى من قيمته الحقيقية ووسط إقبال كثيف من المستثمرين على الخروج من الأسواق الناشئة إلى ملاذات أكثر أمانا.

القاهرة - تخلص مستثمرون أجانب من سندات خزانة مصرية بأكثر من مليار دولار خلال ثلاثة أيام فقط منذ مطلع هذا الأسبوع بسبب ما يحدث في شرق أوروبا، رغم استمرار النشاط في السوق الثانوية.

وتظهر بيانات للبورصة أن “غير المصريين” باعوا الثلاثاء الماضي سندات خزانة بقيمة 5.79 مليار جنيه (369.7 مليون دولار) بعد أن باعوا سندات بقيمة 500 مليون دولار يوم الاثنين و320 مليون دولار يوم الأحد.

ولا تعلن البورصة أرقام مبيعات أذون الخزانة، التي تبلغ آجال استحقاقها سنة أو أقل، لكن مصرفيين قالوا لرويترز إن الأجانب يبيعون السندات ذات الآجال الأقصر أيضا.

وواجهت السندات السيادية المصرية بالعملة الصعبة ضغوطا مع تداول العديد من الإصدارات الأطول أجلا عند أدنى مستوياتها القياسية أو بالقرب منها بين 63 و66 سنتا للدولار.

وزادت العلاوة التي يطالب بها المستثمرون للاحتفاظ بالسندات الدولارية في مصر على سندات الخزانة الأميركية الآمنة، إلى مستوى قياسي بلغ 980 نقطة أساس.

في المقابل، تضاعفت تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد ديون الحكومة المصرية، باستخدام ما يعرف باسم “مبادلة مخاطر الائتمان السيادية”، إلى أعلى مستوياتها في الأيام الأخيرة.

إيفون مانغو: لكم أن تتخيلوا مدى تأثير خروج الأموال من السوق

وذكرت مؤسسة “آي.أتش.أس ماركت” في مذكرة أن تكلفة مبادلة مخاطر الائتمان على الديون السيادية المصرية لأجل خمس سنوات بلغت 1078 نقطة أساس مقارنة مع 538 نقطة أساس عندما بدأ الغزو الروسي.

وكان مصرفيون قالوا الأسبوع الماضي إن ملايين الدولارات خرجت من السوق الثانوية في آخر أيام فبراير الماضي، وإن العائد على الأوراق المقومة بالجنيه المصري قفز بنسب تتراوح بين 30 و40 في المئة في المتوسط.

وقدر مصرفي أن المستثمرين الأجانب سحبوا 3 مليارات دولار منذ الخميس الماضي، بناء على تقدير العوائد الأعلى وزيادة النشاط في سوق العملة ما بين البنوك والمعلومات المستقاة من بنوك أخرى.

وبسبب الحرب في أوكرانيا تواجه مصر تكاليف أعلى بسبب احتياجها الشديد لاستيراد القمح، إضافة إلى فقدها عائدات من السياحة من الزائرين الروس والأوكرانيين لمنتجعات البحر الأحمر.

وقال مصرفيون إن تقليص المستثمرين مراكزهم بمصر منذ أواخر فبراير الماضي قد يؤدي إلى عجز كبير في الحساب الجاري والميزانية، فضلا عن الانكشاف على مخاطر احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) برفع أسعار الفائدة.

وأكد مصرفيون، لم تكشف رويترز عن هويتهم، أن المستثمرين باتوا يخشون تقلص قيمة حيازاتهم إذا اضطرت القاهرة لخفض قيمة عملتها.

ورجّح محللون لدى بنك الاستثمار “جي.بي مورغان” أن تكون ثمة حاجة إلى خفض كبير في قيمة الجنيه المصري الذي يرون أنها أعلى بأكثر من 15 في المئة.

وطرح البنك الأميركي في مذكرة حديثة ثلاثة سيناريوهات، الأول دون خفض قيمة العملة، والثاني مشابه للفترة 2014 و2015 عندما سمحت السلطات للعملة بالانخفاض بنحو 5 في المئة وآخر يشهد خفضا أكبر في القيمة في إطار برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.

وقال “جي.بي مورغان”، “ينتج عن تحليل السيناريو هذا انخفاض محتمل مرجح بنسبة 8.5 في المئة عن السعر الحالي” مضيفا أن سعره المستهدف هو انخفاض العملة إلى 17.25 جنيها للدولار.

وتظهر بيانات “رفينيتيف” أن سعر الدولار بلغ مؤخرا 15.72 جنيها أي أنه منخفض بواقع 10 في المئة عن السعر المستهدف لـ”جي.بي مورغان”.

ومنذ نوفمبر 2020 أبقى البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لأجل ليلة دون تغيير واستقر الدولار فعليا عند 15.7 جنيها مما ساعد في الحفاظ على الصورة القوية للعملة المحلية التي عززها استمرار نمو الاقتصاد خلال الجائحة.

ووفقا لبيانات المركزي كان المستثمرون الأجانب يملكون أذون خزانة لآجال تصل إلى عام قيمتها 20.55 مليار دولار بنهاية 2021 بالإضافة إلى مبلغ لم يتم الكشف عنه بآجال أطول.

وقالت إيفون مانغو الخبيرة في “رينيسانس كابيتال” أثناء مؤتمر عبر الإنترنت إن “هذه التدفقات من مستثمري المحافظ كانت تدخل سوق العملة المحلية وهذا موّل العجز في ميزان المعاملات الجارية”.

وتظهر بيانات رسمية أن عجز المعاملات الجارية ارتفع إلى 4 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة المالية الحالية، التي تنتهي في يونيو، من 2.8 مليار دولار قبل عام بسبب كلفة الواردات المتزايدة.

جي.بي مورغان ترى أنه يجب خفض سعر الجنيه لأنه أعلى بأكثر من 15 في المئة من قيمته

وأضافت مانغو في تعليقات أدلت بها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا “لذا فإن بإمكانكم أن تتخيلوا أن أحد المخاطر أو مصادر القلق هو ما يحدث عندما تتباطأ هذه التدفقات فعليا”.

ويشير الانخفاض الحاد في صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي المصري إلى مدى تزايد الضغط على سعر الصرف.

وتوضح بيانات المركزي أن صافي الأصول الأجنبية انخفض بنحو 750 مليون دولار في يناير الماضي من 11.85 مليار دولار في سبتمبر الماضي ليسجل أدنى مستوى له منذ أبريل 2017.

ومن العلامات الأخرى على الضغوط زيادة حادة في مزادات المركزي للودائع قصيرة الأجل للبنوك المحلية من خلال عمليات السوق المفتوحة.

وتؤكد الأرقام أن حجمها ارتفع من 23 مليار دولار منذ أكتوبر الماضي إلى 62.7 مليار دولار في الأول من مارس الجاري.

ويقول الكثير من المصرفيين إن هذه العمليات تهدف في جانب منها إلى امتصاص السيولة في السوق للحد من التضخم لكنها تعمل أيضا على تثبيط همم البنوك المحلية عن دفع المستثمرين الأجانب وما يجلبونه من نقد أجنبي للخروج من سوق أذون الخزانة.

وأشاروا إلى أنّ أي زيادة في أسعار الفائدة الأميركية سيتم على الأرجح امتصاصها في أسواق أذون الخزانة المحلية وعمليات السوق المفتوحة.

10