أزمات لبنان فرصة قطر لزيادة نفوذها على حساب السعودية

بيروت- تبعت معظم دول الخليج السعودية خلال السنوات الأخيرة ونبذت لبنان الذي يعاني من الأزمات، وذلك بسبب النفوذ المتزايد لجماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران.
لكن قطر كانت الاستثناء، حيث تعمل الدوحة على توسيع نفوذها في لبنان بصمت، وواصلت استقبال القادة اللبنانيين وضخ عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة القوات المسلحة في البلاد وسط الانهيار الاقتصادي.
وفي أواخر يناير الماضي بدأت الدوحة تحصد نتائج استثمارها، عندما عوضت شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة شركة روسية في تحالف دولي ينقب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة الساحل اللبناني.
وتنضم قطر اليوم الاثنين للمرة الأولى إلى مسؤولين من فرنسا والسعودية والولايات المتحدة ضمن اجتماع في باريس لإجراء مناقشات تركز على الأزمات السياسية والاقتصادية اللبنانية.
تصوّر قطر نفسها قوة أكثر حيادية في بلد شهد لعقود حروبا بالوكالة بين قوى خارجية استغلت الانقسامات الدينية والطائفية، في مقدمتها إيران.
ولطالما دعمت السعودية الفصائل السنية في لبنان وحاولت إضعاف النفوذ الإيراني الموجود من خلال حزب الله الشيعي. وتحاول قطر التي تربطها بإيران علاقات وطيدة دفع المفاوضات بين طهران ودول الخليج.
وقال محمد بزي، مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك، إن إدراج قطر في المحادثات المقبلة “هو إشارة إلى أن إيران لن تُستبعد تماما من ذلك الاجتماع واعتراف بنفوذ طهران على لبنان. تحاول قطر إحياء دورها كوسيط في البلاد مع مشاركة السعودية ودول الخليج الأخرى بشكل أقل حدة في لبنان”.
واعتبر بزي أن قطر التي تعدّ إحدى أغنى دول العالم بثروتها من الغاز الطبيعي “لم تظهر حتى الآن سوى القليل من الدلائل على استعدادها لإنقاذ لبنان بمفردها”.
انهار الاقتصاد اللبناني بسبب الفساد المستشري وسوء الإدارة منذ أواخر 2019. وخسرت العملة أكثر من 90 في المئة من قيمتها، مما أدى إلى انزلاق معظم السكان إلى براثن الفقر.
ويطالب المانحون الدوليون، ومن ضمنهم قطر، الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات للحصول على نحو 11 مليار دولار في شكل قروض ومنح. لكن السياسيين اللبنانيين قاوموا ذلك لأن الإصلاحات ستضعف قبضتهم على البلاد.
وليس تدخل قطر في لبنان جديدا؛ فقد ساعدت على إعادة بناء العديد من البلدات والقرى التي عانت من دمار كبير في جنوب لبنان بعد الحرب التي استمرت 34 يوما بين إسرائيل وحزب الله في 2006. وظهرت لوحات إعلانية ضخمة كُتبت عليها عبارة “شكرا يا قطر” في جميع أنحاء لبنان.
وسافر القادة السياسيون اللبنانيون إلى قطر في مايو 2008، بعد أن حارب حزب الله وحلفاؤه خصومهم المدعومين من الغرب في أسوأ قتال في بيروت منذ الحرب الأهلية 1975 – 1990، حيث توصلوا إلى اتفاق يعرف باسم “اتفاق الدوحة”.
وأنهت الصفقة جمودا دام 18 شهرا وساهمت في انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة. وساهم الهدوء الذي تبع ذلك في تدفق استثمارات أجنبية ضخمة، ونما الاقتصاد اللبناني بمعدل 9 في المئة لمدة ثلاث سنوات. كما افتتح الرئيس ميشال عون في بيروت المبنى الجديد للمكتبة الوطنية اللبنانية في ديسمبر 2018، بتمويل من قطر بكلفة 25 مليون دولار.
