أزمات الأردن الداخلية تتفاعل منذرة بانفجار شعبي

القوة الخشنة سيناريو مطروح في غياب الحلول وتصاعد حالة الاحتقان.
الجمعة 2021/03/19
خيارات محدودة أمام تعاظم التحديات

تحديات داخلية كبيرة تواجه الأردن لعل أخطرها حالة السخط الشعبي المتنامية من القيود المفروضة على وباء كورونا والتي شكلت استنزافا كبيرا لجيوب المواطنين، وسط مؤشرات عن إمكانية تفجر موجة احتجاجات شبيهة بتلك التي جرت في العام 2018، والتي انتهت حينها باستقالة حكومة هاني الملقي.

عمان – تتفاعل الأزمات الداخلية في الأردن، لتتحول إلى أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة تهدد بانفجار شعبي، وهو ما بدأت تتحسب له الأجهزة الأمنية، في غياب أي حلول عملية أمام حكومة بشر الخصاونة، لتخفيف الاحتقان.

ويشهد الأردن حالة غليان، جراء فشل الإجراءات المتخذة تباعا منذ عام لاحتواء وباء كورونا الذي يشهد اليوم موجة ثالثة غير مسبوقة، حيث بلغت أعداد الإصابات فيها أرقاما قياسية في الأيام الأخيرة في ظل تلويح الحكومة بإمكانية فرض حظر شامل جديد.

ومنذ ظهور فايروس كورونا بالمملكة مطلع مارس 2020، فرضت السلطات العديد من الإجراءات المشددة لمواجهة الوباء، كان من أبرزها تعليق التعليم بالمدارس وفرض حظر تجوال شامل وجزئي على فترات، وغيرها.

تقول أوساط سياسية أردنية إن هناك حالة إنهاك عامة جراء كورونا والقيود المفروضة، وإن المواطن الأردني لم يعد قادرا على احتمال هذا الوضع لاسيما مع تراجع قدرته الشرائية، وغياب أي خطط حكومية لدعمه، فضلا عن قناعته بأن الإجراءات المتخذة لاحتواء الوباء طغى عليها الطابع الارتجالي ولم تحقق أي نتائج إيجابية، بل على العكس فاقمت من أزماته.

وتضيف الأوساط أن أزمة ثقة اليوم عميقة بين الدولة ومؤسساتها من جهة والمواطن من جهة أخرى، وسيناريو تكرار احتجاجات 2018 التي انتهت بالإطاحة بحكومة هاني الملقي بات واردا وبقوة، وأن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يأخذ هذا الأمر في الاعتبار، وربما يكون ذلك من الدوافع التي جعلته يتحاشى إقالة حكومة الخصاونة الآن، لإلقاء هذه الورقة كآخر الحلول إذا ما تفاقمت الأمور.

وشهد الأردن مؤخرا مسيرات احتجاجية رفضا للقيود المفروضة لاحتواء كورونا، وسط ترجيحات بأن تتصاعد موجتها في الفترة المقبلة، في ظل حالة غضب من طريقة تعاطي الحكومة التي اتسم أداؤها حتى الآن بالارتباك والاهتزاز، وهو ما ترجم في موجات الاستقالة والإقالة والتوبيخات الملكية المتوالية للمسؤولين، وآخرها في حادثة السلط التي شكلت للشارع النقطة “التي أفاضت الكأس”.

أزمة ثقة عميقة بين الدولة والمواطن، وسيناريو تكرار احتجاجات 2018 التي انتهت بالإطاحة بحكومة هاني الملقي وارد وبقوة

وأسفرت حادثة انقطاع الأكسجين في مستشفى “السلط الجديد”، السبت الماضي عن وفاة 7 مصابين بكورونا، ما أدى إلى إقالة وزير الصحة نذير عبيدات، وتوقيف مسؤولين، وأثارت الحادثة موجة غضب شعبي عارمة.

ويخشى الكثيرون من أن تعمد الحكومة إلى التوجه نحو القوة الخشنة لترهيب الشارع الذي يبدو متحفزا أكثر من أي وقت مضى، لافتين إلى أن العديد من المؤشرات توحي بذلك، وبينها بدء ملاحقات لنشطاء، وشن حملات “شيطنة” استباقا لأي تحركات اجتماعية.

