أردوغان يصعّد ضد معارضيه في حملة انتخابية مبكرة

يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معارك على أكثر من جبهة لاستعادة شعبيته التي تضرّرت بشدة على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية وعلى خلفية حملات قمع ممنهجة استهدفت كل من يعارض سياساته أو ينتقدها. ومع تراجع شعبيته استنجد أردوغان بالتهم الجاهزة لضرب منافسيه قبل انتخابات 2023 والتي قيل الكثير عن اختلافها عما سبق.
واشنطن- عمقت جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استهداف معارضيه السياسيين توتير الأجواء المتعكرة أصلا بين أنقرة وحلفائها الغربيين، فيما انخرط حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم وحليفه اليميني المتطرف حزب الحركة القومية في حملة انتخابية مبكرة وقودها توظيف تهم الإرهاب ونظريات المؤامرة ضد رموز المعارضة.
وحذّرت الولايات المتحدة الأربعاء من أن الجهود التي تبذل لحظر حزب رئيسي موال للأكراد في تركيا ستشكل تقويضا للديمقراطية هناك، معبرة عن استيائها من عداء تركيا للديمقراطية والتعددية والحريات.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس ”نراقب بدء الجهود لحل حزب الشعوب الديمقراطي، وهو قرار سوف يطيح دون مبرر بإرادة الناخبين الأتراك ويؤدي إلى المزيد من تقويض الديمقراطية في تركيا وحرمان الملايين من الأتراك من تمثيلهم الذي اختاروه”.
وقدم مدع عام تركي التماسا إلى المحكمة الدستورية للمطالبة بحظر حزب الشعوب الديمقراطي لاتهامه بأنشطة “إرهابية”.
وذكرت نسخة من لائحة اتهام الادعاء أن المدعي قال إن حزب الشعوب الديمقراطي لا يختلف عن حزب العمال الكردستاني المحظور، وأنه لعب دورا نشطا في تجنيد أفراد للحزب المسلح. وينفي حزب الشعوب أي صلة له بالمقاتلين
ويأتي هذا التطوّر على خلفية انتقادات يوجّهها منذ أسابيع أردوغان وشريكه في الائتلاف الحكومي حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، لحزب الشعوب الديمقراطي.
ويتّهم أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي بأنه “واجهة سياسية” لحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ حركة تمرد دموية في تركيا وتصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”.
ويأتي طلب حظر الحزب، ثالث أكبر التشكيلات السياسية في تركيا، بعد ساعات على إبطال البرلمان التركي نيابة فاروق جرجرلي أوغو، العضو في الحزب.
وينفي حزب الشعوب الديمقراطي بشدة الاتهامات الموجّهة له بممارسة “أنشطة إرهابية”، ويقول إنه ضحية حملة اضطهاد بسبب معارضته لأروغان.
ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي ثاني أكبر فصيل معارض في البرلمان التركي، ويقول إنه يتعرّض لحملة قمع عنيف منذ اعتقال زعيمه صلاح الدين دميرتاش في العام 2016.
ومذّاك أوقف المئات من أعضاء الحزب وتم تبديل العشرات من رؤساء البلديات التابعين له في جنوب شرق تركيا حيث يشكل الأكراد غالبية، وتعيين آخرين اختارتهم الحكومة محلهم.
وتضاعفت حدة الانتقادات الموجّهة إلى حزب الشعوب الديمقراطي بعد عملية عسكرية تركية فاشلة لتحرير 13 رهينة يحتجزهم حزب العمال الكردستاني في العراق، انتهت بمقتل جميع المحتجزين منتصف فبراير، إلا أن تصيّد الرئيس التركي لمعارضيه السياسيين لم يقف عند حدود حزب الشعوب الديمقراطي بل امتد لحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا.
ورفع أردوغان الخميس، دعوى قضائية ضد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو لانتقاده فشل مهمة إنقاذ الرهائن الأتراك في شمال العراق.