◙ قطر لم تدعم علانية أي حزب سياسي. لكن يقال إنها تدعم قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون
وكانت الشيخة موزة بنت ناصر المسند، والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، قد وضعت حجر الأساس للمشروع في قلب بيروت عام 2009.
وانسحبت السعودية من لبنان في السنوات الأخيرة بعد تنامي قوة حزب الله. وأعلن الحليف الرئيسي للسعودية في لبنان، رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، وهو مواطن لبناني – سعودي، تعليق عمله في السياسة في العام الماضي.
وحظرت الرياض عام 2020 استيراد المنتجات اللبنانية بعد أن سخر مسؤول لبناني من التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن. وتبعت ذلك دول خليجية أخرى، لكن قطر لم تقم بذلك.
وضاعفت قطر استثماراتها إثر انهيار الاقتصاد اللبناني. واشترى المستثمرون القطريون فندق “لو فيندوم بيروت” الشهير المطل على البحر المتوسط في 2020.
وتفيد تقارير بأن الدوحة تخطط لضخ الأموال في القطاع المصرفي اللبناني المتعثر لشراء أحد المقرضين في البلاد.
وفي يونيو تبرعت قطر بمبلغ 60 مليون دولار لدعم رواتب عناصر الجيش اللبناني، وكانت بالفعل تدعم الجيش بإمدادات غذائية شهرية.
ولطالما كان تعزيز الجيش اللبناني سياسة للولايات المتحدة التي ترى فيه ثقلا موازيا لحزب الله. وانضم وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي إلى المسؤولين اللبنانيين في بيروت خلال حفل للتوقيع على اتفاق لقطر للحصول على حصة 30 في المئة في تحالف التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية قبل أسبوع، بعد ثلاثة أشهر من توقيع لبنان وإسرائيل اتفاقية الحدود البحرية بوساطة أميركية.
وقال الكعبي خلال الحدث إن “هذه الاتفاقية المهمة تمنحنا فرصة لدعم التنمية الاقتصادية في لبنان خلال هذا المنعطف الحرج. إن قطر حاضرة دائما لدعم مستقبل أفضل للبنان وشعبه”. ووفقا للاتفاقية، ستستحوذ شركة قطر للطاقة على حصة 20 في المئة التي أخلتها شركة نوفاتك الروسية، بالإضافة إلى 5 في المئة لكل من شركة إيني الإيطالية العملاقة وتوتال إينرجي الفرنسية، مما يترك للشركة العربية حصة تبلغ نسبتها 30 في المئة. وستمتلك توتال وإيني حصة 35 في المئة لكل منهما. وقال وزير الطاقة اللبناني السابق سيزار أبي خليل إن “هذا وضع يربح فيه كل من لبنان وقطر”. وستحصل قطر على حصة من موارد الغاز المحتملة في المياه اللبنانية، بينما سيحصل لبنان على مصداقية شركة قطرية في المشروع.
ولم تدعم قطر علانية أي حزب سياسي. لكن يقال إنها تدعم قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، وتأمل أن يصبح الرئيس المقبل للبلاد.
ودعي عون، الذي لا علاقة له بالرئيس المنتهية ولايته، إلى زيارة قطر في ديسمبر، والتقى بمسؤولين رفيعي المستوى. ويعتقد أن حزب الله يعارضه.
وقال الاقتصادي اللبناني أنطوان فرح لوكالة أسوشيتد برس “إن قطر تعمل على تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية معا؛ فهي تضمن الدخل من استثماراتها بينما تكتسب دورا سياسيا في البلد الذي تستثمر فيه”.
لكن الصحافي في جريدة “النهار” اللبنانية اليومية علي حمادة قال إن قطر سترغب، مثل دول الخليج الأخرى، في رؤية القادة السياسيين اللبنانيين يجرون إصلاحات جادة. يجب على لبنان أن يساعد نفسه لكي يساعد العرب لبنان. وأكد حمادة أنه “لا يمكن للسياسيين اللبنانيين الجلوس وانتظار هطول الأموال من السماء”.