أرشيف حسابات المتناقضين في أيدي المغردين

القاهرة- باتت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر سلاحا ذا حدين للمشاهير من الإعلاميين والكُتاب، الذين يتحولون في مواقفهم وآرائهم من وقت لآخر، وفقا لتغيّر المناخ السياسي أو تبدل مراكز القوة، وربما في القليل من الأوقات عن قناعات حقيقية.
وصار من المعتاد أن يحتفظ بعض النشطاء بتغريدات وعبارات بعينها سبق لمشاهير وشخصيات عامة إطلاقها، بحالة “السكرين شوت” (التقاط صورة شاشة) لتوثيق تحولاتهم والسعي إلى فضحها.
وشهدت الأيام الماضية نشاطا واضحا لحملات افتراضية عمدت إلى انتقاد بعض الإعلاميين المصريين من خلال إعادة بث آراء سابقة لهم، انقلبوا عليها لاحقا، ما تسبب في إحراجهم أمام الجمهور.
وكان الإعلامي والصحافي المصري مصطفى بكري، والذي يقدم نفسه على أنه مقرب من دوائر صنع القرار، بطلا للواقعة الأخيرة من عملية الفضح الإلكتروني بعد أن دشن نشطاء هاشتاغا بعنوان #رجل_كل_العصور ضم جانبا من تغريداته على مدى سنوات عديدة.
وبدَت آراء بكري متغيرة ومتناقضة من وقت لآخر، وتضمنت وصفه للرئيس الأسبق حسني مبارك بأنه ضمان للديمقراطية، ثمّ هجومه عليه بعد تخليه عن السلطة في عام 2011، وتهنئته للرئيس الإخواني محمد مرسي عند فوزه بالرئاسة عام 2012، ثُم انقلابه عليه بعد ذلك، وصولا إلى تأييده المطلق للنظام السياسي الحالي وتدشين حملة معارضة وهجوم على كل من يعدون خصوما للحكومة المصرية الحالية.
ويرى بعض المغردين أن ذاكرة مواقع التواصل تمثل حائط صد جديدا يحد من انقلابات وتحولات الكثير من الشخصيات العامة. ويؤكد هؤلاء أن خاصية “السكرين شوت” تُعد جرس إنذار للمغردين من المشاهير لعدم المبالغة في آرائهم سلبا أم إيجابا، حتى لا تتأثر صورتهم أمام الجمهور عند إعادة بث تلك الآراء في زمن آخر.
ولم يعد التنصل من الآراء السياسية أمرا سهلا، بعد أن أضحت مواقع التواصل أداة لمراقبة وتحليل وكشف كل فكر ورؤية متناقضة. وهنا باتت المنصات أشبه بأرشيف رقمي ضخم يحمل الكثير من الحكايات والتواريخ الهامة الشاهدة على مراحل مرّت بها دول وشخصيات، وقادرة على العصف بكل من لا يتحرى الدقة في كل كلمة منشورة باسمه أو على حسابه الشخصي.
وعلى الجانب الآخر، يرفض البعض حملات التوثيق على منصات التواصل، باعتبارها مسألة غير أخلاقية لا تخلو من نوايا سيئة. وتؤكد دعاء سليط، خبيرة المواقع الإلكترونية، أن هناك حملات منظمة ومقصودة للنيل من شخصيات بعينها، اعتمادا على آراء سابقة أو كلام منسوب لها، وتقع تحت طائلة قانون جرائم الإنترنت.
وتقول لـ”العرب” إن الشخصيات العامة لا تلجأ في الغالب إلى مقاضاة موجهي الحسابات في مثل هذه الحالات، لزيادة أعدادهم وصعوبة تتبعهم. وترى أن التنافس والغيرة قد يدفعان بعض الزملاء إلى توظيف مستخدمين وهميين لشن هجوم على زميل لهم.
ورغم أنه من حق أي شخص أن يُغيّر آراءه ومواقفه، استنادا إلى قناعات ذاتية، إلا أن الكثير من المشاهير سعوا إلى التنصل من آراء وعبارات سبق وطرحوها تتناقض مع مواقفهم الحالية عبر عدة طرق.
وتمثلت الطريقة الأولى للإفلات من المحاكمات الافتراضية في تكذيب التغريدات السابقة تماما وحذفها تماما من الحسابات أو الصفحات الرسمية لهم. ويؤدي الحذف الرئيسي من المنبع إلى إغلاق الوصلات المنسوخة للتغريدات المستخدمة في التوثيق.
وتوضح دعاء سليط، أنهم في هذه الحالة يبطلون أدلة المنتقدين، تحت دعوى أن مقاطع “السكرين شوت” تم تزويرها من خلال برنامج “فوتوشوب”. وثمة طريقة أخرى تتمثل في قيام مشاهير الإعلام بالقول إن آراءهم السابقة كانت بمثابة عبارات تكتيكية مقصودة.
ويلجأ آخرون إلى الاعتراف بالآراء السابقة، غير أنهم يؤكدون أنها كانت نتاج معلومات مغلوطة. وتبقى الطريقة الأهدأ في التعامل هي تجنّب الرد من الأساس على حملات الهجوم.