ويطالب أردوغان زعيم المعارضة بدفع 500 ألف ليرة (نحو 71 ألف دولار) بسبب تصريحات أدلى بها خلال اجتماع عقد الثلاثاء الماضي اتهم فيه أوغلو أردوغان بأنه المسؤول الرئيسي عن فشل عملية إنقاذ المحتجزين.
واتهمت الشكوى المقدمة ضد أوغلو برغبته في الإضرار بـ”شرف الرئيس وسمعته” من خلال تبرئة حزب العمال الكردستاني وتحميل أردوغان مسؤولية فشل مهمة الإنقاذ، بكونه “تقييم لا أساس له من الصحة” و”اعتداء خطير على الحقوق الشخصية”.
واتهم الحزب أردوغان الأربعاء بـ”استخدام القضاء كأداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي”، قبل عامين من موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يبدو أن الحكومة ستخوض خلالها معركة قاسية في ظل التحديات الاقتصادية.
وتابع حزب الشعوب الديمقراطي “أن عدوانيتهم دليل على ذعرهم”، مؤكدا “مهما فعلوا، لن نرضخ أبداً ولن نستسلم سنواصل مقاومتنا الديمقراطية بكل تصميم”.
واعتبرت إيما سنكلير مديرة مكتب منظمة هيومن رايس ووتش في تركيا في تغريدة “إنه هجوم مروع على القواعد الديمقراطية وسيادة القانون كما أنه انتهاك للدستور التركي والالتزام بالقانون الدولي”.
وفاقمت المطالبة بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي مخاوف الدول الغربية بشأن سيادة القانون في تركيا، فيما تسعى أنقرة إلى تهدئة التوتر الذي يخيّم على علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وسيؤدي الحظر المحتمل لحزب الشعوب الديمقراطي إلى تغير كبير في المشهد السياسي قبل سنتين من الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يبدو أنها ستكون صعبة بالنسبة إلى أردوغان، في ظل التحديات الاقتصادية وتآكل شعبيته المتنامية.
ويرى مراقبون في الخطوة حملة تصفيات سياسية مبكرة بدأت قبل استحقاق انتخابي يشكل بالنسبة للرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية اختبارا وجوديا سيحدد مصير مستقبله السياسي، وسط توقعات واستطلاعات رأي تشير إلى أنه بات أضعف وأقل شعبية من أحزاب معارضة مثل حزب الشعب الجمهوري.
ويشير هؤلاء إلى أن ما يقلق أردوغان أكثر في هذه المرحلة هو حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والذي من المحتمل أن يشكل داعما كبيرا لحزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2023 والذي قد يطلب من قواعده الانتخابية التصويت لصالح المعارضة.

ومنذ آخر انتخابات تشريعية في يونيو 2015 وبعد أن انتزع حزب الشعوب الديمقراطي فوزا يعتبر ساحقا بعد ثلاث سنوات من تأسيس الحزب وتخطيه عتبة الـ10 في المئة من الأصوات المطلوبة لدخول البرلمان (حصل حينها على نسبة 13 في المئة) لأول مرة منذ ما يزيد عن عقد، أصبح الحزب يمثل كابوسا بالنسبة إلى أردوغان، فقد حرم فوز الحزب المؤيد للأكراد حينها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، من الأغلبية البرلمانية المريحة.
ومنذ ذلك التاريخ يتعرض الحزب ونوابه والأعضاء فيه إلى حملة أمنية شرسة ومعظم الملاحقات القضائية بحقهم تتعلق بتهم الإرهاب أو الدعاية للإرهاب.
وبحسب دبلوماسي غربي فإن هدف أردوغان “شق صفوف المعارضة عبر إرغام الأحزاب على اتخاذ موقف”، ومن ثم تصنيفها إما على أنها “مدافعة” عن تركيا وإما “مناوئة” لها.
وقبل عامين من انتخابات 2023 العامة التي قد تكون معقدة بالنسبة له، يمكن أن يحاول أردوغان أيضا وبموجب دستور جديد، وضع نظام انتخابي يسهّل إعادة انتخابه.
وقالت الخبيرة السياسية في جامعة بارد كوليدج في برلين أيسودا كولمن، إن “القاعدة الناخبة للائتلاف الحاكم في طور الذوبان”، مضيفة أنه لم يعد من المضمون بالنسبة لأردوغان أن ينال أكثر من 50 في المئة من الأصوات التي يحتاجها لكي ينتخب من الدورة الأولى في عام 2023، ولا حتى أن يتم انتخابه في الدورة الثانية.
وأضافت “في مواجهة هذا الخطر، يمكنه أن يلجأ إلى خيار نظام بدورة واحدة، يمكن أن ينتخب فيها المرشح الذي ينال أغلبية بسيطة من الأصوات”.