أزمات البنوك العالمية تزيد مشاكل مصر المالية

تأخر الحصول على قرض صندوق النقد يدق أجراس الإنذار أمام المقرضين ويلفت الأنظار إلى التأثير المدمر الذي أحدثته سيطرة مؤسسة الجيش على الاقتصاد المصري.
الجمعة 2023/04/14
الحكومة تتلكأ في الاستجابة لمطالب المقرضين بفتح شركات كبرى يمتلكها الجيش

القاهرة- زادت أزمة البنوك العالمية الضغوط التي تتعرض لها مصر التي تواجه تردد المقرضين، بمن فيهم صندوق النقد الدولي وكذلك الشركاء الخليجيون الذين ساعدوا القاهرة في سنوات ماضية على توفير السيولة التي تحتاجها لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

واعتمدت مصر في بداية الأزمة على سياسة تقتصر على تحصيل قرض من صندوق النقد الدولي والمساعدة من الحلفاء الخليجيين التقليديين، وتنظيم عمليات بيع للأصول المملوكة للدولة، والاعتماد على التدفقات الرأسمالية لتحقيق الاستقرار المالي من خلال مواصلة الاقتراض من الأسواق الدولية مع إبقاء سعر الصرف ثابتا والفائدة مرتفعة، بما يضمن للمقرضين عوائد كبيرة.

لكن هذه السياسة لم تحقق نتائج ذات قيمة مع فشل النظام المصري في تأمين التدفقات المالية المطلوبة، وتأخر الحصول على قرض متواضع من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار في ديسمبر 2022. وكان من المفترض أن يندرج هذا القرض ضمن حزمة تمويل أكبر بقيمة 14 مليار دولار من الحلفاء الإقليميين.

ودق تأخر الحصول على قرض صندوق النقد أجراس الإنذار أمام المقرضين، ولفت الأنظار إلى التأثير المدمر الذي أحدثته سيطرة مؤسسة الجيش على الاقتصاد المصري خاصة في ظل تلكؤ الحكومة المصرية في الاستجابة لمطالب المقرضين بفتح شركات كبرى يمتلكها الجيش أمام المستثمرين وعدم الاكتفاء بطرح شركات صغيرة.

ماجد مندور: تخفيض العملة مجددا هو السيناريو الحتمي أمام مصر خلال هذه المرحلة
ماجد مندور: تخفيض العملة مجددا هو السيناريو الحتمي أمام مصر خلال هذه المرحلة

وتسبب هذا التلكؤ في تزايد مخاوف المستثمرين من بقاء النموذج الاقتصادي عرضة للأزمات، وشكوكهم في قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالديون.

وفشلت سياسة النظام المصري القائمة على الْتِماس المساعدات من دول الخليج مع ابتعاد هذه الدول عن سياستها التقليدية التي كانت تمنح مساعدات غير مشروطة تقريبا. وتطالب السعودية والإمارات، على سبيل المثال، بإصلاح اقتصادي هيكلي قبل تقديم أي التزامات مالية، مما يشكل ضغطا كبيرا على النظام الذي تجنب تنفيذ أيّ إصلاحات جوهرية.

ويطالب الحلفاء الخليجيون الآن بحصص في أكثر الشركات العامة قيمة في مصر مقابل استثماراتهم. ولم يسر هذا وفقا لخطة النظام الذي أعلن في فبراير عن برنامج بيع حصص في 32 شركة عامة على مدى سنة.

لكن بعض المؤشرات تدلّ على أن البرنامج يتعثر. وأفاد تقرير صادر في 21 مارس 2023 بأن صفقة بيع 10 في المئة من حصة شركة المصرية للاتصالات توقفت في اللحظات الأخيرة بسبب ظروف السوق المعاكسة.

ويواصل الافتقار إلى تدفقات رأس المال تسليط الضغط على النظام وهدفه النهائي المتمثل في تحقيق الاستقرار المالي للدولة.

وتكمن إحدى ركائز هذه السياسة في استقرار سعر الصرف الذي من شأنه أن يوفر شبكة أمان لأولئك الذين يستثمرون في أدوات الدين المصرية. ولم يتحقق هذا رغم أن الجنيه قد عانى من عدد من التخفيضات، حيث فقد نصف قيمته في أقل من عام واحد. ويتزايد الضغط الآن من أجل تخفيض آخر لقيمة العملة.

ويرى المحلل الاقتصادي ماجد مندور أن تخفيض قيمة العملة مرة أخرى هو السيناريو الحتمي أمام نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال هذه المرحلة.

ويحذر مندور، في تقرير بموقع “عرب دايجست”، من أن الجولة الأخيرة من تخفيضات العملة لن تكون فعالة ما لم تتبعها تدفقات رأسمالية، وهو ما لم يحدث، مشيرا إلى أن هذا انعكس بالفعل في فشل طرح السندات في الرابع من أبريل، حيث لم تبع مصر سوى 0.04 في المئة من إصدار السندات المقومة بالعملة المحلية والبالغة قيمته ثلاثة مليارات جنيه.

وعلل مندور تضاؤل ​​الطلب بالانخفاض المحتمل لقيمة العملة، والمتوقع حدوثه قريبا.

ويكمن الخيار الوحيد أمام مصر في رفع أسعار الفائدة على أمل أن يمكّن ذلك من تأمين ما يكفي من العملة الصعبة لتحقيق الاستقرار في قيمة العملة، وهي سياسة قد توفر تخفيفا على المدى القصير ولكن المعاناة تبقى طويلة الأمد. وكان هذا ما حدث في 22 فبراير حين طرحت مصر صكوكا إسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار وبعائد نسبته 11 في المئة لتمويل مشاريع استثمارية وتنموية مدرجة في الموازنة العامة.

ويحتدّ الوضع كذلك تزامنا مع بروز علامات ضعف النمو، حيث تراجع البنك الدولي في توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر من 4.5 إلى 4 في المئة. ومن المنتظر أيضا أن ترتفع نسبة الدين الحكومي من 88 إلى 95 في المئة خلال السنة المالية 2022 – 2023.

ويتوقع مندور أن يواجه النظام المصري المزيد من العقبات للوصول إلى الائتمان الرخيص مع تشديد الائتمان الدولي وتنامي خطر أزمة ائتمانية محتملة، وأن مثل هذا السيناريو سيخلق المزيد من الضغط لرفع أسعار الفائدة في محاولة لجذب المستثمرين.

لكن احتمال نجاح هذه السياسة يبقى محدودا، ومن المرجح أن تؤدي إلى احتداد الأزمة بالتزامن مع اشتداد الضغط على مالية الدولة.

ولن يكون أمام الرئيس المصري من خيار سوى العودة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض آخر من المحتمل أن تكون له شروط أكثر صرامة، حيث لا يؤدي تباطؤ النظام في الإصلاحات إلا إلى الحد من خياراته السياسية في ظل تنامي الأزمة.

 

• اقرأ أيضا:

         مصر وفهم الخليج الجديد

1