أردوغان يكسب جولة ويخسر ثقة الحلفاء الغربيين

روجت وسائل إعلام حكومية تركية الأربعاء لنصر حققه الرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن استجابت فنلندا والسويد للمخاوف الأمنية التركية ما رفع الفيتو عن انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أن مراقبين يؤكدون أن أردوغان قد كسب جولة من "معركة" طويلة الأمد.
مدريد - أطلق حلف شمال الأطلسي (الناتو) رسميا الأربعاء آلية انضمام السويد وفنلندا إليه بعد رفع تركيا لفيتو كان استخدمه الرئيس رجب طيب أردوغان لتحقيق مكاسب، إلا أن محللين يرون أن أردوغان ربما كسب جولة لكنه خسر ثقة الحلفاء الغربيين باتباعه سياسة الابتزاز.
ويقول المحللون إن تهديد الرئيس التركي بمنع توسيع الحلف بضم فنلندا والسويد يثير الشكوك بشأن الاعتماد على أنقرة كعضو في التحالف مستقبلا ويهز مناخ الثقة.
وينظر على نطاق واسع إلى الأزمة في حلف الناتو، والتي كان أردوغان نقطة محورية لها، على أنها تصدير لا هوادة فيه لقضية رئيسية للبلاد إلى الحلف في منعطف حرج للغاية.
وقال فريديريك كيمبي الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي "لقد كانت مسرحية بارعة من قبل أردوغان الذي اغتنم هذه اللحظة بأقصى قدر من النفوذ لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مصالحه الأمنية التركية والسياسة الداخلية".
وليست هذه المرة الأولى التي تهدد فيها تركيا بعرقلة أمن حلف الأطلسي، ما لم يكن الأمر يخدم مصالحها الضيقة. وقبل عامين، وعلى مدار عدة أشهر، عطلت تركيا خطة دفاعية للحلف بشأن بولندا ودول البلطيق، وطالبت الدول الأعضاء خلال هذه المدة بالتحرك ضد جماعة كردية سورية لعبت دورا محوريا في الحرب ضد تنظيم داعش.

وقد تراجع أردوغان حينذاك، وهو ما قد يفعله ثانية بشأن مسألة توسيع الحلف، ولكن الناتو لا يستطيع تحمل سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الرئيس التركي. ولا تسمح قواعد حلف الأطلسي بطرد أحد الأعضاء، ولكن التجاهل المتعمد من أردوغان للصالح العام يشير إلى الحاجة إلى مراجعة هذه القواعد.
وقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراجعة القواعد الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وهي بالمثل لا تسمح بطرد أي عضو. ويستطيع الرئيس الأميركي جو بايدن أيضا أن يطلق بالون اختبار في ما يتعلق بالناتو في هذا الشأن.
وأشادت وسائل إعلام تركية موالية للحكومة باتفاق يسمح لفنلندا والسويد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره انتصارا للرئيس أردوغان، قائلة الأربعاء إنه تمكن من انتزاع مكاسب ملموسة من الغرب في حرب بلاده ضد الإرهاب.
وتخلت تركيا بموجب الاتفاق الذي كان بمثابة مفاجأة للكثيرين عن معارضتها لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي. وأنهى الاتفاق خلافا استمر لأسابيع ووضع وحدة الحلف الدفاعي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا موضع اختبار قبل اجتماع لقادته هذا الأسبوع في مدريد.
وقالت صحيفة "صباح" في عنوانها الرئيسي "انتصار الرئيس أردوغان في مدريد" وتحته صورة له وهو يقف بجانب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في صورة جماعية بعد توقيع الاتفاق. وقالت الصحيفة إن "رؤية أردوغان الحاسمة والقيادية حظيت بقبول جميع وجهات النظر التركية في الحرب ضد الإرهاب".
وسلطت الصحف الموالية للحكومة الضوء على مذكرة أصدرها مكتب أردوغان قبل نشر تفاصيل الاتفاق في مدريد، في حين لم تقدم وسائل الإعلام المستقلة والمناهضة للحكومة الأصغر عددا بكثير تغطية تذكر للتطورات أو التعليق على الاتفاق.
وأوردت صحيفة "أقشم" الموالية للحكومة بنود الاتفاق، مشيرة إلى أنه سيضع الأساس لآلية مراقبة كانت أنقرة تسعى لها. وقالت إنه يشمل “تسع ضمانات لتركيا".
وتعهدت الدولتان الأسكندنافيتان بعدم دعم الجماعات التي تعتبرها أنقرة كيانات إرهابية، وأعلنتا التزامهما بمنع أنشطة حزب العمال الكردستاني المسلح وفروعه.
كما قال البيان إن فنلندا والسويد لن تدعما وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تقول أنقرة إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني.

ودائما ما تطالب تركيا منذ أكثر من 70 عاما الشركاء بوقف دعم وحدات حماية الشعب، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم داعش في سوريا. وتبادلت على نحو متكرر الانتقادات مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وهولندا ودول أخرى بشأن هذه المسألة.
وقال وزير العدل التركي بكر بوزداج الأربعاء إن بلاده ستجدد طلبات كانت قدمتها للسويد وفنلندا لتسليم أفراد تعتبرهم إرهابيين. وأوضح بوزداج أن "ملفات عن ستة أفراد من حزب العمال الكردستاني وستة أفراد من شبكة غولن لا تزال رهن الانتظار في فنلندا، وملفات تتعلق بعشرة أعضاء في شبكة غولن و11 في حزب العمال الكردستاني قيد الانتظار في السويد (..) سنراسل الدولتين بشأن تسليمهم بعد الاتفاق ونذكرهما".
لكن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو قال للصحافيين الثلاثاء إن المذكرة الثلاثية التي وقعتها بلاده وتركيا والسويد لتأكيد دعم أنقرة لمحاولة دولتي الشمال الأوروبي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لا تتضمن أسماء أفراد لتسليمهم.
وقال نينيستو إن المذكرة تصف مبادئ تسليم المجرمين المتعلقة بالإرهاب، ولا تتضمن أفرادا. وكانت وزيرة خارجية السويد آن لينده انتقدت ما قالت إنه "تضليل" حول السويد وحزب العمال الكردستاني، بعد أن اتهمت تركيا بلادها بتقديم الدعم للجماعة المسلحة، ما يعقد توسيع حلف شمال الأطلسي.
وكتبت آن لينده على تويتر "نظرا إلى الانتشار الواسع للمعلومات المضللة حول السويد وحزب العمال الكردستاني، نود التذكير بأن حكومة أولوف بالمه (السويد) كانت أول من صنف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية عام 1984 بعد تركيا".
وقالت دفني أرسلان كبيرة مديري المجلس الأطلسي في تركيا، إن كل الأنظار تتجه الآن إلى الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي ستتبع فنلندا والسويد في اتخاذ إجراءات للضغط على المسلحين الأكراد الذين تدعمهم في سوريا.