وأعلن الأمن العام الأردني الخميس رصد فيديوهات لتصنيع زجاجات مولوتوف لاستخدامها أثناء الاحتجاجات. ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، قوله إنه “جرى رصد عدد من الفيديوهات التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر خلالها مجموعة من الأشخاص يقومون بتجهيز زجاجات المولوتوف لاستخدامها أثناء الاحتجاجات”.

وأكد الناطق أن “فرقا أمنية تحقيقية متخصصة باشرت التحقق وتتبع تلك الفيديوهات، لتحديد مكان وزمان تصويرها والأشخاص الذين ظهروا خلالها لإلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة”.

ويرى مراقبون أن خيار توظيف القوة الخشنة مطروح وبقوة، لاسيما وأن الحكومة تبدو عاجزة عن اجتراح أي حلول للتخفيف من غضب الشارع، سواء لجهة عدم قدرتها على تقليص الإجراءات المتخذة حتى الآن ضد الوباء، مع انتشاره السريع داخل المملكة، أو في ظل عدم امتلاكها لرؤية واضحة لحلحلة الأزمة الاقتصادية مع انخفاض عوائد السياحة وتحويلات العاملين في الخارج.

Thumbnail

ويبدو أن الوضع الإقليمي والدولي نفسه لا يخدم المملكة التي تراجعت على سلم أولويات الدول الداعمة، بشكل أثر كثيرا على وضعها المالي في ظل أرقام صدرت مؤخرا عن البنك الدولي وتبدو أكثر تشاؤما حيال المشهد الاقتصادي الأردني، حيث توقع البنك أن يبلغ معدل الانكماش 3.5 في المئة العام الحالي، وأن يتخطى الدين العام 50 مليار دولار، بعد أن كان في حدود 47 مليار دولار العام الماضي.

ويشير المراقبون إلى أن الحكومة ستعمد إلى استغلال قانون الدفاع الذي جرى الإعلان عنه منذ عام تقريبا، والذي يمنح السلطات التنفيذية هامشا أكبر في التصرف، وهذا ما دفع مؤخرا نشطاء إلى تصعيد حملتهم لإنهاء العمل به، لاسيما وأنه لم يحقق الهدف المرجو منه وهو احتواء أزمة كورونا، والأخطر أنه تحول إلى أداة لدى السلطات لقمع الحريات.

وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة اليرموك (حكومية) كريم كشاكش للأناضول “إن قانون الدفاع استثنائي، لم يفعّل إلا لجائحة كورونا، على ألا يمس الحقوق، ويجب أن يكون في نطاق الدستور”. وبيّن أن “هناك تجاوزات للسلطة التنفيذية من خلال التطبيق العملي، فالقانون لا يقيد سقوف الحريات العامة”.

وتابع “القانون يحتاج إلى تعديل جوهري، فهو لا يعاقب إلا على الجنحة ولم يتناول الجناية، كما أنه لم يحقق توازنا بين حقوق الأفراد والجانب الاقتصادي”. وشدد كشاكش على أنه “يجب ألا يبقى هذا القانون لعام آخر، فأنا لا أرى حاجة له، فهو يتيح لرئيس الوزراء إساءة استخدام السلطة، وحصر القرارات بيده”.

وأشار إلى أن “المبرر الحقيقي لوقف القانون على الفور هو عدم حاجتنا له، لتعطيله العمل القانوني وإعطائه فرصة لتجاوز حدود السلطة”. وتساءل “ماذا صنع قانون الدفاع بانقطاع الأكسجين عن مستشفى السلط؟ هناك قوانين بديلة تفي بالغرض كقانون الصحة العامة”.

وأكد كشاكش “ليس هناك أي قرارات مدروسة، ما أدى إلى خلل في الجوانب الاقتصادية والتعليمية (…) لا تسقط الأمم إلا بتدمير التعليم والأسرة والعلماء، لا بد من إعادة النظر بما يحمي الحقوق والقوانين والسلطة العامة”.

وكان قانون الدفاع قد جرى تفعيله خلال عهد حكومة عمر الرزاز، وقد طالبت العديد من القوى السياسية والفعاليات المجتمعية والنقابية بضرورة وقف العمل به، ويعتقد كثيرون أن إمكانية إيقاف العمل به محسومة لدى السلطة التنفيذية، التي تراهن عليه لاحتواء التحركات الاحتجاجية.

Thumbnail
2